فصلٌ ـ بيعةُ العقبةِ الأولَى والثانية
ثم إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
لقيَ عندِ العقبةِ في الموسِمِ نفراً من الأنصارِ
كُلَّهم
من الخزْرج، وهم: أبو أمامةَ أسعدُ بن زُرارة بن عُدَس، وعوفُ بنُ الحارث بنِ رِفاعة
وهو
ابنُ عفْراء ، ورافعُ بن مالك بن العَجْلان، وقُطبةُ بن عامر بن حَديدة، وعقبةُ بن
عامر بن نابِي، وجابر
بن عبد الله بن رِئاب، فدعاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
إلى الإسلام، فأسلموا مبادرةً إلى الخير، ثم
رجعُوا إلى المدينة فدعوا إلى
الإسلام، ففشا الإسلامُ فيها، حتَّى لم تبقَ دارٌ إلا وقد دخلَها الإسلامُ .
#################
قولهُ (لقي عندِ العقبةِ)قال
النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم شرح
حديث كعبٍ
الطويل
في غزوة تبوك : الْعَقَبَةُ الَّتِي فِي طَرَفِ مِنًى التى يُضَافُ إِلَيْهَا
جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ .اهـ
(في
الموسِمِ)أي موسمِ الحج بمنى .
(أبو أمامةَ أسعدُ بن زُرارة بن عُدَس)
عُدَس
قال الصفَدي في( الوافي بالوفيات ) ترجمة أسعد : (عُدَس على وزن قُثَم)
.
وصفَهُ
الذهبي رحمه الله في ترجمته من سير أعلامِ النبلاء وقال : السَّيِّدُ،
نَقِيْبُ بَنِي النَّجَّارِ، أَبُو أُمَامَةَ
الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، مِنْ
كُبَرَاءِ الصَّحَابَةِ .
وقال
الحافظ في الإصابة : قديم الإسلام، شهد العقبتين، وكان نقيباً على قبيلته، ولم
يكن في النُّقباء أصغر سنّا
منه. ويقال: إنه أول من بايع ليلة العقبة .
(عوفُ
بنُ الحارث )هو أخو معاذ ومعوذ أولاد عفراء.
ذكرهم
أهل المصطلح فيمن يُنسبُونَ إلى أُمهاتِهم .
وأبوهم
الحارث بْنُ رفاعة بن الحارث .
(ورافع
بن مالك بن العجلان) قال ابنُ عبدالبر في الاستيعاب في
ترجمته :رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو
بن عامر بن زريق .
الزرقي
الأنصاري الخزرجي، يكنى أبا مالك .
وقيل: يكنى أبا رفاعة، نقيب بدري عَقَبي، شهد
العقبة الأولى والثانية، وشهد بدرا فيما ذكره موسى بن عقبة
عن ابن شهاب، ولم
يذكره ابن إسحاق في البدريين.
(وقطبةُ
بن عامر بن حَديدة)قال ابنُ عبدالبر في الاستيعاب : يكنى أبا
زيد قَالَ
ابْنُ إِسْحَاق: هُوَ قطبة بْن
عَامِر بْن حديدة بْن عَمْرو بن سواد بن غنْم بن
كعب بن سَلَمَة الخزرجي، شهد العقبة الأولى والثانية، ولم
يختلفوا فِي ذَلِكَ،
وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلّها مع رسول الله صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت معه
راية بني سَلَمَة
يَوْم الْفَتْح، وجرح يَوْم أحد تسع جراحات.
(عقبةُ
بن عامر بن نابِي) نابي بنون وموحدة وزن قاضي كما في الإصابة .
(جابر
بن عبد الله بن رئاب) هذا جدُّهُ رِئاب فليس بالصحابي
المشهور وهو جابر بن عبدالله بن عمرو بن
حرام هؤلاء
الستة من الأنصار وكلُّهم من الخزرج ، أرَادَ اللهُ بهم خيراً ،شهِدُوا العقبةَ
الأولى ولقيهم النبي
صلى الله عليه وعلى آله وسلم في موسم الحج بمنى عند جمرة
العقبة ودعاهم إلى الله سبحانه وتعالى
فاستجابُوا وأسلموا مبادرةً إلى الخير، ثم
رجعوا إلى المدينة دُعَاةً إلى الإسلام فانتشر الإسلامُ
( حتى لم تبقَ دارٌ إلا وقد دخلها الإسلام)
فليس
يوجد دارٌ من دُورِ الأنصارِ إلَّا وفيها مَن أسلم من الرجالِ والنساء.
#################
فلما
كان العامُ المقبلُ، جاء منهم اثنا عشرَ رجلاً: الستةُ الأوائِل خلا جابرَ بن عبد
الله بن رئاب .
ومعهم: معاذُ بن الحارث بن رفاعة، أخو عوفٍ
المتقدِّم، وذكوان بن عبد قيس بن خلدة ـ وقد أقام ذكوانُ هذا
بمكةَ حتى هاجرَ إلى
المدينة فيُقال: إنه مهاجري أنصاري ـ وعبادةُ بن صامت بن قيس، وأبو عبد الرحمن
يزيد بن ثعلبة، فهؤلاء عشرةٌ من الخزرج .
واثنان من الأَوْس وهما: أبو الهيثم مالك بن التَّيِّهان،
وعُويم بن ساعدة ، فبايعوا رسولَ الله صلى الله عليه
وسلم كبيعة النساء، ولم يكن أُمِر
بالقتالِ بعدُ .
