جديد الرسائل

الجمعة، 25 ديسمبر 2015

(2) سلسلة التفسير

قال تعالى { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } 

الآية.

قولهُ سُبحانه { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا}قال شيخ الإسلام في

 فتاواه (7/725) قَالَ أَحْمَد: الْهَمُّ هَمَّانِ: هَمُّ خَطِرَاتٍ، وَهَمُّ 

إصْرَارٍ .
وقال رحمه الله في فتاواه (10/279)الْهَمُّ اسْمُ جِنْسٍ تَحْتَهُ " 

نَوْعَانِ " كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَد الْهَمُّ هَمَّانِ: هَمُّ خَطَرَاتٍ وَهَمُّ 
إصْرَارٍ . 
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 
{أَنَّ الْعَبْدَ إذَا هَمَّ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ وَإِذَا تَرَكَهَا لِلَّهِ كُتِبَتْ لَهُ 
حَسَنَةٌ وَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً} وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ 
أَنْ يَتْرُكَهَا لِلَّهِ لَمْ تُكْتَبْ لَهُ حَسَنَةً وَلَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ سَيِّئَةً وَيُوسُفُ 
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ هَمًّا تَرَكَهُ لِلَّهِ وَلِذَلِكَ صَرَفَ اللَّهُ عَنْهُ 
السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ لِإِخْلَاصِهِ اهـ المراد.

وهمُّ يوسف همُّ خطرات ،حديثُ نفس ،جزمَ بذلك شيخُ الإسلام

 فقد قال  في "الزهد والورع والعبادة" 169وَمِن هَذَا الْبَاب 

-أي هم الخطرات -هم يُوسُف حَيْثُ قَالَ تَعَالَى وَلَقَد هَمت بِهِ 

وهم بهَا لَوْلَا أَن رأى برهَان ربه الْآيَة .

وقال رحمه الله في منهاج السنة (2/412)يُوسُفُ - عَلَيْهِ 

الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا هَمَّ تَرَكَ هَمَّهُ لِلَّهِ، فَكَتَبَ اللَّهُ بِهِ حَسَنَةً 

كَامِلَةً وَلَمْ يَكْتُبْ عَلَيْهِ سَيِّئَةً قَطُّ، بِخِلَافِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ فَإِنَّهَا

 هَمَّتْ وَقَالَتْ وَفَعَلَتْ، فَرَاوَدَتْهُ بِفِعْلِهَا وَكَذَبَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ سَيِّدِهَا

وَاسْتَعَانَتْ بِالنِّسْوَةِ، وَحَبَسَتْهُ لَمَّا اعْتَصَمَ وَامْتَنَعَ عَنِ الْمُوَافَقَةِ 

عَلَى الذَّنْبِ وَلِهَذَا قَالَتْ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ 
بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 
53] .اهـ

وقد ذهب إلى أنَّ الهمَّ على ظاهره كثيرٌ من السلف .

قال ابن الجوزي في زاد المسير في تفسير هذه السورة :وإِلى

هذا المعنى ذهب الحسن، وسعيد بن جبير، والضحاك

والسدي، وهو قول عامة المفسرين المتقدمين، واختاره من 

المتأخرين جماعة منهم ابن جرير، وابن الأنباري.

وهو قول الوالد الشيخ مقبل رحمه الله فقد أفادنا  أنَّ همَّ 

يوسُفَ على ظاهرِه .

 وقال الوالد  :إن من قال :لم يهمَّ يوسف قالوا لكمال يوسف

 ونزاهته .

وهذا أيضاً فتوى اللجنة الدائمة  (4/237) : أن الهمَّ الذي

 وُجد مِن يوسف -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- 

هو: الميل الجِنسي الطبيعي الذي يوجد مع أيِّ إنسان عند 

وجود سببه، وقد صرفه الله سبحانه وتعالى عنه بقوله: 

{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا 

الْمُخْلَصِينَ}  ولا يجوز صرفُ الآية عن ظاهرها إلا بدليل اهـ 
المراد.

وقد ذكر شيخ الإسلام في  الفتاوى الكبرى(5/260)أن يوسف

 لم يقع في ذنب .

