مذاكرةٌ قبل الدرس:
-شيخ البخاري: محمد بن سلام بتخفيف اللام
.
قال الحافظُ ابنُ حجر رحمه في مقدمة فتح الباري ص 340 الفصلُ السادس
في بيان المؤتلِف والمختلِف ...
سَلَّام بِالتَّشْدِيدِ كثير وبتخفيف اللَّام عبد الله بن سَلَام
الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور فَقَط .
وَاخْتلف فِي مُحَمَّد بن سَلام شيخ البُخَارِيّ وَالرَّاجِح أَنه
بِالتَّخْفِيفِ أَيْضا . اهـ
-الأسماء المضافة مثل: ( ذو القوة - ذي
المعارج - ذو الجلال والإكرام ) جماعة من أهل العلم يعدونها من أسماء الله -عز و جل-
و منهم شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى.
- خِصالٌ يُحتاجُ إليها في الطَّلب
قال ابن أبي حاتمٍ رحمه الله في
«مقدمة الجرح والتعديل» (2/36) :حدثني
أبي، نا ابن أبي
الحواري، قال: سمعت مروان بن محمد، يقول: ثلاثة لا يستغني عنها صاحب
العلم: الصدق، والحفظ، وصحة الكتب؛
فإن أخطأته واحدة لم تضره أن أخطأه الحفظ فرجع إلى كتب صحيحة لم يضره.
هذا أثرٌ صحيح.
وابن أبي الحواري : اسمه أحمد.
وأخرجه ابن عدي في مقدمة «الكامل».
الصدق في طلب العلم وفي كلِّ الأحوال من
الأخلاق الشريفة .
وبالصدق يُنالُ العلم والتقوى والجنَّة
قال تعالى { طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ
صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ } .
الحِفظ : خصلةٌ عظيمة وقد قال
عبدالرحمن بن مهدي في الأثر الثابت عنه (الحِفظُ هو الإتقان ) .
صِحَّة الكتب : وهذا من أهمِّ الأمور إتقانُ الطالبِ لِما
يستفيده وبعدُه عن الخطأ .
وهذه الأوصافُ معدودةٌ في آداب الطالب .
******************************
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (عَالِمُ الْغَيْبِ
فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا) وَ (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ
) وَ ( أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) (وَمَا تَحْمِلُ
مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ)
(إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ ) .
قَالَ يَحْيَى: الظَّاهِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا
، وَالْبَاطِنُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا
7379-حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ
ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ لَا يَعْلَمُ
مَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ إِلَّا اللَّهُ وَلَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللَّهُ
وَلَا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ وَلَا تَدْرِي نَفْسٌ
بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِلَّا اللَّهُ وَلَا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا
اللَّهُ) .
******************************
قوله - رحمه الله تعالى - (قَالَ يَحْيَى
الظَّاهِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا وَالْبَاطِنُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) .
قال الحافظ في الشرح : يحيى هَذَا هُوَ ابن زِيَادٍ الْفَرَّاءُ النَّحْوِيُّ الْمَشْهُورُ ،
ذَكَرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ مَعَانِي الْقُرْآنِ لَهُ .اهـ
وهذا إشارة إلى قوله عز وجل { هُوَ الْأَوَّلُ
وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }[الحديد:
3].
وفي صحيح مسلم (2713) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ
فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ
فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ ).
أي : أن الله عز و جل محيطٌ علمه بكل شيء
.
وهنا يقول : الظاهر على كل شيء علمًا و الباطن على
كل شيء علمًا .
(حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ) القطواني .
(حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ)
التيمي .
(حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ)
في طبقته عمرو بن دينار، و عمرو أرجح؛ لأنه ثقة ثبت، وعبدالله بن دينار ثقة.
(عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا)
عبدالله بن عمر بن الخطاب أبو عبدالرحمن.
( وَلَا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ
أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ )
( المطرُ ، أحدٌ ) فاعلان. المطر: فاعل
يأتي ، أحد: فاعل يعلم .
- اشتمل الحديث على مفاتيح الغيب، وأنها
خمس، وهي من خصائص رب العالمين لا يعلمها إلا هو .
المفاتيح: جمعُ مفتاح، و هي الآلة التي
يفتَح بها الشيءُ المُغْلق.
الغيب: ما غاب عن العيون كما في النهاية.
