جديد المدونة

جديد الرسائل

الخميس، 13 يوليو 2023

(49)اختصار دروس شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري

 

 عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلاةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الوَالِدَيْنِ، ثُمَّ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» متفق عليه.

من فوائد الحديث:

-فيه فضل هذه الأعمال، وأن الأعمال الصالحة تتفاوت في الفضل.

-وفيه فضل الصلاة لوقتها. وحذر سبحانه من تفويت الصلاة حتى يخرج وقتها، قال الله سُبحَانَهُ: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)  ﴾ [التكاثر: 4-5].

والسهو عن الصلاة كما ذكر الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ في «تفسيره»(8/493): إِمَّا عَنْ فِعْلِهَا بِالْكُلِّيَّةِ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَإِمَّا عَنْ فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ لَهَا شَرْعًا، فَيُخْرِجُهَا عَنْ وَقْتِهَا بِالْكُلِّيَّةِ، كَمَا قَالَهُ مَسْرُوقٌ، وَأَبُو الضُّحَى.

وَإِمَّا عَنْ وَقْتِهَا الْأَوَّلِ فَيُؤَخِّرُونَهَا إِلَى آخِرِهِ دَائِمًا أَوْ غَالِبًا.

 وَإِمَّا عَنْ أَدَائِهَا بِأَرْكَانِهَا وَشُرُوطِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ.

 وَإِمَّا عَنِ الْخُشُوعِ فِيهَا والتدبر لمعانيها، فاللفظ يشمل هذا كله، ولكن مَنِ اتَّصَفَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قِسْطٌ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، وَمَنِ اتَّصَفَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ، فَقَدْ تَمَّ نَصِيبُهُ مِنْهَا، وَكَمُلَ لَهُ النِّفَاقُ الْعَمَلِيُّ. اهـ.

يشمل هذه المعاني: أنه لا يصليها، يتركها بالكلية، أو يؤخرها عن وقتها إذا خرج وقت الصلاة قام يصلي، يكون مشغولًا، مثلًا: بالدوام، أو بعمل آخر، أو يتساهل فيخرج الوقت، هذا فيه الوعيد. ويستثنى من هذا المعذور بعذر النسيان أو نوم، كما في الحديث عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا» رواه البخاري (597ومسلم (684واللفظ لمسلم.

 ويشمل تأخيرها عن وقتها الأول يؤخرونها إلى آخرها دائمًا أو غالبًا، وخرج بهذا أحيانًا، فإذا كان حاله أنه دائمًا يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت أو في الغالب فهذا يتناوله ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)  ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا» رواه مسلم (622) عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.

ويشمل الذي لا يؤديها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به شرعًا، كمن ينقر الصلاة ولا يطمئن في صلاته.

ويشمل الذي لا يخشع في صلاته ولا يتدبرها؛ فإن الصلاة صلة بين العبد وربه، والخشوع روح الصلاة ولبُّها.

-وفيه فضل بر الوالدين، وبر الوالدين سعادة، وقد قرن الله حقَّه بحق الوالدَين: ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)﴾[لقمان].

وهو سبب لاستجابة الدعاء كما في حديث أويس القرني، وكما في حديث النفر الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة.

وهو من أسباب التوفيق، وبر الوالدين المطلوب شرعًا يكون بانشراح صدر ليس عن تضجر، وهذا القليل من يوفق له.

وإن من أعظم البر بالوالدين الدعاء لهما وبرهما بعد وفاتهما، فقد روى مسلم (2552) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ وَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ».

-وفيه فضل الجهاد في سبيل الله، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَاتَلَ، لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ » رواه البخاري (123ومسلم (1904) عَنْ أَبِي مُوسَى.

- وفيه حرص الصحابة على الخير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  

عن عَمْرو بْن تَغْلِبَ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَالٌ فَأَعْطَى قَوْمًا وَمَنَعَ آخَرِينَ، فَبَلَغَهُ أَنَّهُمْ عَتَبُوا، فَقَالَ: «إِنِّي أُعْطِي الرَّجُلَ وَأَدَعُ الرَّجُلَ، وَالَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الَّذِي أُعْطِي، أُعْطِي أَقْوَامًا لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الجَزَعِ وَالهَلَعِ، وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الغِنَى وَالخَيْرِ، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ»، فَقَالَ عَمْرٌو: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُمْرَ النَّعَمِ. رواه البخاري (7535).

من فوائد الحديث:

قال الحافظ في «الفتح» في فوائد هذا الحديث:

-(وَفِيهِ أَنَّ الرِّزْقَ فِي الدُّنْيَا لَيْسَ عَلَى دَرَجَة الْمَرْزُوقِ فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَإِنَّمَا تَقَعُ الْعَطِيَّةُ وَالْمَنْعُ بِحَسَبِ السِّيَاسَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، فَكَانَ صلى الله عليه وسلم يُعْطِي مَنْ يَخْشَى عَلَيْهِ الْجَزَعَ وَالْهَلَعَ لَوْ مُنِعَ، وَيَمْنَعُ مَنْ يَثِقُ بِصَبْرِهِ وَاحْتِمَالِهِ وَقَنَاعَتِهِ بِثَوَابِ الْآخِرَةِ.

 وَفِيهِ أَنَّ الْبَشَرَ جُبِلُوا عَلَى حُبِّ الْعَطَاءِ وَبُغْضِ الْمَنْعِ، وَالْإِسْرَاعِ إِلَى إِنْكَارِ ذَلِكَ قَبْلَ الْفِكْرَةِ فِي عَاقِبَتِهِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ).

 هذه طبيعة الإنسان إلا من رحم الله إذا تأخر العطاء يبادر إلى الإنكار.

-(وَفِيهِ أَنَّ الْمَنْعَ قَدْ يَكُونُ خَيْرًا لِلْمَمْنُوعِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خير لكم وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الصَّحَابِيُّ: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ حُمْرَ النَّعَمِ).

-(وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِتِلْكَ لِلْبَدَلِيَّةِ أَيْ: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بَدَلَ كَلِمَتِهِ النَّعَمَ الْحُمْرَ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمَذْكُورَةَ تَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ إِيمَانِهِ الْمُفْضِي بِهِ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَثَوَابُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَأَبْقَى) وهذا من مسائل هذا الحديث القيمة: أن المنع قد يكون خيرًا للممنوع، فالله أعلم وأحكم.

-(وَفِيهِ اسْتِئْلَافُ مَنْ يُخْشَى جَزَعُهُ أَوْ يُرْجَى بِسَبَبِ إِعْطَائِهِ طَاعَةُ مَنْ يَتَّبِعُهُ، وَالِاعْتِذَارُ إِلَى مَنْ ظن ظنا وَالْأَمر بِخِلَافِهِ) هذا فيه الاعتذار إلى من ظن ظنًّا والأمر بخلافه، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يترك عطاء بعضهم عن جفاء، ولكن لمصلحة عظيمة، وهي تألف قلوب الضعفاء بالعطاء.

-وفيه فضيلة عظيمة لعمرو بن تغلب، ومحبة إيثاره الدار الآخرة على الدنيا.

-وفيه الثناء في الوجه، وهذا عند أمن الفتنة.

-وفيه دليل على أن الغِنى في القلب، وليس بكثرة المال في اليد.