جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 14 فبراير 2022

(6) اختصار دروس الأمثال في القرآن

 

قَولُهُ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ ﴾ [النور] الآية.

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ ﴾ من هذه الأعمال بر الوالدين، صلة الأرحام، الإحسان إلى الأيتام والمحاويج، وغير ذلك، وهذه أعمال لها شأن عظيم عند الله، ولكنها مردودة في حق الكفار؛ لأنه لا بُدَّ من التوحيد.

﴿ كَسَرَابٍ﴾ السراب: ما يراه الناظر من بعيد كأنه ماء، فإذا جاءه لم يجده شيئًا.

﴿ بِقِيعَةٍ ﴾ قال ابن القيم: وَهِيَ: الأَرضُ الخَالِيةُ القَفرُ مِنَ البِنَاءِ وَالشَّجَرِ وَالنَّبَاتِ وَالعَالَمِ.

﴿الظَّمْآنُ﴾  العطشان.

والظمآن: العطشان أيًّا كان، وقد ذهب الزمخشري إلى أن الظمآن هو الكافر حتى تطرد الضمائر في «جَاءَهُ، لَمْ يَجِدْهُ، وَوَجَدَ، عِنْدَهُ، فَوَفَّاهُ» لشخص واحد، وغيره غاير بين الضمائر، فالضمير في «جَاءَهُ، لَمْ يَجِدْهُ» للظمآن، وَفِي وَوَجَدَ لِلْكَافِرِ الَّذِي ضَرَبَ لَهُ مثلا بالظمآن، أَيْ: وَوَجَدَ هَذَا الْكَافِرُ وَعْدَ اللَّهِ بِالْجَزَاءِ عَلَى عَمَلِهِ بِالْمِرْصَادِ، فَوَفَّاهُ حِسابَهُ عَمَلَهُ الَّذِي جَازَاهُ عَلَيْهِ.

﴿ وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ ﴾ قال الشوكاني في «فتح القدير» (4/64): ذَكَرَ سُبْحَانَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ حَسْرَةِ الْكَفَرَةِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قُصَارَى أَمْرِهِمْ مُجَرَّدُ الْخَيْبَةِ كَصَاحِبِ السَّرَابِ فَقَالَ: ﴿وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ، أَيْ: وَجَدَ اللَّهَ بِالْمِرْصَادِ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ، أَيْ: جَزَاءَ عَمَلِهِ.

من فوائد هذه الآية:

§         ضرب مثل لأعمال الكفار، وأنها مثل السراب يراه العطشان فيذهب إليه متلهفًا للشرب، فإذا قرب منه لم يجده شيئًا، فكذلك الكافر يظن أن أعماله تنفعه وتنجيه، فإذا مات لم يجد نفع عمله وثمرته، كما لم ينفع الظمآن السراب الذي يظنه ماء.

وما يعمله الكافر من خير وإحسان، الله يجازيه في الدنيا دون الآخرة، قال الله: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ [الشورى: 20].

وأخرج الإمام مسلم (2808) عَنْ أَنَسِ، قَالَ: قَالَ النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً، يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ، لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا». وهذا مقيد بما إذا شاءه الله، قال الله سبحانه: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) [الإسراء: 18].

§         وفيه أن من الكفار من يعتقد أن الباطل حق فيتقرب به إلى الله، وهذا كالمشركين الذين يعبدون الأصنام ليكونوا لهم شفعاء عند الله، وهكذا الذين يتعبدون لله بالبدع والخرافات.

§         أن الكفر محبط للعمل.

§         اصطدام الكفار حيث يلقون الله فلا يجدون أعمالهم تنجيهم.

§         أن الإنسان قادم على ربه ومجازيه على عمله.

§         أن الله يعلم أعمال العباد ولا يخفى عليه شيء منها.

§         وفيه التخويف من حساب الله، فالله سريع الحساب.

أركان التشبيه في هذه الآية:

·       المشبه: عمل الكافر.

·       أداة التشبيه: الكاف.

·       المشبه به: السراب الذي يكون في فلاة فيحسبه الظمآن ماء.

·       وجه الشبه: الانخداع بالشيء ثم يكون وراءه الخيبة والحرمان والحسرة وعدم المنفعة.