( لَا يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ
إِلَّا اللَّهُ )
إشارة إلى قوله سبحانه { اللَّهُ يَعْلَمُ
مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ
عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ } [الرعد:8].
و هذا فيه أقوالٌ للمفسِّرين .
منها : أن المرادَ نزولُ الدم عند المرأة وهي حامل .
وقوله : { وَمَا تَزْدَادُ } أي لا ينزل
للمرأة دم و هي حامل فيزداد و يتكامل خلقُ الجنين.
و منهم من قال : { وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ
} خروج الجنين قبل تمامه، و{ وَمَا تَزْدَادُ
} خروج الجنين لوقته تسعة أشهر.
وبعضهم قال : خروجُ الجنين لأكثر من تسعة
أشهر ، فأحياناً قد
يزيد حمل المرأة على التسعة الأشهر .
و جاء في سير أعلام النبلاء - و الله أعلم
بصحته- في ترجمة محمد بن عجلان أنه قال: ولدت و لي ثلاث سنين،
و يقول: و قد طلع لي سن كذا و كذا.
و اختلف أهلُ العلم في أكثرِ مدةٍ للحمل
فمنهم من قال : أربع سنين، و منهم من قال: سنتان، وقيل
غير ذلك .
وذكر ابن عبد البر ـ رحمه الله تعالى ـ:
أَنَّ هذِهِ مَسْأَلَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا إِلَّا الِاجْتِهَادُ، وَالرَّدُّ إِلَى
مَا عُرِفَ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ ، ذكرهذا القرطبي في تفسير
قوله تعالى: { وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ } .
و استدلَّ بالآية { وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ } مَن قال :بأن المراد نزول
الدم للمرأة الحامل على أنَّ المرأة الحامل
قد تحيض.
وهذا قول جماعةٍ من العلماء أنه لا مانع أن تحيض المرأة الحامل وهو قولُ أحمد في روايةٍ عنه .
وأخرج الإمام مالك رحمه الله في «الموطأ» (194) أَنَّهُ سَأَلَ
ابْنَ شِهَابٍ، عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ. قَالَ: تَكُفُّ عَنِ
الصَّلاَةِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَذلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا.
وأخرجه الدارمي في «سننه» (961) من طريق مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ
به.
قلت :وهو قول الشافعي في رواية عنه .
وقد ذكر الحافظ أبوعمر ابن عبدالبر في «التمهيد» (16/86) اختلاف
العلماء في المسألة, ورجَّح أن الحامل قد تحيض .
قال :وَمِنْ حُجَّةِ مَالِكٍ وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَهُ فِي
أَنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ مَا يُحِيطُ بِهِ الْعِلْمُ بِأَنَّ الْحَائِضَ قَدْ
تَحْمِلُ فَكَذَلِكَ
جَائِزٌ أَنْ تَحِيضَ كَمَا جَائِزٌ أَنْ تَحْمِلَ.
وَالْأَصْلُ فِي الدَّمِ الظَّاهِرِ مِنَ الْأَرْحَامِ أَنْ
يَكُونَ حَيْضًا حَتَّى
تَتَجَاوَزَ الْمِقْدَارَ الَّذِي لَا يَكُونُ مِثْلُهُ
حَيْضًا فَيَكُونُ حِينَئِذٍ
اسْتِحَاضَةً؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا حَكَمَ
بِالِاسْتِحَاضَةِ فِي دَمٍ زَائِدٍ عَلَى مِقْدَارِ الْحَيْضِ.
وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ
صلى الله عليه وسلم: <لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ, وَلَا حَائِلٌ حَتَّى
تَحِيضَ> مَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ حَيْضٌ عَلَى حَمْلٍ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ
إِنَّمَا وَرَدَ فِي سبي أوطاس حين أرادوا وطأهن, فأُخبروا أن الْحَامِلَ لَا
بَرَاءَةَ لِرَحِمِهَا بِغَيْرِ الْوَضْعِ, وَالْحَائِلَ لَا بَرَاءَةَ
لِرَحِمِهَا بِغَيْرِ الْحَيْضِ, لَا أَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ, وَاللَّهُ
أَعْلَمُ .اهـ
قلت : وهوقول الوالد الشيخ مقبل رحمه الله .
وهو أيضاً قولُ الشيخ ابن عثيمين في رسالته الدماء الطبيعية 14 وقال : وليس في الكتاب والسنة ما يمنعُ حيضَ الحامل.