فلما انصرفُوا إلى المدينة، بعث معهم رسولُ الله
صلى الله عليه وسلم عمرو بنَ أُمِّ مَكتوم، ومصعب بن عمير
يُعلِّمان من أسلم منهم
القرآنَ، ويدعُوان إلى الله عز وجل، فنزلا على أبي أمامة أسعدَ بنَ زُرارة، وكان
مصعبُ
بن عمير يَؤمُّهُم وقد جمَّع بهم يوماً بالأربعين نفساً، فأسلم على يديهما
بشرٌ كثيرٌ منهم: أسيدُ بن حضير
وسعدُ بن معاذ، وأسلمَ بإسلامِهما يومئذ جميعُ
بني عبد الأشهل، الرجال والنساء، إلا الأُصيرمَ، وهو عمرو بن
ثابت بن وَقَش، فإنه
تأخَّر إسلامُه إلى يومِ أُحُد، فأسلم يومئذ، وقاتل فقُتل قبل أن يسجدَ لله سجْدَةً،
فأُخبر عنه
النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: "عمِل قليلاً وأُجر
كثيراً". وكثُر الإسلامُ بالمدينةِ وظَهَرَ .
#################
(فلما
كان العامُ المقبلُ، جاء منهم اثنا عشر رجلاً: الستةُ الأوائلُ خلا جابرَ بن عبد
الله بن رئاب...)
يذكر الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله تعالى
ـ أنه في العام المقبل جاء من الأنصار اثنا عشر رجلًا : وهم
الخمسةُ الأوائل ، وآخرُون من الأنصار، عشرةٌ من الخزْرج، واثنان
من الأوس .
فبايعوا رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله
وسلم ـ على السمع والطاعة وأن يمنعوا منه كما
يمنعون
من أنفسهم، وأبنائهم، ونسائهم ومن فعل ذلك فله الجنَّة، وهذه البيعة يقال لها بيعةُ
العقبة
الأولى،
وأما اللقاءُ الأوَّل للأنصار فليس فيه
مبايعتهم للنبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .
ويقول
ـ رحمه الله تعالى ـ هنا: (كبيعة
النساء)
أي: على وفق ما في بيعة النساء التي نزلتْ
بعدُ في سورة الممتحنة ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ
الْمُؤْمِنَاتُ
يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ
وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ
بَيْنَ
أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ
وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
[الممتحنة:12] .
وكانت
بيعةً بدون الأمر بالقتال .
وهذه
البيعة هي بيعَةُ"العقبة الأولى" .
وبعد هذه البيعة رجعُوا إلى المدينة، وبعثَ
النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ من يعلمهم، ويعلم أبناءَهم
القرآن،
والإسلام .
وهنا
يذكر ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ أن
الذي بعثه رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ معهم
عمرو بن أم مكتوم،
ومصعب بن عُمَير .
وهذا
في صحيح البخاري لكنه ليس فيه أن النبي صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم أرسلهما .
أخرج
البُخاري في صحيحه (3925)عن البراء بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ
بْنُ عُمَيْرٍ، وَابْنُ
أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَا يُقْرِئَانِ النَّاسَ، فَقَدِمَ بِلاَلٌ وَسَعْدٌ وَعَمَّارُ
بْنُ يَاسِرٍ، ثُمَّ قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فِي
عِشْرِينَ مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ " قَدِمَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ المَدِينَةِ
فَرِحُوا
بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى
جَعَلَ الإِمَاءُ يَقُلْنَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَمَا قَدِمَ حَتَّى قَرَأْتُ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى فِي
سُوَرٍ مِنَ المُفَصَّلِ " .
(وكان
مصعب بن عمير يؤمُّهُم وقد جمَّع بهم يَوماً بالأربعينَ نفساً)
(جمَّع
بهم ) قال الجوهري في الصحاح :جَمَّعَ القومُ تَجْميعاً، أي شهدوا الجُمْعَةَ
وقَضَوا الصلاة
فيها.
وقال
الفَيُّوْمِي في المصباحِ المنير : جَمَّعَ النَّاسُ بِالتَّشْدِيدِ إذَا
شَهِدُوا الْجُمُعَةَ كَمَا يُقَالَ عَيَّدُوا إذَا شَهِدُوا الْعِيدَ .
وهذه
اوَّلُ جمعة أقيمت في الإسلام في المدينة قبل الهجرة . وأخرجَ أبوداود في سننه (1069) عَنْ
عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَ قَائِدَ أَبِيهِ بَعْدَ مَا
ذَهَبَ بَصَرُهُ، عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا
سَمِعَ النِّدَاءَ
يَوْمَ الْجُمُعَةِ
تَرَحَّمَ لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِذَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ
تَرَحَّمْتَ لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: " لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ
جَمَّعَ بِنَا فِي هَزْمِ النَّبِيتِ مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ فِي نَقِيعٍ،
يُقَالُ لَهُ: نَقِيعُ الْخَضَمَاتِ "، قُلْتُ: كَمْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ،
قَالَ:
«أَرْبَعُونَ» .
وفيه
عنعنةُ ابن إسحاق لكنه قد صرَّح بالتحديث عند البيهقي في سننه (3/ 251) فالحديثُ
حسَنٌ.
والله أعلم .
وقد
اختُلِف أول من صلى الجمعة بالمدينة فمنهم من قال : هو أسعد بنُ زُرارة على ظاهر
الرواية .
