هَل أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّهَاتُ المُؤمِنَاتِ أم أمهات المؤمنين فقط؟
قال ابن العربي رَحِمَهُ اللهُ في «أحكام القرآن»(3/ 542): اخْتَلَفَ النَّاسُ، هَلْ هُنَّ أُمَّهَاتُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، أَمْ هُنَّ أُمَّهَاتُ الرِّجَالِ خَاصَّةً؟
عَلَى قَوْلَيْنِ: فَقِيلَ: ذَلِكَ عَامٌّ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.
وَقِيلَ: هُوَ خَاصٌّ لِلرِّجَالِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ إنْزَالُهُنَّ مَنْزِلَةَ أُمَّهَاتِهِمْ فِي الْحُرْمَةِ، حَيْثُ يُتَوَقَّعُ الْحِلُّ، وَالْحِلُّ غَيْرُ مُتَوَقَّعٍ بَيْنَ النِّسَاءِ، فَلَا يُحْجَبُ بَيْنَهُنَّ بِحُرْمَةٍ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّاهُ. فَقَالَتْ: «لَسْت لَك بِأُمٍّ، إنَّمَا أَنَا أُمُّ رِجَالِكُمْ»، وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ.
هذا ترجيح ابن العربي رَحِمَهُ اللهُ أن نساء النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أمهات الرجال المؤمنين دون النساء المؤمنات، وقد تعقبه القرطبي رَحِمَهُ اللهُ في «تفسيره»(14/ 123)، وقال: قُلْتُ: لَا فَائِدَةَ فِي اخْتِصَاصِ الْحَصْرِ فِي الْإِبَاحَةِ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ تَعْظِيمًا لِحَقِّهِنَّ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. يَدُلُّ عَلَيْهِ صَدْرُ الْآيَةِ: ﴿النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾، وَهَذَا يَشْمَلُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ ضَرُورَةً. اهـ.
فالدليل يرد قول ابن العربي، الله عزوجل يقول: ﴿النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ فالدليل عام يشمل الرجال والنساء، وكذلك ما بعده ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ عام يشمل الرجال والنساء.
وأما ما جاء عن عَائِشَةَ فِي قَوْلِهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾، وفيه أنه قَالَتْ لَهَا امْرَأَةٌ: يَا أُمَّهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَنَا أُمُّ رِجَالِكُمْ وَلَسْتُ أُمَّ نِسَائِكُمْ. رواه ابن سعد في «الطبقات»(10/ 171)، وسنده ضعيف جدًّا؛ فيه محمد بن عمر الواقدي متروك.
وله طريق أخرى فقد رواه الدارقطني في «المؤتلف والمختلف»(2/ 936) من طريق مطر الأعنق عن خرقاء... الأثر.
وخرقاء ذكرها الدارقطني في «المؤتلف والمختلف»، وابن ماكولا في «الإكمال»(3/136)، وابن ناصر الدين الدمشقي في «توضيح المشتبه»(3/ 415)، ولم أجد من وثقها، فهي في عداد المجاهيل، وأما مطر الأعنق، وهو: مطر بن عبد الله الأعنق فـ صدوق، كما في «تقريب التهذيب».
وقد ذكر الأثر الحافظ ابن كثير في «تفسير سورة الأحزاب»(6/ 381)، وقال: صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: لَا يُقَالُ ذَلِكَ.
وقد تقدم بيان من في سند أثر عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فالأثر من الطريقين لا يصح.