والحاصل في المسألة: أن
الحامل قد تحيض وهذا نادر
والغالب أنها لاتحيض ولكن إذا وجدت الحامل الدم
وعليه أوصافُ دم الحيض فإنه
يكونُ حيضا فكما أن المرضعة قد يأتها الحيض وهي ترضع ولدها فكذلك الحامل .
وقد ذكر ابنُ عبدالبر
فيما تقدم ما يفيد تقويةَ القول بأنَّ
الحامل قد تحيض . والله أعلم .
أما جمهور العلماء فيرون أن الحامل لا تحيض.
و ذلك لأن الحكمة من انقطاع الحيض للحامل أنَّ الدم ينقلب غذاء للجنين.
ولكن أجاب الآخرون أنه لا يمنع أن يزيد
عن غذاء الجينين و ينزل للمرأة الحيض كما أن المرضع يتحول دم الحيض لبنًا و مع ذلك
قد تحيض المرضع، و الله أعلم.
(وَلَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللَّهُ)
الغد: اليوم الذي يأتي بعد يومِكَ كما
في النهاية .
و قد يأتي للمستقبل البعيد كما قال تعالى: { يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [الحشر:18]. أُطلق
( غد ) على يوم القيامة.
(وَلَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللَّهُ
) وإذا كنا لا نعلم ما في غد وهو أقرب الأيام إلينا، فما كان أبعد من باب أولى ألا نعلم ما يكون فيها.
ومن الأمور العجيبة : أن الإنسان يكون منظِّماً
لوقته ومقرراً أنه سيفعل غدًا كذا و كذا ثم
يأتي ما يصرفه؛ لأنه لا يعلم
ما في غدٍ إلا الله سبحانه وتعالى.
(وَلَا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ
أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ)
المطر منه خيرٌ و منه شر.
و قد روى الإمام البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ في صحيحه (1032) عَنْ عَائِشَةَ ( أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ قَالَ اللَّهُمَّ
صَيِّبًا نَافِعًا ).
يقول الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى
- الحديث دليل على أن المطر منه نافعٌ و منه ضار .اهـ
و يفيد أيضًا استحباب الدعاء عند رؤية المطر
بهذا الدعاء ( اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا ) أي اجعله مطرًا نافعًا.
الصيب هو المطر قال تعالى { أَوْ كَصَيِّبٍ
مِنَ السَّمَاءِ } [البقرة:19].
و يستحب أيضاً أن يقال: رحمة عند رؤية
المطر ، كما في صحيح مسلم (899) عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ
زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ عُرِفَ
ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ فَإِذَا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ
ذَلِكَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا
سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِي .
وَيَقُولُ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ رَحْمَةٌ
) .
قال النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في شرح
صحيح مسلم: أي هذا رحمة.
وهو من الأدلة أيضاً على أن المطر منه رحمة.
و في الصحيحين من حديث زيد بن خالد الجهني ـ رضي
الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال على إثر سماء - أي مطر -
قال عن ربه: ( أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ قَالَ
مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ
وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ
) .
الشاهد من حديث زيد بن خالد أنه قد يطلق مطر على الغيث فليس كلُّ مطرٍ عذاباً .
و في هذا رد على من يقول أنه لا يقال مطر ولكن يُقال غيثٌ ؛
لأن المطر لا يكون إلا في العذاب .
قال أبوهلالٍ العسكري رحمه الله في معجم الفروق اللغوية 391: الفرق بين الغيث
والمطر : الغيث: المطر الذي يغيث من
الجدب .
وكان نافعا في وقته.
والمطر: قد يكون نافعا وقد يكون ضارا
في وقته، وفي غير وقته، قاله الطبرسي . اهـ
ونجد المفسرين يُفسرون الغيث بالمطر
المذكور في بعض الآيات ومنها : {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ} .
قال ابنُ الجوزي رحمه الله في تفسير
آية الشورى : وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ يعني المطر وقت الحاجة مِنْ
بَعْدِ ما قَنَطُوا أي: يئسوا، وذلك أدعى لهم إلى شكر مُنزِله .
وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ في الرحمة هاهنا
قولان: أحدهما: المطر، قاله مقاتل. والثاني:
الشمس بعد المطر، حكاه أبو سليمان
الدمشقي . اهـ
و قد قال سفيان بن عيينة ـ رحمه الله تعالى-
: ما ذكر اللهُ في القرآن إلا مطرًا عذابًا و العرب تقول الغيث، الله عز و جل يقول:
{ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ
وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ } [الشورى:28]. و الأثر علَّقه
البخاري في صحيحه.