ومنهم
من جَمَعَ بينهُما بأنَّه نُسِبَ إلى أسعدَ بن زُرارة لأنه جمَع الناسَ ودعاهم ، ومصعبُ
بنُ عمير هو
مقرئُهم ومعلمهم وكان يصلي بهم .
وقد
استدل بعضُ الفقهاء مِن ذِكْرِ عددِ الأربعينَ مسألةً فقهيةً : أن صلاة الجمعة تنعقد بأربعين رجلًا، وليس
فيه
دلالة لذلك؛ لأن هذه واقعة عيْن لا عمُومَ لها ، وقعتِ اتفاقًا، وقد ثبت في
الصحيحين من حديث جَابِرٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «أَقْبَلَتْ عِيرٌ
وَنَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجُمُعَةَ،
فَانْفَضَّ النَّاسُ إِلَّا اثْنَيْ عَشَرَ
رَجُلًا»، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿وَإِذَا
رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا، وَتَرَكُوكَ قَائِمًا﴾
[الجمعة: 11] .
وفي
المسألة خلاف طويل، والصحيح أن صلاة الجمعة تنعقد بما تنعقد به صلاة الجماعة.
بوَّب الإمام البخاري في صحيحه (بابٌ:
اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ) ثُمَّ ذكر
حديْثَ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ،
فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا،
ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا
أَكْبَرُكُمَا» .
فصلاةُ
الجمعة تنعقد باثنين بخطيب ومستمع، وقد ذهب إلى هذا جماعة من العلماء، ذهب إليه
إبراهيمُ بنُ يزيد
النخعي، وعُزِيَ إلى الظاهرية، ورجَّحه الشوكاني في (نيل
الأوطار)، وهو قول الوالدِ الشيخِ مقبل ـ رحمهم
الله تعالى ـ .
فالتحديد
بالأربعين لا يصح، والصحيح أنَّ صلاةَ الجمعة تنعقد باثنين فأكثرَ .
(وأسلمَ
بإسلامِهما يومئذ جميعُ بني عبد الأشهل) أي أسلم بإسلامِ أُسيد بن حضير وسعد بن
معاذ
جميعُ بني عبد الأشْهل فإنهما كبيران في قومهما ،وسعد بن معاذ رئيس قبيلة الأوس وهذا
قَبْلَ
الهجرةِ كما هو معلوم .
(إلا
الأُصيرمَ، وهو عمرو بن ثابت بن وَقَش، فإنه تأخَّر إسلامُه إلى يومِ أُحُد، فأسلم
يومئذٍ، وقاتل فقُتل قبلَ أن
يسجدَ لله سجدةً ، فأخبر عنه النبي صلى الله عليه
وسلم فقال: (عمِل قليلاً وأُجِر كثيراً) .
قال
السُّهيلي في الروض الأنف في شرح السيرة
النبوية لابن هشام(6/12) وَقْش، وَيُقَالُ فِيهِوَقَشٌ
بِتَحْرِيكِ
الْقَافِ. اهـ
وقال
الحافظ في فتح الباري تحت رقم(2808) وَقَشٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْقَافِ
بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ .اهـ
ويقال
:أُقيش .
والحديث الذي ذكره ابنُ كثير أخرجه
الإمامُ البخاري في صحيحه ـ رحمه الله تعالى ـ وبوَّب عليه
(بَابٌ: عَمَلٌ صَالِحٌ
قَبْلَ القِتَالِ) ثُمَّ ذكر حديثَ البَرَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ:
أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ
مُقَنَّعٌ بِالحَدِيدِ،
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُ أَوْ أُسْلِمُ؟ قَالَ: «أَسْلِمْ، ثُمَّ
قَاتِلْ»، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَاتَلَ، فَقُتِلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا».
(ثُمَّ
قَاتَلَ، فَقُتِلَ) ولم يسجد لله سجدة لأنه أسلم ثم قاتل .
وأخرج
أبو داود في سننه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، " أَنْ عَمْرَو بْنَ أُقَيْشٍ،
كَانَ لَهُ رِبًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَرِهَ أَنْ يُسْلِمَ حَتَّى
يَأْخُذَهُ،
فَجَاءَ يَوْمُ أُحُدٍ، فَقَالَ: أَيْنَ بَنُو عَمِّي؟ قَالُوا بِأُحُدٍ، قَالَ:
أَيْنَ فُلَانٌ؟ قَالُوا بِأُحُدٍ، قَالَ: فَأَيْنَ فُلَانٌ؟ قَالُوا:
بِأُحُدٍ،
فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ وَرَكِبَ فَرَسَهُ، ثُمَّ تَوَجَّهَ قِبَلَهُمْ، فَلَمَّا
رَآهُ الْمُسْلِمُونَ، قَالُوا: إِلَيْكَ عَنَّا يَا عَمْرُو، قَالَ: إِنِّي قَدْ
آمَنْتُ، فَقَاتَلَ حَتَّى جُرِحَ، فَحُمِلَ إِلَى أَهْلِهِ جَرِيحًا، فَجَاءَهُ
سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ لِأُخْتِهِ: سَلِيهِ حَمِيَّةً لِقَوْمِكَ، أَوْ
غَضَبًا لَهُمْ أَمْ غَضَبًا لِلَّهِ؟ فَقَالَ: بَلْ غَضَبًا لِلَّهِ
وَلِرَسُولِهِ، فَمَاتَ فَدَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَا صَلَّى لِلَّهِ صَلَاةً "
.
