تابع/سلسلة المسائل النسائية
غُسلُ الحيض كغسل الجنابة إلا في ثلاثةِ أُمور
1- استحباب الغسل بماء مع
شيء من الحَوادِّ إما سدر
أو صابون ونحو ذلك .
لِمَا أخرج مسلم (332)عَنْ
عَائِشَةَ، أَنَّ أَسْمَاءَ سَأَلَتِ النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ؟ فَقَالَ: «تَأْخُذُ
إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا،
فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ
عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ
دَلْكًا شَدِيدًا حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ
تَصُبُّ عَلَيْهَا
الْمَاءَ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا» .
فَقَالَتْ أَسْمَاءُ:
وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا؟ فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ،
تَطَهَّرِينَ بِهَا»
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ تَتَبَّعِينَ أَثَرَ
الدَّمِ،
وَسَأَلَتْهُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ فَقَالَ: «تَأْخُذُ مَاءً فَتَطَهَّرُ
فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ أَوْ تُبْلِغُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا
فَتَدْلُكُهُ حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيْهَا
الْمَاءَ» .
فَقَالَتْ عَائِشَةُ:
" نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ
الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ .
السِّدْر : شجر النَّبِق
.
2- المبالغة في الغسل لقوله
( ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا
فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا حَتَّى
تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا ) .
3- أن المرأة بعد
الغسل تأخذ قطعةَخرقة أو فاين
ونحو ذلك
وتجعل فيه الطيب وتتبع بها مواضع الدم .
والمقصود بالطِّيب قطع رائحة الدم الكريهة .
وهذا عام
للبكر وللثيب ،وللمزوَّجة وغير
المُزَوَّجة .
أمَّا مسألة نقض الشعر
فلم يُذْكَرْ في حديث عائشة المذكور
مما
يدل على أنه ليس بواجب .
و في صحيح مسلم (330) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ:
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي فَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ
الْجَنَابَةِ؟ قَالَ: «لَا. إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ
حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ» .
وفي رواية عند مسلِمٍ من طريق عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا
الثَّوْرِيُّ، بإسنادِه وَفِيه (فَأَنْقُضُهُ لِلْحَيْضَةِ وَالْجَنَابَةِ، فَقَالَ:
لَا ) .
ولكن لفظة (والحيضة) رواية شاذة تفرَّد بها عبدالرزاق
عن الثوري قال ابن رجب وكأنها غير محفوظة فقد
رواها غير واحد عن الثوري فلم يذكروها . يراجع فتح
الباري لابن رجب .
وحكم عليها بالشذوذ ابنُ القيم في تهذيب السنن .
لكنَّه إذا كان الماء يصل إلى الشعر وأُصولِهِ فيبقى
الاستحباب بوَّب البخاري فيصحيحه (بَابُ امْتِشَاطِ المَرْأَةِ عِنْدَ غُسْلِهَا مِنَ المَحِيضِ ) .
ثم ذكر حديث عائشة قَالَتْ: أَهْلَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَكُنْتُ مِمَّنْ تَمَتَّعَ وَلَمْ
يَسُقْ الهَدْيَ، فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ وَلَمْ تَطْهُرْ حَتَّى دَخَلَتْ
لَيْلَةُ عَرَفَةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ لَيْلَةُ عَرَفَةَ وَإِنَّمَا
كُنْتُ تَمَتَّعْتُ بِعُمْرَةٍ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَمْسِكِي عَنْ عُمْرَتِكِ»
فَفَعَلْتُ ... الحديث .وأخرجه أيضاً مسلم .
وإذا كان هذا في الإحرام فالغسل للحيض والجنابة من بابِ
أولى .
وأكثر العلماء على
التسوية بين غسل الجنابة والحيض
وأنه لا يُنقض الشعر في واحد منهما إذا وصل الماء
إلى
غضون –أصول – الشعر المظفور
فإن لم يصل وجب
نقضُه عند الأكثرين كما في فتح الباري لابن رجب .
قلتُ :هو كما قالَ جمهورُ العلماء لكن يبقى الاستحبابُ إذا
كان الماء يصل لِما تقدَّم .
هذا ولا نستَدِلُّ بما رواه
أبوداود(248) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ تَحْتَ كُلِّ
شَعْرَةٍ جَنَابَةً فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ، وَأَنْقُوا
الْبَشَرَ».فهو حديثٌ ضعيف
.
لأنَّ فيه الْحَارِثَ
بْنَ وَجِيهٍ وقد قَالَ أَبُو
دَاوُدَ عقِبَ الحديثِ :
الْحَارِثُ بْنُ وَجِيهٍ حَدِيثُهُ مُنْكَرٌ، وَهُوَ
ضَعِيفٌ .
قلتُ : وفي معناه حديثُ
أبي أيوبَ عند ابنِ ماجة(598)
وإسنادُهُ منقطع
طلحة بن نافع الراوي عن أبي أيوب لم
يسمع منه .
وعن علي بن أبي طالب أخرجه أبو داود في سننه (249)
وابنُ ماجة (599)من طريق حَمَّاد،
أَخْبَرَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ،
عَنْ زَاذَانَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ
تَرَكَ مَوْضِعَ شَعْرَةٍ مِنْ جَنَابَةٍ لَمْ يَغْسِلْهَا
فُعِلَ بِهَا كَذَا
وَكَذَا مِنَ النَّارِ» قَال عَلِيٌّ: فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْتُ رَأْسِي
ثَلَاثًا،
وَكَانَ يَجُزُّ شَعْرَهُ .
وقد قال الحافظ في التلخيص الحبير لكن قيل:
إن الصواب وقفه على علي .اهـ
وعطاءُ بنُ
السائب مختلِط وفي كلامِ الحافظ ابنِ حجر رحمه الله
في تهذيب التهذيب ما يُفيد أنَّ حمادَ بن سلمة سمع من عطاء
قبل
الاختلاط وبعده فقد ذكر أقوالَ العلماء ثم قال في آخر ترجمة
عطاء بن السائب قلت: فيحصلُ لنا من مجموع كلامِهم أنَّ
سفيانَ الثوري
وشعبة وزهيرا وزائدة وحماد بن زيد وأيوب
عنه صحيح ومن عداهم يُتوقَّف فيه إلا حمادَ
بن سلمة فاختلف
قولُهم .
والظاهر أنه سمع
منه مرَّتين مرة مع أيوب كما يُومي إليه كلامُ
الدارقطني ومرة بعد ذلك لمَّا دخل إليهم
البصرة وسمع منه مع
جرير وذويه والله أعلم .اهـ
وكذلك يقولُ الشيخ الألباني فقد قرَّر في
الضعيفة برقم (881) في التعليق على حديث " تكلم أربعة وهم صغار، فذكر فيهم
شاهد يوسف " وقال : قدعلمتَ مما سبق أن حمادَ بن سلمة سمع منه في اختلاطه
أيضا، ولا يمكن تمييزُ ما سمعه في هذا الحال عمَّا سمعه قبلها، فلذا يُتوقف عن
تصحيح روايته عنه.