قال الحافظ في فتح الباري في كتاب
التفسير : وَقد تعقب كَلَام ابن عُيَيْنَةَ بِوُرُودِ الْمَطَرِ بِمَعْنَى
الْغَيْثِ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى { إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ
مَطَرٍ }[102]. فَالْمُرَاد بِهِ هُنَا
الْغَيْث قطعا وَمعنى التَّأَذِّي بِهِ الْبَلَلُ الْحَاصِلُ مِنْهُ لِلثَّوْبِ
وَالرِّجْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِنْ كَانَ مِنَ
الْعَذَابِ فَهُوَ أُمْطِرَتْ وَإِنْ كَانَ مِنَ الرَّحْمَة فَهُوَ مُطِرَتْ
وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا . اهـ
وتفصيلُ أبي عُبيدة- وهو معمر بنُ
المثنى – في مطر وأمطر الأدلَّةُ على خلافه .
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم شرح حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ المتفق عليه ،
أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ
الْقَضَاءِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ،
فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا، ثُمَّ
قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ،
فَادْعُ اللهَ يُغِثْنَا ، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللهُمَّ أَغِثْنَا، اللهُمَّ أَغِثْنَا،
اللهُمَّ أَغِثْنَا» ، قَالَ أَنَسٌ: وَلَا وَاللهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ
سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا
دَارٍ، قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا
تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ الحديث .
قال : وَهُوَ دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ
الْمُخْتَارِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ
اللُّغَةِ أَنَّهُ يُقَالُ مَطَرَتْ وَأَمْطَرَتْ لُغَتَانِ فِي الْمَطَرِ .
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا يُقَالُ
أَمْطَرَتْ بِالْأَلِفِ إِلَّا فِي الْعَذَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وأمطرنا عليهم
حجارة وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ .
وَلَفْظَةُ أَمْطَرَتْ تُطْلَقُ فِي
الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَتُعْرَفُ بِالْقَرِينَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا
هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا وَهَذَا مِنْ أَمْطَرَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَطَرُ فِي
الْخَيْرِ لِأَنَّهُمْ ظَنُّوهُ خَيْرًا فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ هُوَ مَا
اسْتَعْجَلْتُمْ به الحديث . اهـ
وقد ينزل المطر و لا يكون فيه بركة؛ و لهذا
روى الإمام مسلم في صحيحه (2904) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَيْسَتْ السَّنَةُ بِأَنْ لَا تُمْطَرُوا وَلَكِنْ
السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا وَتُمْطَرُوا وَلَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ شَيْئًا ).
قال النووي رحمه اللهُ في شرح صحيح
مسلم : وَالْمُرَادُ بِالسَّنَةِ هُنَا الْقَحْطُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ
تَعَالَى {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين} .
فالمطر قد ينزل و لا يكون فيه بركة في إحياء
الأرض بالنبات و الزرع ، وأيضاً قد يكون عذاباً .
وأما الغيث فلا يكون إلا رحمة و بركة؛ و لهذا النبي
ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لما استسقى في خطبة الجمعة
قال: اللهم أغثنا اللهم أغثنا .
وهنَا مسألةٌ :قد تأتي أخبار بأنه سينزل
المطر و لا يتنافى مع هذا الحديث في أنه (لا يعلمُ متى يأتي المطرُ أحدٌ إلا الله
)
لأنه بواسطة أجهزة وأرصِدة .
وهكذا قد ينكشف أمر الجنين أهو ذكر أم أنثى
و هذا أيضاً لا يتنافى مع الدليل لأنه بواسطة الأجهزة .
وهذه شُبَه قد تُورَد .
( وَلَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ
تَمُوتُ إِلَّا اللَّهُ )
أفي البلد أو في غير البلد، في الحضَر أو في السفر، في البر أو في البحر.
وقد ثبت في المستدرك حديث رقم (134) عن
أَبِي عَزَّةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم:
( إِذَا أَرَادَ اللَّهُ قَبْضَ عَبْدٍ بِأَرْضٍ جَعَلَ لَهُ إِلَيْهَا حَاجَةً ).
أي يجعل له فيها حاجة ليسافر إليها و يموت
فيها.