وهو
حديث حسن . وهو في الصحيح المسند لوالدي
رحمه الله (1/رقم 1393) .
وفي
سيرة ابنِ إسحاق كَانَ يَقُولُ أبوهريرة : حَدِّثُونِي عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ
الْجَنَّةَ لَمْ يُصَلِّ قَطُّ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفْهُ النَّاسُ
سَأَلُوهُ: مَنْ
هُوَ؟ فَيَقُولُ:
أُصَيْرِمٌ،
بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، عَمْرُو بْنُ
ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ الخ .
وهذا
من علامات حُسْنِ الخاتمة ختمُ العمر بعملٍ صالح ،يُجاهد ثم يموت ،أو يفطر من صومه
ثم يموت ، أو
ينتهي من حجه ثم يموت ، أو من صلاة الجماعة ، أو من حِفظِ القرآن ،
أو يتوبويكون
خاتِمَةَ عمره ، إلى
غير ذلك .
أخرج
الإمامُ أحمد في مسنده عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ، أَنَّهُ
سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا
أَرَادَ
اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ " قِيلَ: وَمَا اسْتَعْمَلَهُ؟ قَالَ:
" يُفْتَحُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِهِ حَتَّى يَرْضَى
عَنْهُ
مَنْ حَوْلَهُ " .
والحديث
حسن .
وهو في الصحيح المسند لوالدي رحمه الله (1004) .
الأعمال
بالخواتيم ـ نسأل الله حسن الخاتمة ـ يقولُ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (فَإِنَّ
أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ
بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى لاَ يَكُونُ بَيْنَهَا
وَبَيْنَهُ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ
أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ،
وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ
أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلَّا ذِرَاعٌ،
فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ
الجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا
") رواه البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ
قال ابنُ القيم رحمه
الله في الجواب الكافي 92: وَلَقَدْ
قَطَعَ خَوْفُ الْخَاتِمَةِ ظُهُورَ الْمُتَّقِينَ وَكَأَنَّ
الْمُسِيئِينَ الظَّالِمِينَ قَدْ أَخَذُوا تَوْقِيعًا
بِالْأَمَانِ {أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ
لَمَا تَحْكُمُونَ - سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ}
[سُورَةُ الْقَلَمِ: 39 - 40] .اهـ
فينبغي أن يكون الإنسان خائفًا متيقظًا لا يرتكب معصية فتحبِط
عملَه ، فالمعصية قد تُحبِطُ
الحسنة ، ولا يرتكب معصية فما يدري بعد ذلك أن يكونَ في جملة
الزائغين، فإن الله يقول: ﴿فَلَمَّا
زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ
قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف:5].
وهذا من أضرار المعصية
أنها من أسباب الزيغ، وعدم الثبات، ونستفيد أن الإنسان لا يغتر
مهما كان عنده من الأعمال
الصالحة، فإنه لا يدري بأي شيء يُختم له . والله المستعان.
#################
ثم
رجع مصعبُ إلى مكة، ووافَى الموسمَ ذلك العامَ خلقٌ كثيرٌ من الأنصار من المسلمين
والمشركين، وزعيمُ القومِ البراءُ بنُ معرُور
رضي الله عنه فلما كانت ليلة العقبة ـ الثلث الأول
منها
ـ تسلَّل إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ثلاثةٌ وسبعون رجلاً وامرأتان،
فبايعوا رسولَ
الله
صلى الله عليه وسلم خُفْية من قومهم ومن كفارِ مكة، على أن يمنعُوه مما يمنعون منه
نساءَهم
وأبناءَهم وأزُرَهم .
وكان
أوَّل من بايعه ليلتَئِذٍ البراء بن معرور، وكانت له اليد البيضاء، إذ أكَّد العقدَ
وبادر إليه.
وحضر
العباسُ عمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم موَثِّقاً مؤكِّداً للبيعة مع أنه كان
بعدُ على دين
قومه .
واختارَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم منهم تلك
الليلة اثني عشر نَقيباً وهم: أسعدُ بنُ زرارة بن عُدَس
،وسعد بن ربيع بن عمرو،
وعبدُ الله بنُ رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس، ورافعُ بن مالك بن العجلان،
والبراء
بن معرور بن صخر بن خنساء، وعبد الله بن عمرو بن حرام،- وهو والد جابر، وكان قد
أسلم تلك
الليلة رضي الله عنه-، وسعد بن عبادة بن دُليم، والمنذرُ بنُ عمرو بن خُنيس،
وعبادةُ بن الصامت. فهؤلاء
تسعةٌ من الخزرج .
ومن الأوس ثلاثةٌ وهم: أسيدُ بن الحضير بن سماك،
وسعدُ بن خيثمة بن الحارث، ورفاعةُ بن عبد المنذر بن
زبير، وقيل: بل أبوالهيثم بن
التَّيِّهان مكانَه ، ثم الناسُ بعدهم .
والمرأتان هما: أم عمارةَ نسيبة بنت كعب بن
عمرو، التي قتل مسيلمةُ ابنَها حبيب بن زيد بن
عاصم
بن كعب ، وأسماء بنت عمرو بن عدي بن نابِي
.