ثُمَّ ذكر رحمه الله عدداً ذكرَ اللهُ عزوجل عنهم التوبة كآدم 


وحواء ونوح وإبراهيم وآخرين  من الأنبياء عليهم الصلاة

 والسلام .

قال :وَأَمَّا يُوسُفُ الصِّدِّيقُ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ عَنْهُ ذَنْبًا فَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرِ

 اللَّهُ عَنْهُ مَا يُنَاسِبُ الذَّنْبَ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ، بَلْ قَالَ: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ

 عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 

24] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ صَرَفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى
 أَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ سُوءٌ وَلَا فَحْشَاءُاهـ.

قلت :وقد ذكر كثيرٌ من المفسرين تحت هذه الآية ما أخرجه 

البخاري(6491)ومسلم(131) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ 

عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ

وَجَلَّ قَالَ: قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، 

فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ 

هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ 
مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا 
اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ 
سَيِّئَةً وَاحِدَةً».
وفي رواية في مسلم (129)عن أبي هريرة وفيه  ارْقُبُوهُ فَإِنْ 

عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، إِنَّمَا

 تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ.

وتبين أن يوسف عليه الصلاة والسلام لم يرتكب ذنباً بهمِّه لهذا 

لم يذكر الله عنه ذنبا لأنه مجرد خطرات لم يتمكن ولم يستقِر في

 قلبه فلا مؤاخذةَ فيه لأَنَّه بدون قول ولا فعل ولا عزم وتركَه 

لله  . 


 بخلاف همِّ امرأةِ العزيز فهو همُّ إصْرَار يلزمُ منه التوبة لأنه 

ذنب  فقد راودت وأَصَرَّتْ وأغلقتِ الأبوابَ واستعانت إلى غير


 ذلك .

وقوله { لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} الله أعلم بالمراد بالبرهان .

قال ابن جرير في تفسير هذه الآية :الصواب أن يقال: إن الله 
جل ثناؤه أخبر عن همِّ يوسف وامرأة العزيز كل واحد منهما 
بصاحبه، لولا أن رأى يوسف برهان ربه، وذلك آيةٌ من الله، 
زجرته عن ركوب ما همَّ به يوسف من الفاحشة  وجائز أن 
تكون تلك الآية صورة يعقوب  وجائز أن تكون صورة الملك 
وجائز أن يكون الوعيد في الآيات التي ذكرها الله في القرآن 
على الزنا  ولا حجة للعذر قاطعة بأيِّ ذلك كان من أيٍّ.

 والصواب أن يقال في ذلك ما قاله الله تبارك وتعالى، والإيمان 

به، وترك ما عدا ذلك إلى عالمه اهـ.

وقال ابنُ الجوزي في زاد المسير: جواب «لولا» محذوف. قال

 الزجاج: المعنى: لولا أن رأى برهان ربه لأمضى ما همّ به  .اهـ

من فوائدالآية

1-فضل الإخلاص وأنه حِرْز وحِصنٌ من الوقوعِ في الفواحش .

وهذا كما في الحديث الآخر (احفظ الله يحفظك ).

ومن ثمار الإخلاص أنه حِصنٌ من الشيطان الرجيم { قَالَ رَبِّ 
بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ  إِلَّا 

عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} .

ومن ثمار الإخلاص أنه سبب لصفاء القلب كما روى ابن ماجة 

(230)عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ 

وَسَلَّمَ:" ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ 

لِلَّهِ، وَالنُّصْحُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ ".

2-كرامة ليوسف عليه السلام حيث ثبَّته الله وعصمه .

3-شهادة الله ليوسف بأنه من عباده .

وهذه عبودية خاصة تفيد التشريف لأن العبودية الخاصة هي 

عبودية الامتثال والطاعة .

ولهذا ربنا يصف نبيه بها محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم بها في أعلى المقامات .

4-اهتمام الله عزوجل بيوسف عليه الصلاة والسلام ورعايته له فهو الذي حفظه ولهذا قال سبحانه {كذلك لنصرف عنه السوء ..} .

واللهُ أعلم .