وكان الوالد الشيخ مقبل الوادعي ـ رحمه
الله تعالى ـ يكرر هذا الحديث في سفره .
- و فيه الإيمان بالقدر.
قوله(وَلَا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا
اللَّهُ)
و هذه الخصيصة الخامسة، آخر خصلة في هذا الحديث أنه لايعلم متى تقوم الساعة إلا الله سبحانه.
يقول تعالى :{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ
أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا
إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً
يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }[الأعراف:187]. حفي: عالم بها.
و هذا من الأسئلة التي لا ينبغي السؤال
عنها .
ولهذا لما سأل رجلٌ النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله
وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى السَّاعَةُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْدَدْتَ لَهَا فَكَأَنَّ الرَّجُلَ اسْتَكَانَ ثُمَّ قَالَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صِيَامٍ وَلَا صَلَاةٍ وَلَا صَدَقَةٍ
وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ) أخرجه
البخاري .
فبعض الأسئلة لا ينبغي السؤال عنها، و الأخطاء كثيرة في باب الأسئلة، و منها
هذا السؤال أن يسأل متى تقوم الساعة.
وأن يسأل عما جاء بيانُه في صحيح مسلم(134) من حديث أبي هريرة ـ رضي
الله عنه - أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال: ( لَا يَزَالُ النَّاسُ
يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ هَذَا اللَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ
).
لما سُئل أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن
هذا قال: صدق خليلي، قوموا ورماهم بالحصباء.
وقد أُلف في هذا مؤلفات في آداب ( المفتي
و المستفتي ) .
وذكر جملة من ذلك الخطيب البغدادي ـ رحمه
الله تعالى ـ في كتاب (الفقيه والمتفقه) .
و قد قيل : حُسْن السؤال نصف العلم.
ومن حسن السؤال اختيارُ الأسئلة النافعة
كما كانت أسئلة الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين -.
و هكذا يجب أن تكون الأسئلة نافعة يستفيد
منها الحاضرون، و تكون بعيدة عن الفتن المثيرة، فالخير يُنَصر بالحكمة
ولكل مقامٍ مقال، والله تعالى أعلم.
العلم من نعَم الله العظيمة فهو يهذب
ويقودُ إلى كلِّ خير ، و إلا فالأخطاء كثيرة لعدم المعرفة بما ينفع و بما يضر .
لا يكون المقصود الكلام و إشغال الجلسة، يكون عندنا
حُسن نية في السؤال الانتفاع و الاستفادة و استغلال الوقت.
و هناك رسالة ذكرها لنا الوالدُ الشيخ مقبل
الوادعي ـ رحمه الله
تعالى ـ رسالة للسيوطي
في تحديد عُمْر الدنيا .
وأنه أخطأ في هذا؛ فالأدلة واضحة في أنه لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله عز
وجل وذكر رحمه الله جملة من الأدلة .
ومنها :قصةُ جبريل عليه السلام لما سأل
النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ عن ذلك قال: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ
مِنْ السَّائِلِ .
قلت : الرسالة هي (الْكَشْفُ عَنْ مُجَاوَزَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ
الْأَلْفَ ) وهي ضمن الحاوي في فتاوى السيوطي .
وجزم في الرسالة المذكورة بقوله : الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآثَارُ أَنَّ
مُدَّةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ تَزِيدُ عَلَى أَلْفِ سَنَةٍ، وَلَا تَبْلُغُ
الزِّيَادَةُ
عَلَيْهَا خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ ....
أي لا تبلغ ألف وخمسمائة ، ولكن أقل من ذلك .
ثم ذكر بعد ذلك تحديد عمر الدنيا
.
وما في الأمر أي دليل يُذكر مع مخالفته لقواطع الأدلة في استئثارِ
اللهِ عزَّوجل بالوقت الذي تقومُ فيه الساعةُ .
وقد ردَّ العلامة الألباني رحمه الله في سلسلة الأحاديث الضعيفة
والموضوعة تحت رقم (3611) ومما ذكر رحمه
الله : أن الواقع يشهد ببطلان هذه
الأحاديث؛ فإن السيوطي قرر في الرسالة المذكورة بناء عليها وعلى غيرها من الأحاديث
والآثار - وجلُّها واهية - أن مدة هذه الأمة تزيد على ألف سنة، ولا تبلغ الزيادة
عليها خمس مئة سنة، وأن الناس يمكثون بعد طلوع الشمس من مغربها مئة وعشرين سنة !
