بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى عن يوسف عليه الصلاة والسلام أنَّه قال لِلْفتَيَيْنِ اللَّذَيْنِ
دخلا معه السجن {قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا
نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا
عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} .
قال الحافظ ابنُ كثير في تفسير هذه الآية : وَهَذَا –أي تعبير
الرؤيا- إِنَّمَا هُوَ مِنْ تَعْلِيمِ اللَّهِ إِيَّايَ، لِأَنِّي اجْتَنَبْتُ
مِلَّةَ الْكَافِرِينَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يَرْجُونَ ثَوَابًا
وَلَا عِقَابًا فِي الْمَعَادِ .
{وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ}
الآية.
يَقُولُ: هَجَرْتُ طَرِيقَ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ، وَسَلَكْتُ طَرِيقَ
هَؤُلَاءِ الْمُرْسَلِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
وَهَكَذَا يَكُونُ حَالُ مِنْ
سَلَكَ طَرِيقَ الْهُدَى، واتبع طريق المرسلين، وأعرض عن طريق الضالين، فإن الله
يهدي قلبه، ويعلِّمه ما لم يكن يعلم، وَيَجْعَلُهُ إِمَامًا يُقْتَدَى بِهِ فِي الْخَيْرِ،
وَدَاعِيًا إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ .اهـ
وقد دلَّ هذا أن من يُريد العلم لا بُد أن يستقيم ولا يبالي بحالِ
الناس المخالفين لدين الله .
فمن لزم الاستقامةَ ولم يُؤَثِّرْ عليه حالُ الناسِ من الضياع وانتهاك
الحرمات فُتِحَ له أبوابُ الخير من العلم والهدى .
من ثبتَ ولم يُجارِالناس والمجتمعات على ما هم عليه من الفساد والشر
يرزقه اللهُ الحفظَ ويجعل له البركة ويجعله إماماً وقُدوة في الخيروداعياَ إلى
طريق الخير وطريق الجنة .
وكان الوالد الشيخ مقبل رحمه الله يقول:احذروا المجتمعات فإنَّها لا تساعد على الخير .
إن هذا المفتاح للعلم لَمِنْ أَعْظم مفاتيح العلم وأهمِّها لأنه يُوجد
من يتعلَّم العلم ولكنه لا يُفرَّقُ بين صفاته وصفات المائعين في الصلاة ،وكثرة
الكلام، واللباس،والغيبة ،والنميمة،والنفاق،والكذب،والسُخرية، ومساويء
الأخلاق،وضياع الأوقات ،والسعي بالفتن ، وغير ذلك .
ومن كان هذا حاله أنَّى له
ذلك ، وإن حصل على شيء لا يكون فيه بركة .
قال أحمد بن ثابت الشهير بالخطيب رحمه الله في «الجامع لأخلاق الراوي»
رقم (6): الواجب أن يكون طلبة الحديث أكمل الناس أدبًا، وأشد الخلق تواضعًا،
وأعظمهم نزاهةً وتدينًا، وأقلهم طيشًا، وغضبًا، لدوام قرع أسماعهم بالأخبار
المشتملة على محاسن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وآدابه، وسيرة السلف
الأخيار من أهل بيته، وأصحابه، وطرائق المحدثين، ومآثر الماضين، فيأخذوا بأجملها
وأحسنها، ويصدفوا عن أرذلها وأدونها.
ثُمَّ ذكر أثرَ أبي عاصم وهو الضحاكُ بنُ مخلد ، يقول: من طلب هذا
الحديث فقد طلب أعلى أمور الدنيا، فيجب أن يكون خيرَ الناس.
اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا .
أم عبدالله بنت الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله /9/2/1437.