حفظ العلوم النافعة
قال ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ في «زاد المعاد» (4/ 226): مَنِ اسْتَكْثَرَ مِنَ الْحِفْظِ قَوِيَتْ حَافِظَتُهُ.
أحيانًا تستصعب النفس حفظ الأحاديث الطويلة، ولكن بتدريبها على الحفظ يُذلُّ لها، ويصير لا صعوبة فيه ولا مشقة، والله الميسِّر وحده لا شريك له. روى الإمام مسلم (2699) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ». على أحد معاني التيسير في هذا الحديث أن الله ييسر له الطرق التي توصل إلى الجنة، ومنها: حفظ العلم النافع؛ إذ هو من أجلِّ القربات.
وأحد السلف يقول: كان يستصعب عليه حفظ الأحاديث الطويلة، ثم كان يحاول في حفظها فسهل عليه حفظها.
ويقول أبو هلال العسكري رَحِمَهُ الله في « الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه»(71): وَكَانَ الْحِفْظُ يَتَعَذَّرُ عَلَيَّ حِينَ ابْتَدَأْتُ أَرُومُهُ، ثُمَّ عَوَّدْتُهُ نَفْسِي، إِلَى أَنْ حَفِظْتُ قَصِيدَةَ رُؤْبَةَ (وَقَاتِمُ الأَعْمَاقِ خَاوِيَ الْمُخْتَرَقِ ... ) فِي لَيْلَةٍ، وَهِيَ قَرِيبٌ مِنْ مِائَتَيْ بَيْتٍ.
وقد يرتسم الحديث والمعلومة في الذهن الفقرة بعد الفقرة، والجملة بعد الجملة، والسطر بعد السطر.
روى أبو خيثمة زهير بن حرب رحمه الله في «العلم» (156) بسند صحيح عن علقمة بن قيس تلميذ عبدالله بن مسعود يقول: ما سمعته وأنا شاب فكأني أنظر إليه في قرطاس أو ورقة.
يعني: يتصوره كأنه أمامه إذا ذاكره في نفسه- لأن المذاكرة قد تكون مع النفس، يمر المحفوظات على نفسه-، أو حَدَّث به كأنه يتصور أنه أمامه ويقرأ منه.
أما الذي يتهيَّب الحفظ فإنه يزداد نفوره من الحفظ؛ لأن الحفظ شاق، والنفس تتهرَّب منه؛ وهذه عادتها الشيء الذي فيه مشقه تفر منه، لكن بتحبيب الحفظ إليها لا تتردَّد، بل تسارع وتسعد بحفظ العلم وبمراجعته.
نسأل الله التيسير والتوفيق.