أقول: ونحن الآن في سنة (1391) ، فالباقي لتمام الخمس مائة إنما هو
مئة سنة وتسع سنوات، وعليه تكون الشمس قد طلعت من مغربها من قبل سنتنا هذه بإحدى
عشرة سنة على تقرير السيوطي، وهي لما تطلع بعد! .
والله تعالى وحده هو الذي يعلم وقت طلوعها، وكيف يمكن لإنسان أن يحدد
مثل هذا الوقت المستلزم لتحديد وقت قيام الساعة، وهو ينافي ما أخبر الله تعالى من
أنها لا تأتي إلا بغتة؛ كما في قوله عز وجل: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل
إنما علمها عند ربي، لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم
إلا بغتة، يسألونك كأنك حفي عنها، قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا
يعلمون) [الأعراف: 187] .
ومع مخالفة هذه الأحاديث لهذه الآية وما في معناها، فهي مخالفة أيضاً
لما ثبت بالبحث العلمي في طبقات الأرض وآثار الإنسان فيها أن عمر الدنيا مقدر
بالملايين من السنين، وليس بالألوف! . اهـ
******************************
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ وَهُوَ يَقُولُ { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ }وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ فَقَدْ
كَذَبَ وَهُوَ يَقُولُ : لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ
******************************
( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ )
وهو الفِرْيابي.
( حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ) و هو ابنُ سعيد بن
مسروق الثوري.
( عَنْ إِسْمَاعِيلَ ) و هو ابنُ أبي خالد
البجلي الأحمسي كان يلحن كثيرًا .
وقد وُصف جماعةٌ كثيرةٌ من المحدثين باللحْن، و منهم
ابن عدي صاحب كتاب الكامل في الضعفاء.
( عَنْ الشَّعْبِيِّ ) و هوعامر بن شراحيل
القائل ـ رحمه الله تعالى ـ : ( ما كتبت سوداءَ في بيضاء ) .
أي : أنه كان يحفظ، .
وهو القائلُ ـ رحمه الله تعالى ـ في الشيعة: ( لو
كانت الشيعة من الطيور لكانوا رُخَمًا و لو كانوا من الدواب لكانوا حُمُرًا) .
رُخَمًا: أردأُ أنواعِ الطيور.
حُمُرًا: جمع حِمار. و الأثر صحيح.
( عَنْ مَسْرُوقٍ ) و هو ابن الأجدع، أبو عبدالرحمن.
( عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
قَالَتْ مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى
رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ وَهُوَ يَقُولُ { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ }
هذا فيه أنَّ أم المؤمنين عائشة - رضي الله
عنها - تنفي رؤية النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لربه.
واستنبطتْ هذا من الآية الكريمة { لَا تُدْرِكُهُ
الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }[الأنعام:103].
و لكن الإدراك غير الرؤية .
الإدراك معناه الإحاطة، أما الرؤية فهي بالبصر دون
إحاطة.
وعلى كلٍ ، هذا قول أم المؤمنين - رضي الله
عنها - وقول جماعة من السلف .
و لما سئلت - رضي الله عنها - عن قول الله عز وجل {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ
الْمُبِينِ} وقوله : { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى }[النجم:13]،
هل هذا يدل على
أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ رأى ربه .
فَقَالَتْ أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ
عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّمَا هُوَ
جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ
الْمَرَّتَيْنِ رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنْ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا
بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ. رواه مسلم (177) .
وأما ما جاء أن قوله عز و جل { ثُمَّ دَنَا
فَتَدَلَّى }[النجم:8]، أنه دنا النبي صلى
الله عليه وعلى آله وسلم إلى
الله عزو جل ففي بعض طُرُق حديث
الإسراء (فَقَالَ مُوسَى: رَبِّ لَمْ أَظُنَّ أَنْ يُرْفَعَ عَلَيَّ أَحَدٌ، ثُمَّ
عَلاَ بِهِ فَوْقَ ذَلِكَ بِمَا لاَ يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، حَتَّى جَاءَ
سِدْرَةَ المُنْتَهَى، وَدَنَا لِلْجَبَّارِ رَبِّ العِزَّةِ، فَتَدَلَّى حَتَّى
كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ) .
أخرجه البخاري
في صحيحه (7517) من طريق شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابن أبي نمر عن أنس بن مالك
بطوله في قصة الإسراء .
