[خاتمة مراجعة تدريب الراوي لوالدي رَحِمَهُ الله]
والحمد لله بقي فوائد لا بأس بها؛ ممكن أن يطالعها طالب العلم مطالعة.
ثم بعد هذا تقدمت بعض العبارات التي لم نعطِها اهتمامًا.
مثل: قول الخطابي في الحسن: أنه ما عُرف مخرجه واشتهرت رجاله إلى آخره.
وهكذا أيضًا بعضُ المسائل التي ربما كان تقصيرًا من صاحب التعريف، فنأخذ التعريف الصحيح ونسْألُ عنه.
وهكذا أيضًا بعض القصص المتكاثرة التي لم نتمكن من البحث عنها.
وبعضها -بحمد لله- قد يسر الله البحث عنها، مثل: ما جاء أن المنصور قال للإمام مالك: إني أريد أن يُلْزَمَ الناسُ بالعمل بـموطئك، فقال: لا، يا أمير المؤمنين، إن الصحابة قد تفرَّقوا في البلدان، ولعل عند الآخرين ما ليس عندنا، ولعله بلغهم ما لم يبلغنا.
فهذه من طريق الواقدي.
وبقي قصص كثيرة بعضها يشهد القلبُ بوضعها، وأنها من وضع بعض أصحاب المصطلح، أو بعض المتفننين في المصطلح، ونبهنا على بعضها في وقت القراءة.
وإن شاء الله إننا عازمون على قراءةٍ في «تدريب الراوي»، ونوكِّل أخًا يقوم بتحقيق القصص الموجودة، وأخًا أيضًا بسياقِ أمثلةٍ بأسانيدها؛ فإن كثيرًا من إخواننا يطلبون منَّا وضع كتاب في المصطلح ويُكْثَرُ فيه الأمثلة، وهذا أمر طيب.
مثل: الحديث الذي فيه يقولون: مسلسل بالسماع، فيُؤتى بسندين أو ثلاثة أو بأربعة مسلسل بالسماع.
والحديث الذي صيغ التحمل فيه السماع، كذلك أيضًا، أو صيغ التحمل في الإخبار، أو صيغ التحمل فيه الإجازة، أو صيغ التحمل فيه المناولة؛ من أجل أن يسهل على طالب العلم؛ فإن المصطلح وسيلة وليس بغاية.
نحن نريد إن شاء الله تقريبَ المصطلح ما استُطيع؛ من أجل أن يرجع إلى الغاية، وهي معرفة حديث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، فإن معرفة مبادئ من المصطلح أمور مهمة.
فربما يمر بك وأنت تقرأ في «تفسير ابن كثير»: حديث منكر، حديث شاذ، حديث غريب، حديث معضل، حديث منقطع، وإذا كنت لا تعرف اصطلاح القوم ربما لا تدري ما الحكم على هذا؟
فأمرٌ مهم أن تأخذ من المصطلح ما تعرف به اصطلاح القوم.
وهو أيضًا كما تقدم وسيلة وليس بغاية، فليس معناه أنك تضيِّع عمرك كلَّه في المصطلح، وأنت لا تعرف عن «صحيح البخاري»، و«صحيح مسلم»، «سنن أبي داود»، وكذلك أيضًا «جامع الترمذي» لا تعرف عنهم شيئًا، وغيرها من كتب السنة، كـ«مسند الإمام أحمد»:
فَمَا رَاءٍ كمَنْ سَمِعَا.
والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يقول: « لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ».
ففرق كبير بين الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وعباراتِه في المصطلح السهلة، وبين غيره من الذين ينقلون من كتب المصطلح فقط.
يعني: الحافظ ابن حجر يمتاز عليهم بأنه يرجع إلى الكتاب نفسه، ويعرف اصطلاح صاحب الكتاب، ويستطيع أن يعبِّرَ بما رآه في الكتاب بقوَّةٍ وبمعرفة، بخلاف الآخرين الذين يكتبون أو كثيرًا من الذين يكتبون في المصطلح، فهم يتناقلون عبارات، ربما تناقلوا الخطأ.
مما أذكر أنهم قالوا: إن صاحب « الجمع بين الصحيحين»، ربما يذكر أحاديث ليست في «الصحيحين»، أو لا يبيِّن مخرجَها، فالحافظ اطلع على الكتاب، ووجد أنه يبيِّن الحديث ومَنْ أخرجه، ويبيِّن الزيادات.
والفرق بين هذا وذاك: أن الحافظ اطلع على الكتاب، وأن الآخرين يتناقلون عبارات مَن ذكرها، يأتي واحد ويذكر عبارة من المصطلح، ويتناقلها الآخرون بعده فبعده وهكذا..، فإن شاء الله بإذن الله تَعَالَى إننا عازمون، نسأل الله أن ييسر ذلك، وأن يوفق له، والحمد لله.