مسائل في العقيدة من حديث ابن عمر
قال
الإمام البخاري رحمه الله تعالى: (بَابُ مُقَلِّبِ القُلُوبِ وَقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ} [الأنعام: 110])
ثم
ذكرحديثَ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رضي الله عنهما برقم (7391) قَالَ:
أَكْثَرُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْلِفُ: «لاَ
وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ».
**********
-من
فوائد الحديث أن الهداية والضلال بيد الله عز وجل؛ لأن الله هو الذي يقلب القلوب،
ويصرفها كيف يشاء.
وهذا قول أهل السنة والجماعة، وقد قال
سبحانه:﴿أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ
فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ [النساء:88]. ويقول سبحانه: ﴿فَمَنْ
يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [الروم:29].
ويقول: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ
يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [القصص:56]. ويقول: ﴿مَنْ
يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا
مُرْشِدًا﴾ [الكهف:17].
والقدرية
يخالفون ويزعمون أن الله لم يخلق الخير والشر.
وعقيدة
الرافضة هي عقيدة المعتزلة ودخلت عليهم الشبهة أنه يُنزَّه الله عز وجل عن أن يمنع
من الإيمان ثم يأمر
بالإيمان ويعاقب
على
الكفر. ولكن الله هذا ملكه يتصرف فيه كما يشاء: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا
يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء:23].
ثم
قد بيَّن سبحانه وتعالى في أدلةٍ أخرى أنه ما ختم على قلوبهم ولا منعهم من الإيمان
إلا لتماديهم في الطغيان
والكفر،وتكرر ذلك
منهم
قال سبحانه: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ
يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ
يَعْمَهُونَ﴾ [الأنعام:110].
يعني
أن هذا تكرر منهم، وقال: ﴿ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ
بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾ [التوبة:127]. وقال سبحانه :﴿فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا
كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾[البقرة:10]. وقال: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ
اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف:5].
ومن
هنا تأول القدرية أدلةَ القدر في خلق أفعال العباد، وقالوا في الهداية: المراد
سماه الله مهتديًا، ومنهم من قال: المراد بالهداية هداية
الدعوة
والبيان. فهداية الدعوة والبيان لا ينكرها القدرية ولكنهم ينكرون هداية التوفيق
فلهذا لجأوا إلى التحريف .
وقالوا
في أدلة الإضلال: سماه الله ضالًا، ومنهم من قال: ألفاه الله ووجده إلى غير ذلك من
التأويلات الباطلة كما ذكر ذلك ابن القيم
رحمه
الله في شفاء العليل.
والواجب
أن نؤمن بها على ظاهرها. أدلة الختم على ظاهرها ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى
قُلُوبِهِمْ﴾[البقرة:7]. أدلة الطبع، أدلة الهداية والضلال، إلىغير ذلك نؤمن بها على ظاهرها ولا نحرِّفُها كما
ذهبت إليه المعتزلة.
هذا
الحديث دليل على أن الله خالقُ أفعالِ العباد خيرِها وشرِّها .
ولا
يكون في ملكه إلا ما يريد، والقدرية يقولون: العبد هو الذي يخلق فعل نفسه هو الذي
يخلق الخير والشر والسعادة والإيمان والفسوق، وهذا القول باطل .{ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } .
-
في الحديث إثبات قدرة الله عز وجل، وعظمته فهو يتصرف كما يشاء في خلقه وفيما يشاء .
-إثبات
صفة التقليب لله عزوجل .
-عدَّ
بعضهم«وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ» من أسماء الله عزوجل .
قال شيخ
الإسلام في مجموع فتاواه في سياق ذكر أسماء الله عزوجل :وَكَذَلِكَ أَسْمَاؤُهُ
الْمُضَافَةُ مِثْلَ: أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَخَيْرُ الْغَافِرِينَ وَرَبُّ
الْعَالَمِينَ وَمَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ وَأَحْسَنُ الْخَالِقِينَ وَجَامِعُ
النَّاسِ لِيَوْمِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمُقَلِّبُ الْقُلُوبِ وَغَيْرُ ذَلِكَ
مِمَّا ثَبَتَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَثَبَتَ فِي الدُّعَاءِ بِهَا
بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ .
-
الحديث من أدلة العناية بالقلوب. وقد قال سبحانه: ﴿وَثِيَابَكَ
فَطَهِّرْ﴾ [المدثر:4]. وهذا يشمل تطهير الثياب والبدن والمكان من النجاسة،
ويشمل طهارة القلب وقد ذكر هذا المعنى ابن القيم في إغاثة اللهفان.
وفي
الصحيحين البخاري (53)، مسلم (1599) عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ،
يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
"... أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ
كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ
وَهِيَ القَلْبُ" .
فالعناية
بالقلب ، بصلاحه ،وطهارته ونظافته ونقاوته من جميع الأمراض الباطنة كالنفاق
والرياء والعجب والغرور والحسد من الأمور الواجبة .والله المستعان.
وقد
قيل يطيَّبُ القلبُ للعلم، كما تطيبُ الأرضُ للزراعة.
فعلينا
أن نجاهد في إصلاح قلوبنا فإنها قد تفسد
وقد تمرض وقد تموت، تتراكم ظلمة المعاصي عليها، وتستحكم عليها فلا يعرف
معروفًا
ولا ينكر منكرًا إلا ما أُشرب من هواه.
وعلينا
بالدعاء أن الله يصلح سرائرنا بحيث تكون قلوبنا نظيفة خالية من الأوساخ وقدكان
من أدعية النبي: "وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي" .
ومن
دعاء عباد الله الصالحين: ﴿وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ
آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[الحشر:10].
القرآن
والسنة فيهما تربيتنا على الآداب والأخلاق والصبر والصدق والإخلاص وعلى المجاهدة
في طاعة الله.