فهذا عُدَّ من أغلاط شريك بن عبدالله بن
أبي نمر.
و له أغلاطٌ أخرى في حديث الإسراء .
منها : أن الإسراءَ كان مناماً لا يقظة
.
ولو كان مناماً لما أنكرهُ كفارُ قريش
.
و منها : الغلط في بعض أماكن الأنبياء.
وسيأتي الكلامُ على المسألة إن شاء
اللهُ تحت (باب ما جاء في قوله عزوجل { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا }
)من صحيح
البخاري فلا نتعجَّل .
جمهور العلماء على أن النبي ـ صلى الله
عليه وعلى آله وسلم ـ رأى ربه، و لكن اختلفوا فمنهم من قال: رآه بعينه و منهم من قال:
رآه بقلبه، ذكر هذا النووي في شرح صحيح مسلم.
و هذا القول الثاني ثابت عن ابن عباس ـ
رضي الله عنه ـ موقوفاً عليه .
كما جاء في صحيح مسلم (176)عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قال
:«رَآهُ بِقَلْبِهِ» .
وفي روايةٍ لمسلمٍ عن ابنِ عباس قَالَ {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} قَالَ رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ .
وقد ثبت من الأدلة ما ينفي رؤية النبي ـ صلى الله
عليه وعلى آله وسلم ـ لربه .
من ذلك ما روى مسلم في صحيحه (178) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ شَقِيقٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي ذَرٍّ لَوْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَسَأَلْتُهُ فَقَالَ عَنْ أَيِّ شَيْءٍ كُنْتَ تَسْأَلُهُ قَالَ
كُنْتُ أَسْأَلُهُ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ قَالَ أَبُو ذَرٍّ قَدْ سَأَلْتُ فَقَالَ
رَأَيْتُ نُورًا .
و في رواية ( نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ ).
قال ابن القيم رحمه الله في اجتماع الجُيوش الإسلامية: سَمِعْتُ
شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يَقُولُ: مَعْنَاهُ كَانَ ثَمَّ نُورٌ،
أَوْ حَالَ دُونَ رُؤْيَتِهِ نُورٌ
فَأَنَّى أَرَاهُ. قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ
الصَّحِيحِ «هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ فَقَالَ: رَأَيْتُ نُورًا» .اهـ
وثبت أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله
وسلم ـ رأى ربه منامًا عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ
، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّ اللَّهَ
تَعَالَى تَجَلَّى لِي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ) كتاب السنة لابن أبي عاصم ـ رحمه الله
تعالى ـ (378) .
وهذه رؤيا منامية فقد جاء من حديث معاذ بن جبل "إني قمت من الليل
فتوضأت وصليت ما قدر لي، فنعست في مصلاي، حتى استثقلت فإذا أنا بربي في أحسن
صورة.." الحديث. أخرجه ابن خزيمة "ص143" وغيره وسنده صحيح كما في
مختصر العلو للشيخ الألباني رحمه الله .
ورؤيا الأنبياء وحْيٌ .
هذا و الله أعلم.
الحاصل أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله
وسلم ـ لم يرَ ربَّه بعينه كما يدل له حديث أبي ذر رضي الله عنه وما في معناه .
و رأى ربه في المنام .
أما قوله تعالى: { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى
} فهو جبريل عليه السلام .
وهذا الباب في إثبات صفة العلم لله عز و
جل، و صفة العلم من الصفات الذاتيَّة .
وعلْم الله عز و جل محيطٌ بكل شيء، قال
تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ
}[آل عمران:5] وقال : { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ
الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا
تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ
وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[الأنعام:59] .
و يقول تعالى: { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ
عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا }[الجن:26] .
هناك غلاة القدرية ينكرون صفة العلم السابق
( الأزلي ) لله عز وجل، و هؤلاء كَفَّرَهم أهل العلم .
و عبدالله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ لما قيل له إنه ظهر قوم يتقفَّرون العلم و يزعمون
أن الأمر أُنُف. فقال عبدالله بن عمر ـ رضي الله عنه: ( فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ
فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي وَالَّذِي يَحْلِفُ
بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ
مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ) ثم ذكر الحديث الذي رواه عمر
بن الخطاب - قصة جبريل - و فيه أركان الإيمان الستة و منها الإيمان بالقدر. رواه مسلم
(8).