#################
هذه
بيعة العَقبَةُ الثانية ،بينها وبين الأولى ،عامٌ واحد ،فإن الأنصارَ رضي الله
عنهم تأَلَّمُوا وحزِنُوا مما يرونَ
ويسمعون من أذى الكفار للنبي صلى الله عليه
وعلى آله وسلم وعدمِ إيواء أحدٍ من
القبائلِ له فتشاوروا أن
يقوموا هم بإيواء هذا النبي الكريم .
وهذا
من توفيقِ الله لهم ،ورِزْقٌ ساقه الله إليهم ،والله يؤتي فضله ما يَشاء ،والله
ذوالفضلِ
العظيم .
ونسوقُ
هنا ما يدل على هذا المعنى من حديث جابر .
أخرج
الإمامُ أحمد في مسنده (23/22)عن جابر بن عبدالله رضي اللهُ عنه الحديث وفيه ثُمَّ
بَعَثَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ،
فَأْتَمَرْنَا، وَاجْتَمَعْنَا سَبْعُونَ رَجُلًا
مِنَّا، فَقُلْنَا: حَتَّى مَتَى نَذَرُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُطْرَدُ فِي جِبَالِ مَكَّةَ،
وَيَخَافُ، فَرَحَلْنَا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَيْهِ فِي الْمَوْسِمِ،
فَوَاعَدْنَاهُ شِعْبَ الْعَقَبَةِ، فَقَالَ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ: يَا ابْنَ
أَخِي، إِنِّي لَا
أَدْرِي مَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الَّذِينَ جَاءُوكَ؟ إِنِّي
ذُو مَعْرِفَةٍ بِأَهْلِ يَثْرِبَ، فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَهُ مِنْ رَجُلٍ
وَرَجُلَيْنِ، فَلَمَّا نَظَرَ
الْعَبَّاسُ فِي وُجُوهِنَا، قَالَ: هَؤُلَاءِ
قَوْمٌ لَا أَعْرِفُهُمْ، هَؤُلَاءِ أَحْدَاثٌ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ،
عَلَامَ نُبَايِعُكَ؟ قَالَ: "
تُبَايِعُونِي عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ
فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ، وَعَلَى النَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ،
وَعَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ،
وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَعَلَى أَنْ
تَقُولُوا فِي اللهِ لَا تَأْخُذُكُمْ فِيهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَعَلَى أَنْ
تَنْصُرُونِي إِذَا قَدِمْتُ يَثْرِبَ،
فَتَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ
أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ وَلَكُمُ الْجَنَّةُ "،
فَقُمْنَا نُبَايِعُهُ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ
وَهُوَ
أَصْغَرُ السَّبْعِينَ، فَقَالَ: رُوَيْدًا يَا أَهْلَ يَثْرِبَ، إِنَّا لَمْ
نَضْرِبْ إِلَيْهِ أَكْبَادَ الْمَطِيِّ إِلَّا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ
اللهِ، إِنَّ
إِخْرَاجَهُ الْيَوْمَ مُفَارَقَةُ الْعَرَبِ كَافَّةً، وَقَتْلُ
خِيَارِكُمْ، وَأَنْ تَعَضَّكُمُ السُّيُوفُ، فَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ
تَصْبِرُونَ عَلَى السُّيُوفِ
إِذَا مَسَّتْكُمْ، وَعَلَى قَتْلِ خِيَارِكُمْ،
وَعَلَى مُفَارَقَةِ الْعَرَبِ كَافَّةً، فَخُذُوهُ وَأَجْرُكُمْ عَلَى اللهِ،
وَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَخَافُونَ مِنْ
أَنْفُسِكُمْ خِيفَةً فَذَرُوهُ، فَهُوَ
أَعْذَرُ عِنْدَ اللهِ،قَالَوا: يَا أَسْعَدُ بْنَ زُرَارَةَ أَمِطْ عَنَّا
يَدَكَ، فَوَاللهِ لَا نَذَرُ هَذِهِ الْبَيْعَةَ، وَلَا
نَسْتَقِيلُهَا،
فَقُمْنَا إِلَيْهِ رَجُلًا رَجُلًا يَأْخُذُ عَلَيْنَا بِشُرْطَةِ الْعَبَّاسِ،،
وَيُعْطِينَا عَلَى ذَلِكَ الْجَنَّةَ .
والحديث
حسن .
ويُنظر
الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين لوالدي
رحمه الله (215) .
(وزَعِيمُ
القوم البراء بن معرور ـ رضي الله عنه ـ) قال الحافظ في فتح الباري تحت رقم (3890)
الْبَرَاءُ
بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَمَعْرُورٌ بِمُهْمَلَاتٍ يُقَالُ إِنَّهُ كَانَ
أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْأَنْصَارِ وَأَوَّلَ مَنْ بَايَعَ فِي الْعَقَبَةِ
الثَّانِيَةِ
وَمَاتَ قَبْلَ قُدُومِ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ
أَوَّلُ مَنْ صَلَّى إِلَى الْكَعْبَةِ فِي قِصَّةٍ
ذكرهَا ابن إِسْحَاقَ
وَغَيْرُهُ .
(فلما كانت ليلة العقبة ـ الثلث الأول منها)
لما مضى الثلث
الأول من ليلةِ العقبة تسلَّل - أي
ذهب بخُفية - ثلاثة وسبعون رجلًا وامرأتان ذهبوا
سرًا من قومهم ومن كفار مكة
فبايعوا النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ.
(على
أن يمنعُوه مما يمنعون منه نساءَهم وأبناءَهم وأُزُرَهم).
