جديد الرسائل

الأحد، 19 أكتوبر 2025

(65)التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ


               أم المؤمنين خديجة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في « العقيدة الواسطية » في سياق الكلام على أم المؤمنين خديجة: وَكَانَ لَهَا مِنْهُ الْمَنْزِلَةُ الْعَالِيَةُ.

قوله: (وَكَانَ لَهَا) أي: لخديجة، (مِنْهُ) أي: من النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. (الْمَنْزِلَةُ الْعَالِيَةُ) أي: المنزلة الرفيعة، حتى إنه قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا»، كما روى الإمام مسلم (2435) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا عَلَى خَدِيجَةَ وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ، فَيَقُولُ: «أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ» قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا».

 فما نسيها، وهذا في الحقيقة من الوفاء بين الزوجين، أن من مات فالآخر بعده لا ينساه، من الوفاء بالدعاء له والصدقة، وأفضل ما يقدم للميت الدعاء، كما روى مسلم (1631) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ».

ومن فضائلها أيضًا: عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ خَدِيجَةُ وَقَالَ: «إِنَّ اللهَ يُقْرِئُ خَدِيجَةَ السَّلَامُ»، فَقَالَتْ: «إِنَّ اللهَ هُوَ السَّلَامُ وَعَلَى جِبْرِيلَ السَّلَامُ، وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ» رواه النسائي في «عمل اليوم والليلة» (رقم 374). وذكره والدي الشيخ مقبل الوادعي رَحِمَهُ اللَّهُ في «الصحيح المسند (رقم110).

 وهذا من فقهها وعلمها كيف تقول: الله هو السلام ولم تقل: على الله السلام؛ لأن من أسماء الله السلام، أي: السالم من النقص والعيب،  المسلِّم لغيره.

وعُدَّ من فضائلها أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لم يتزوج عليها؛ وذلك إكرامًا لها.

قال الحافظ ابن كثير في « الفصول »: ولم يتزوجْ في حياتِها بسواهَا؛ لجلالِها وعِظَمِ محلِّها عندَه.

وقال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (تحت رقم 3818) -في فوائد حديث عَائِشَةَ، قَالَتْ: «لَمْ يَتَزَوَّجِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَدِيجَةَ حَتَّى مَاتَتْ» -: وَهَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ قَدْرِهَا عِنْدَهُ وَعَلَى مَزِيدِ فَضْلِهَا؛ لِأَنَّهَا أَغْنَتْهُ عَنْ غَيْرِهَا، وَاخْتَصَّتْ بِهِ بِقَدْرِ مَا اشْتَرَكَ فِيهِ غَيْرُهَا مَرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاشَ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَهَا ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ عَامًا، انْفَرَدَتْ خَدِيجَةُ مِنْهَا بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ عَامًا، وَهِيَ نَحْوَ الثُّلُثَيْنِ مِنَ الْمَجْمُوعِ، وَمَعَ طُولِ الْمُدَّةِ فَصَانَ قَلبهَا فِيهَا مِنَ الْغَيْرَةِ وَمِنْ نَكَدِ الضَّرَائِرِ، الَّذِي رُبَّمَا حَصَلَ لَهُ هُوَ مِنْهُ مَا يُشَوِّشُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَهِيَ فَضِيلَةٌ لَمْ يُشَارِكْهَا فِيهَا غَيْرُهَا.

[مقتطف من دروس الواسطية لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله تَعَالَى]