الإمام أحمد يقول ( القدر قدرة الله عز
وجل ) .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى في
منهاج السُّنَّة ( 3/ 254 ) : الْقَدَرُ
يَتَعَلَّقُ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
الْقَدَرُ قُدْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى .
يُشِيرُ إِلَى أَنَّ مَنْ
أَنْكَرَ الْقَدَرَ فَقَدْ أَنْكَرَ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ
يَتَضَمَّنُ إِثْبَاتَ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ . اهـ
وغلاة القدرية فيه كلامٌ للقرطبي يدلُّ على أنهم قد انقرضُوا .
قال القُرْطبي رحمه الله في المُفهم (1 / 51 ) :القدرية اليومَ مُطْبِقون على أنَّ الله تعالى عالمٌ بأفعالِ
العباد قبلَ وقوعها ؛ ومعنى القدر عند القائلين به اليوم : أنَّ أفعالَ العباد
مقدورةٌ لهم ، وواقعةٌ منهم بِقُدْرَتِهم ومشيئتِهم ، على جهة الاستقلال ، وأنّها
ليست مقدورةً لله تعالى ولا مخلوقةً له ، وهو مذهبٌ مبتدَعٌ باطلٌ بالأدلّةِ
العقليَّةِ والسمعيَّةِ اهـ المراد .
القدرية -وهم الذين ليسوا بغلاة -ينكرون
خلق أفعال العباد، و هذا أيضاً قولٌ باطل قال
تعالى: { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }[الزمر:62]
، {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ }[الصافات:96] .
وقد تكلم أهل العلم على مسألة خلق أفعال العباد وردُّوا
على من ينكر ذلك .
وقد جاء عن كثير من الأئمة منهم الشافعي ـ رحمه الله
تعالى ـ قال: (ناظِرُوا القدريَّةَ بالعلم
فإن أقرُّوا به خُصِموا و إن جَحدوا به كَفروا ).
( بالعلم ) أي : العلم السابق .
( خُصِموا ) لأنهم وافقوا قول أهل السنة،
لأن الله عز وجل إن كان عَلِم به فقد أراده إرادة كونية.
قال الحافظ في فتح الباري تحت رقم (50 ) : يَعْنِي يُقَالُ لَهُ أَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ
فِي الْوُجُودِ خِلَافُ مَا تَضَمَّنَهُ الْعِلْمُ فَإِنْ مَنَعَ وَافَقَ قَوْلَ
أَهْلِ السُّنَّةِ وَإِنْ أَجَازَ لَزِمَهُ نِسْبَةُ الْجَهْلِ تَعَالَى اللَّهُ
عَنْ ذَلِكَ . اهـ
وقال ابنُ القاسم رحمه الله في حاشية كتاب التوحيد : يعني إن أنكروا
العلم القديم السابق بأفعال العباد، وأنه في كتاب حفيظ فقد كذبوا القرآن، وإن
أقروا بذلك وأنكروا أن الله خلق أفعال العباد وأرادها فقد خصموا؛ لأن ما أقروا به
حجة عليهم فيما أنكروا .
وقال الشيخُ ابنُ عثيمين في القول المفيد (2/ 401 ) في سياق الرَّدِّ على القدرية :هل تقرون بأن الله تعالى عالم بما
سيقع من أفعال العباد؟ .
فسيقول غير الغلاة منهم: نعم، نقر بذلك، فنقول: هل وقع فعلهم على وفق
علم الله أو على خلافه؟ .
فإن قالوا: على وفْقه، قلنا:
إذن قد أراده، وإن قالوا: على خلافه، فقد أنكرُوا علمه، وقد قال الأئمة رحمهم الله
في القدرية: ناظروهم بالعلم، فإن أقروا به، خُصِموا، وإن أنكروه، كفروا. اهـ
وينظر مجموع الفتاوى (23/ 349) لشيخ الإسلام .
فائدة :حديثُ عائشةَ في الباب فيه النفيُّ تقول : فَقَدْ كَذَبَ .
وسمعت من الوالدِ رحمه الله مراراً
يقول : ثلاثةٌ شديدُو الإنكارِ لِما لَمْ يبلُغهُم :
أمُّ المؤمنين عائشة ،وعمرُ
بنُ الخطَّاب رضي الله عنهما، وابنُ العربي المالكي رحمه الله .
وبهذا ننتهي وللهِ الحمدُ والمنَّة .