أُزُرهم:
هو جمع إزار، قال ابن الأثير في النهاية: (فِي حَدِيثِ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ
«لَنَمْنَعَنَّكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرُنَا» أَيْ
نِسَاءَنَا وَأَهْلَنَا،
كَنَّى عَنْهُنَّ بالأزرِ.
وَقِيلَ أَرَادَ أَنْفُسَنَا. وَقَدْ يُكنى عَنِ
النفْس بِالْإِزَارِ) .
وفي
(بهجة المحافل وبغية الأماثل) ليحيى بن أبى بكر العامري (1/138) : بضمِّ الهمزة
والزاي
وفتح ما بعدهما واحده إزار يذكَّرُ ويؤنث أي نساءنا وأهلنا
.اهـ
(وكان أول من بايعه ليلتئذ البراء بن معرور،
وكانت له اليد البيضاء، إذ أكَّد العقد وبادر إليه).
(ليلتئذ) أي: ليلة بيعة العقبة الثانية.
(وكانت
له اليد البيضاء)
لسابقيته
في المبادرة لمبايعة النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ.
(وحضر
العباسُ عمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم )
حضر
بيعة العقبة الثانية العباس عم رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ
(موثِّقاً
مؤكداً للبيعة مع أنه كان بعدُ على دين قومه) .
موثِّقاً أي آخذاً عليهم العهد والميثاق ، وما
كان قد أسلم فإنه لم يسلم إلا بعد غزوة بدر لكنه جاء هنا
حَمِية
،وغَضَبَاً ، وعصبية للنبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ.
وفي
مسند أحمد(23/22) بسند حسن عن جابر بن
عبدالله في سياق حديث بيع العقبة
وفيه
حضور العبَّاس بيعة العقبة الثانية وأنه
قال رضي الله عنه :( يَا ابْنَ أَخِي، إِنِّي لَا أَدْرِي مَا هَؤُلَاءِ
الْقَوْمُ
الَّذِينَ جَاءُوكَ؟ إِنِّي ذُو مَعْرِفَةٍ بِأَهْلِ يَثْرِبَ،
فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَهُ مِنْ رَجُلٍ وَرَجُلَيْنِ، فَلَمَّا نَظَرَ الْعَبَّاسُ
فِي وُجُوهِنَا،
قَالَ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا أَعْرِفُهُمْ، هَؤُلَاءِ أَحْدَاثٌ
.
وفيه:( فَقُمْنَا إِلَيْهِ رَجُلًا رَجُلًا
يَأْخُذُ عَلَيْنَا بِشُرْطَةِ الْعَبَّاسِ،، وَيُعْطِينَا عَلَى ذَلِكَ
الْجَنَّةَ ).
أي
ميثاق وعهد العباس على الأنصار الوفاء لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وهذا
من مناصرة العباس لابنِ أخيه ومحبته له رضي اللهُ عنه .
(واختار
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم منهم تلك الليلة اثنَي عشر نقيباً)
أي
أمرَالأنصار أن يختاروا منهم اثنَي عشر نقيباً ففي بعض الروايات أن النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم
أمر أنْ يُخرِجوا منهم اثني عشر نقيباً .
قال
السُّهيلي رحمه الله في الروض الأنف (4/74) : وَإِنّمَا جَعَلَهُمْ عَلَيْهِ
السّلَامُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا اقْتِدَاءً بِقَوْلِهِ
تَعَالَى فِي قَوْمِ
مُوسَى: {وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ
نَقِيبًا} [الْمَائِدَةَ: 12] .اهـ
قال
ابنُ الأثير في النهاية : النُّقَبَاءُ: جَمْع نَقِيب، وَهُوَ كالعَريف عَلَى
الْقَوْمِ المُقَدَّم عَلَيْهِمْ، الَّذِي يَتَعَرَّف أخبارَهم،
ويُنَقِّبُ عَنْ
أَحْوَالِهِمْ: أَيْ يُفَتِّش. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَدْ جَعَل ليلةَ العَقَبة كُلَّ واحدٍ مِنَ الجَماعة
الَّذِينَ
بَايَعُوهُ بِهَا نَقِيبا عَلَى قومِه وجَماعتِه، ليأخُذوا عَلَيْهِمُ الإسْلام،
ويُعَرِّفوهم شَرَائِطَهُ ، وَكَانُوا اثْنَيْ عشَر
نَقِيبًا كلُّهم مِنَ
الْأَنْصَارِ. اهـ
ثم
ذكر ابنُ كثيرٍ رحمه الله النُّقباءَ الاثني عشر .
وفي الصحيحين أَنَّ
عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ
أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ
العَقَبَةِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ وذكر حديث البيعة .
وفي الصحيحين عن عائشة الحديث في نزول آية التيمم وفيه فَقَالَ
أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ: - وَهُوَ أَحَدُ
النُّقَبَاءِ - «مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ
أَبِي بَكْرٍ» فَقَالَتْ عَائِشَةُ: «فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ
عَلَيْهِ
فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ» .
(والمرأتان هما: أم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو، التي قتل
مسيلمة ابنها حبيب بن زيد بن عاصم بن كعب).
المرأتان يبينُ رحمه الله ما تقدم أنه ( تسلَّل إلى رسولِ
الله صلى الله عليه وسلم ثلاثةٌ وسبعون
رجلاً وامرأتان)
.
