جديد الرسائل

الخميس، 1 أغسطس 2019

(30)اختصار الدرس السابع والعشرين من كتاب الصيام للمجد ابن تيمية



عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أو يَوْمَيْنِ إلَّا أن يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

من فوائد هذا الحديث

§    فيه النهي عن تقدم رمضان بصوم يومٍ أو يومين.

قال الترمذي في «سننه»(684): وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ: كَرِهُوا أَنْ يَتَعَجَّلَ الرَّجُلُ بِصِيَامٍ قَبْلَ دُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ لِمَعْنَى رَمَضَانَ، وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يَصُومُ صَوْمًا فَوَافَقَ صِيَامُهُ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَهُمْ. اهـ.

وتقييد النهي بما كان (لِمَعْنَى رَمَضَانَ) خلاف ظاهر الحديث.فالنهي عام سواء كان بنية الاحتياط لرمضان أو نفلًا مطلقًا..وقد نبَّه على ذلك الصنعاني في سبل السلام.

وذكروا أمورًا في الحكمة في النهي عن تقدم رمضان:

§    أحدها: أنه على وجه الاحتياط لرمضان فينهى عن التقدم قبله لئلا يزاد في صيام رمضان ما ليس منه كما نهي عن صيام يوم العيد لهذا المعنى حذرا مما وقع فيه أهل الكتاب في صيامهم فزادوا فيه بآرائهم وأهوائهم.

§    الثاني: الفصل بين صيام الفرض والنفل فإن جنس الفصل بين الفرائض والنوافل مشروع، ولهذا حُرِّم صيام يوم العيد، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن توصل صلاة مفروضة بصلاة حتى يفصل بينهما بسلام أو كلام، وخصوصًا سنة الفجر قبلها فإنه يشرع الفصل بينها وبين الفريضة، ولهذا يشرع صلاتها في البيت والاضطجاع بعدها.

وهذا رده ابن حجر في «فتح الباري»(1914) وَقال: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ لَهُ عَادَةٌ كَمَا فِي الْحَدِيثِ.

§    الثالث: الاستعداد لصوم رمضان بنشاط ورغبة وقوة.

§    الرابع: أن الْحُكْمَ عُلِّقَ بِالرُّؤْيَةِ فَمَنْ تَقَدَّمَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَقَدْ حَاوَلَ الطَّعْنَ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ وهذا رجحه ابن حجر في «فتح الباري» وقال: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. اهـ ويراجع «لطائف المعارف»(144) لابن رجب.

وعلى المعنى الأول والرابع يكون فيه الحث على التقيد بالدليل من دون زيادة ولا نقصان، وترك الغلو في الدين.



§    هذا الحديث عام في النهي عن تقدم رمضان بصوم يومٍ أو يومين سواء كان بنية الاحتياط أو صيام يوم الشك أو صيام نفلٍ مطلق. ومن قال بجواز ذلك فالحديث ردٌّ عليه.

§    وفيه استثناء من كان له عادة صيام كمن يصوم الاثنين والخميس فوافق التاسع والعشرين أو الثلاثين فإنه يصوم ويصل الصوم بصوم رمضان.

ومثَّل لذلك أيضًا الشيخ ابن عثيمين في «مجموع الفتاوى» (6/2) بمن إذا كان من عادته أن يصوم ثلاثة أيامٍ من كل شهر ولكنه لم يصمها في شعبان ولم يتيسر له صومها إلا في آخر شعبان فصامها في اليوم السابع والعشرين والثامن والعشرين والتاسع والعشرين فإنه لا شيء عليه لأن ذلك صومٌ كان يصومه. اهـ.

ويلحق به من كان عليه قضاء من رمضان أو صيام نذرٍ فإنه يصوم ولو تقدم رمضان.

§    مفهوم الحديث يفيد: جواز صيام آخر شعبان سوى اليومين اللذين قبل رمضان.

§    فيه دليل على نكارة حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذا انْتَصَفَ شَعْبَانُ، فَلَا تَصُومُوا» رواه أبو داود (2337) وقد أُنكر هذا الحديث على العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب.

§    وفيه رَدٌّ عَلَى مَنْ يَرَى تَقْدِيمَ الصَّوْمِ عَلَى الرُّؤْيَةِ كَالرَّافِضَةِ. «فتح الباري».

§    جواز قول رمضان من غير إضافة شهر.

§    تعليم الناس أحكام الصيام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ: هَلْ صُمْتَ مِنْ سَرَرِ هَذَا الشَّهْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِذَا أَفْطَرْتَ رَمَضَانَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ مَكَانَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

هذا الحديث فيه دليل على جواز تقدم رمضان بصوم يومٍ أو يومين لمن كان له عادة صيام أو يكون عليه نذر.

 وهذا على أن «سَرَرِ الشَّهْرِ» آخر الشهر.

 ويدل له تبويب البخاري (1983) «باب الصوم من آخر الشهر». وهذا قول جمهور العلماء أن سرر الشهر آخره، سميت بذلك لاستسرار القمر فيها، وهي ليلة ثمانٍ وعشرين وتسعٍ وعشرين وثلاثين.

وَقِيلَ: السّرَرُ وَسَطُ الشَّهْرِ حَكَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ السُّرَرَ جَمْعُ سُرَّةٍ وَسُرَّةُ الشَّيْءِ وَسَطُهُ. وَيُؤَيِّدُهُ النَّدْبُ إِلَى صِيَامِ الْبِيضِ وَهِيَ وَسَطُ الشَّهْرِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي صِيَامِ آخِرِ الشَّهْرِ نَدْبٌ، بَلْ وَرَدَ فِيهِ نَهْيٌ خَاصٌّ وَهُوَ آخِرُ شَعْبَانَ لِمَنْ صَامَهُ لِأَجْلِ رَمَضَانَ، وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ مُسْلِمًا أَفْرَدَ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا سُرَّةُ هَذَا الشَّهْرِ عَنْ بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ وَأَرْدَفَ بِهَا الرِّوَايَاتِ الَّتِي فِيهَا الْحَضُّ عَلَى صِيَامِ الْبِيضِ وَهِيَ وَسَطُ الشَّهْرِ. اهـ المراد من «فتح الباري»(1983).

نستفيد من هذا الحديث:

§    صيام آخر شعبان لمن كان معتادًا صيام آخر الشهر وأنه لا يتناوله النهي عن تقدم رمضان بيومٍ أو يومين.

§    وفيه كما قال القرطبي في «المفهم» (3/235): حمل على ملازمة عادة الخير حتى لا تقطع، وحض على ألا يمضي على المكلَّف مثل شعبان فلم يصم منه شيئًا.

§    ثم استنبط منه القرطبي مزية الصيام في شعبان لأنه أمره بصوم يومين للمزية التي يختص بها شعبان، فلا بُعد في أن يقال: إن صوم يوم منه كصوم يومين في غيره. ويشهد لهذا: أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم منه أكثر مما كان يصوم من غيره، اغتنامًا لمزية فضيلته.

§    وَفِي الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ قَضَاءِ التَّطَوُّعِ «فتح الباري».