فكان في هذه البيعة،
بيعة العقبة الثانية أم عمارة نسيبة بنت كعب ، ويذكرون أن مسيلمة كان
يقول لابنها حبيب فَجَعَلَ
يَقُولُ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. ثُمَّ
يَقُولُ: أَتَشْهَدُ أَنِّي
رَسُولُ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ: لَا أَسْمَعُ. فَيَقُولُ لَهُ
مُسَيْلِمَةُ: أَتَسْمَعُ هَذَا وَلَا تَسْمَعُ ذَاكَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ.
فَجَعَلَ
يُقَطِّعه عُضْوًا عُضْوًا . والله أعلم.
والمرأة الثانية : أسماء بنت عمرو بن عدي وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يبايع
النساء بالكلام من دون مسِّ اليد كما
ثبت بذلك الأدلة .
وممن شهد هذه البيعة كعبُ بن مالك رضي الله عنه كما في
الصحيحين (وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَيْلَةَ العَقَبَةِ، حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلاَمِ، وَمَا أُحِبُّ
أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ، أَذْكَرَ فِي
النَّاسِ
مِنْهَا) .
#################
فلما
تمتْ هذه البيعةُ استأذنوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يميلُوا على أهلِ
العقبةِ فلم
يأذنْ
لهم في ذلك، بل أذِن للمسلمين بعدها من أهلِ مكة في الهِجرةِ إلى المدينة، فبادر
الناس
إلى
ذلك، فكان أول من خرجَ إلى المدينة من أهل مكةَ أبو سلمةَ بنُ عبد الأسد، هو
وامرأتُه أمُّ
سلمة
فاحتُبِستْ دُونَه ومُنِعت سنةً من اللِّحاقِ به، وحِيل بينَها وبينَ ولدِها، ثم
خرجتْ بعدَ
السنة
بولدِها إلى المدينة، و شيَّعها عثمانُ بن طلحة، ويقال: إنَّ أبا سلمةَ هاجرَ قبْل
العَقَبةِ
الأخيرة،
فالله أعلم.
ثم خرجَ الناسُ أرْسالاً يتبعُ بعضُهُم بعضاً .
#################
لما تمَّت البيعةُ استأذنوا النبي ـ صلى
الله عليه وعلى آله وسلم ـ في قتال الكفار بمنى
وهذا
من شدة محبتهم للإسلام وللنبي فلم يأذنِ النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ في
ذلك،
ولكنه
أَذن بالهجرة إلى المدينة؛ فإِن الأنصارَ قد استعدُّوا لنصرة النبي ـ صلى الله
عليه وعلى آله
وسلم
ـ والدفاع عنه واتَّسعت صدورُهم للوفود والمهاجرين إلى دارِ الهجرة رضي الله عنهم
فبادر
المسلمون إلى الهجرة إلى مدينة رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ.
(فكان
أول من خرج إلى المدينة من أهل مكة أبو سلمة بن عبد الأسد، هو وامرأته أم سلمة)
مَن
أول من هاجر من أهل مكة إلى المدينة ؟ .
يذكر
الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ هنا
أول من خرج إلى المدينة من أهل مكة أبو سلمة
وزوجته وقيل غير ذلك .
قال
الحافظ ابنُ حجر عند شرح حديث البراء بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،
قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا
مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَابْنُ أُمِّ
مَكْتُومٍ ... قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ
الْهِجْرَةِ-أي في الشرح له - أَنَّ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَ
الْمَدِينَةَ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ
بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ
عَبْدِ الْأَسَدِ وَامْرَأَتُهُ
أُمُّ سَلَمَةَ وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَمَّاسُ بْنُ
عُثْمَانَ بْنِ الشَّرِيدِ وَعَبْدُ
اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بِحَمْلِ الْأَوَّلِيَّةِ فِي أَحَدِهِمَا عَلَى
صِفَةٍ خَاصَّةٍ فقد جزم
ابن عُقْبَةَ بِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ
مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مُطْلَقًا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ وَكَانَ
رَجَعَ مِنَ
الْحَبَشَةِ إِلَى مَكَّةَ فَأُوذِيَ بِمَكَّةَ فَبَلَغَهُ مَا وَقَعَ
لِلِاثْنَيْ عَشَرَ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي الْعَقَبَةِ الْأُولَى فَتَوَجَّهَ
إِلَى
الْمَدِينَةِ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ فَيُجْمَعُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ
مَا وَقَعَ هُنَا بِأَنَّ أَبَا سَلَمَةَ خَرَجَ لَا لِقَصْدِ الْإِقَامَةِ
بِالْمَدِينَةِ بَلْ فِرَارًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِخِلَافِ مُصْعَبِ بْنِ
عُمَيْرٍ فَإِنَّهُ خَرَجَ إِلَيْهَا لِلْإِقَامَةِ بِهَا وَتَعْلِيمِ مَنْ
أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَلِكُلٍّ أَوَّلِيَّةٌ مِنْ جِهَةٍ
.اهـ
(فاحتُبست
دونَه ومُنعت سنة من اللِّحاق به، وحيل بينها وبين ولدها)
تكلم
الحافظ في فتحِ الباري (3925) على
أوِّلِ مُهاجرة من النساء وقال : لَيْلَى
بِنْتُ أَبِي
حَثْمَةَ
امرأةً عَامِر بْن رَبِيعَةَ هِيَ أَوَّلُ مُهَاجِرَةٍ .
وَقِيلَ
بَلْ أَوَّلُ مُهَاجِرَةٍ أُمُّ سَلَمَةَ لِقَوْلِهَا لَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ
أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ وَيُجْمَعُ بِأَنَّ أَوَّلِيَّةَ أُمِّ سَلَمَةَ بِقَيْدِ
الْبَيْتِ
وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ إِطْلَاقِهَا .اهـ
والقصة
التي أشار إليها ابن كثير في قصة أبي سلمة وأنه مُنع أن يأخذ معه أم سلمة وأنه حيل
بين أم سلمة
وولدها أي سلمة .
هي
ضعيفَةُ السند قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ كما في سيرةِ ابنِ هشام (1/ 469) : فَحَدَّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ
بْنُ يَسَارٍ، عَنْ
سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ابْن أَبِي
سَلَمَةَ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ:
لَمَّا
أَجْمَعَ أَبُو سَلَمَةَ الْخُرُوجَ إلَى الْمَدِينَةِ رَحَلَ لِي بَعِيرَهُ ثُمَّ
حَمَلَنِي عَلَيْهِ، وَحَمَلَ مَعِي ابْنِي سَلَمَةَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ
فِي
حِجْرِي، ثُمَّ خَرَجَ بِي يَقُودُ بِي بَعِيرَهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ رِجَالُ
بَنِي الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ قَامُوا
إلَيْهِ
القصة بطولها .
وهذا
إسنادٌ ضعيف سلمة بن عبدالله بن عمر
مقبولٌ كما في تقريب التهذيب .
فهو
مجهول حال .
أمَّا
إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ
فهو ثقة .
قوله
(وشيَّعها طلحة بن عثمان ) كان طلحة بن عثمان بعدَ بيعة العقبة كافرًا لم يسلم وقد منَّ الله
عليه بالإسلام بعد ذلك .
قال
الحافظ في الإصابة في تمييز الصحابة .. أسلم عثمانُ بن طلحة في هُدنة
الحديبيّة، وهاجر مع خالد بن
الوليد، وشهد الفتح مع النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم،
فأعطاه مفتاح الكعبة.
وفي
«الصّحيحين» من حديث ابن عمر، قال: دخل النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم الكعبة، ودخل
معه بلال وعثمان بن طلحة، وأسامة بن زيد ... الحديث . اهـ المراد
(ثم
خرج الناس أرسَالاً يتبع بعضُهم بعضاً).
أي جماعات يتبع بعضُهم بعضًا، ولم يبق
في مكة من المسلمين إلا رسول الله ـ صلىالله
عليه وعلى آله وسلم-
وأبو بكر الصديق ومَن حبسه المشركون مثل سلمة بن هشام ،وعياش
ابن أبي ربيعة ، وعدد يسير .
وقد
كان أبو بكر رضي الله عنه يريد الخروجَ مع المهاجرين ففي صحيح البخاري عن عائشة
الحديث
وفيه وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى رِسْلِكَ
فَإِنِّي
أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي» ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي
أَنْتَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»
.
انتهينا من هذا الفصل وخُلاصةُ ما استفدنا
:
w
فضلُ الأنصار - رضي الله عنهم - فهم
الذين آووا رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ
بعدما كانت القبائل كلُّها
ترد قوله، ولا تستجيب له، وهذا مما فاز به الأنصار ﴿...ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ
مَنْ
يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [المائدة:54] .
w
ذكرُ ثلاث مراحل لهم في ثلاثة مواسم متتابعة
ومسابقتهم إلى هذه المنقبة العظيمة .
w
العامُ الأوَّل : لقي النبيُّ صلى
الله عليه وعلى آله وسلم نفراً منهم عند العقبة فدعاهم
إلى
الإسلام فأسلموا ثم رجعوا دُعاة إلى هذا الدين الحنيف وكان في ذلك نصرٌ عظيم.
w
العامُ الثاني جاء اثناعشر رجلا وبايعوا
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وهذه بيعة
العقبةُ الأُولى وليس فيها الأمرُ بالقتال
.
w
العام الثالث :جاء خلق كثير وبايعه
الأنصارُ على أن يمنعوا منه كما يمنعون منه
نساءَهم
وأولادهم وأنفسهم .
وتسمَّى
بيعة العقبة الثانية ، وبيعة العقبة الكُبرى
.
واستفدنا خيرَاً كبيراً في السيرة
ومن هذه المسائل :
·
ذكوان بن عبد قيس بن خلدة الأنصاري
الخزرجي أقام بمكة حتى هاجر إلى المدينة فيقال:
إنه
مهاجري أنصاري .
·
اختلافهم في أوِّل المهاجرين إلى
المدينة .
w
بيان أول جمعة كانت في المدينة .
w عمرو بن ثابت بن وقش الأصيرم
صحابي أسلم ثم قاتل وقتل شهيدًا «عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا» ولم
يكن قد
صلَّى للهِ صلاة .
w
نصُّ ابنِ كثير أَنَّ أوَّل من بايع
ليلة العقبة الثانية البراءُ بن معرور .
w
تعرَّفْنَا على عددٍ من الأنصار
والسابقين منهم ومن هُم النقباء - رضي الله عنهم -.
w
أنَّ عمرو بن حرام والد جابر بن
عبدالله أسلم ليلة العقبة الثانية وصارَ من النُّقَباء .
w إذنُ النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بعد
بيعتي العقبة لأصحابه في الهجرة
والله أعلم .