جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 15 يناير 2020

(19) اختصار الدرس السابع عشر من دروس التبيان في آداب حملة القرآن




من آداب المعلِّم

تذكير الطالب بفضائل العلم

فضائل العلم ينبغي أن تُنشرَ،سواء كان المعلم مع تلاميذه،أو الأب مع أولاده،أو في الدعوة إلى الله.

فالفضائل تحرِّك النفوسَ وتقوي الهِممَ،وتجلب النشاط والزيادة في الرغبة.

والعلم شرفه عظيم فهو نور وحياة للقلوب،بخلاف الجهل فإنه موت،يقول الله:﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[الأنعام].

العلم رفعة عظيمة،كما قال ربنا:﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[المجادلة:11].

وروى مسلم (817) عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَإِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا،وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ».

العلم من أسباب دخول الجنة،روى مسلم (2699)عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلموَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا،سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ».

 ومن أراد الله به خيرًا علَّمه الدين وفهَّمه،روى البخاري (71ومسلم (1037)عن مُعَاوِيَةَ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُمَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ».

ولشرف العلم وفضله ومنزلته الرفيعة أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب المزيد منه،فقال:﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾[طه].

ومن الآثار والأقوال:

§    أنه قدم هارون الرشيد أمير المؤمنين الرقة،فانجفل الناس خلف عبد اللَّه بن المبارك،وتقطعت النعال،وارتفعت الغبرة،فأشرفت أم ولد لأمير المؤمنين من برج من قصر الخشب،فلما رأت الناس قَالت:ما هذا؟ قَالُوا:عالم من أهل خراسان قدم الرقة يقَالُ له عبد اللَّه بن المبارك،فقَالت:هذا واللَّه الملك لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشُرَطٍ وأعوان.رواه ابن عساكر في«تاريخ دمشق».

§    ويقول الأعمش وقد لبس فروًا مقلوبًا-الفرو هو جلد الغنم-وبتًا تسيل خيوطه على رجليه-والبت كساء-فقال:أرأيتم لولا أني تعلمت العلم من كان يأتيني لو كنت بقالًا كان يقذرني الناس أن يشتروا مني.أخرجه البغوي في«زوائد الجعديات».

الأعمش سليمان بن مهران،كان رحمه الله بعينيه عَمَشٌ،يسيل من عينَيه الدموع والأوساخ.

§    وكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْقَصُ-الأوقص هو الذي لا عنق له-عُنُقُهُ دَاخِلًا فِي بُدْنِهِ،وَكَانَ مِنْكَبَاهُ خَارِجَيْنِ كَأَنَّهُمَا زَجَّانِ،فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ:يَا بُنَيَّ لَا تَكُونُ فِي قَوْمٍ،إِلَّا كُنْتَ الْمَضْحُوكَ مِنْهُ الْمَسْخُورَ بِهِ،فَعَلَيْكَ بِطَلَبِ الْعِلْمِ،فَإِنَّهُ يَرْفَعُكَ:فَطَلَبَ الْعِلْمَ.فوَلِيَ قَضَاءَ مَكَّةَ عِشْرِينَ سَنَةً:فَكَانَ الخَصْمُ إِذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ يَرْعَدُ حَتَّى يَقُومَ،وَمَرَّتْ بِهِ امْرَأَةٌ يَوْمًا وَهُوَ يَقُولُ:اللَّهُمَّ أَعْتِقْ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ قَالَ:فَقَالَتْ لَهُ:يَا ابْنَ أَخٍ وَأَيُّ رَقَبَةٍ لَكَ؟ أخرجه الخطيب في«الفقيه والمتفقه».

§    وقال الحسن البصري:لَوْ يَعْلَمُ الْمُلُوكُ وَأَبْنَاءُ الْمُلُوكِ مَا نَحْنُ فِيهِ لَجَالَدُونَا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ.

ــــــــــــــــــــــــــ

التزهيد في الدنيا

الزهد:ترك ما لا ينفع في الآخرة.

 الشيء الذي لا ينفع في الآخرة يتركه مما لا يكون لازمًا،مثل:بعض المباحات التي لا يحتاج لها،ولابد أن يكون تركُه من قلبه ليكون زاهدًا حقيقة،أما في الظاهر فما يكفي هذا.

فينبغي للمعلم أن يبين للطالب أن دار الدنيا دار رحيل وسفر،ودار متاع وعبور وليست دار سرور،عبارة عن ظل زائل وسحابة تنقشع عن قريب،كما قال ربنا:﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45)﴾[الكهفوقال:﴿أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾[التوبة:38].

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على تربية الصحابة على الزهد وصرف قلوبهم إلى الآخرة،وعند أن أُهدي للنبي صلى الله عليه وسلم حلة حرير وجعل أصحابه يلمسونها وَيَعْجَبُونَ مِنْ لِينِهَا،فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلمأَتَعْجَبُونَ مِنْ لِينِ هَذِهِ؟ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ،خَيْرٌ مِنْهَا وَأَلْيَنُ» رواه البخاري (3802ومسلم (2468) عن البَرَاءِ .

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الترغيب في الآخرة عند حفر الخندقاللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الآخِرَهْ...فَأَكْرِمِ الأَنْصَارَ،وَالمُهَاجِرَهْ» رواه البخاري (2961ومسلم (1805) عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ .

وقد كان والدي الشيخ مقبل رحمه الله يحذِّرُنا كثيرًا من فتنة الدنيا،ومما استفدنا منه:

·    قيل لوالدي وأنا أسمع:أريد أن يتحقق لي كذا-من أمور الدنيا-لأرتاح،فقال:سبحان الله،الدنيا ليس فيها راحة.

·    ويقول:الكراسي لا تساوي عندنا بصلة.

·    ويقول:العلم عندنا أرفع من الكراسي.

·    ويقولُ:من كان عندهُ ميولٌ إلى الدُّنيا فإنه تمْحَقُ بركةُ علمِه.

·    ويقول:من أسبابِ نسيانِ العلم الميولُ إلى الدنيا.


الإنسان قد يكون من الذين لديهم طمعٌ في قلوبهم ومع الأيام بسبب تعلم العلم النافع وتعلُّم القرآن يستنير بنور العلم ويذهب عنه ذلك الذي يجده.

فينبغي الاهتمام بالعلم النافع،لأن العلم النافع نور يصحح الأخطاء ويصلح النيات،ويقود إلى الخير وإلى الجنة.

قد يكون عنده بذاءة في لسانه ووقاحة في أخلاقه وبسبب العلم يستقيم حالُه.

قد يكون عنده ظلم واعتداء والعلم يحجزه عن ذلك ويهذِّبُه.

وهذا إذا كان من الذين انتفعوا بعلمهم،فوالله إن العلم يهذبه ويؤدبه ويحلِّيه مكارم الأخلاق.أما من كان في شِقٍّ والعمل في شِقٍّ آخرَ فهذا بعيد عن نورِ العلم،هذا لم ينتفع بعلمه،﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)﴾[النور].نسأل الله العافية.

ــــــــــــــــــــــــــ

التحذير من الركون إلى الدنيا والاغترار بها

ركِن إليه،أي مالَ إليه وسكن.

يقول الله في التحذير من الركون إلى الدنيا:﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)﴾[الملك].حثَّ ربنا في هذه الآية على طلب الرزق،ثم حذَّر من اتخاذها وطَنًا ومن الركون إليها لأنها دار ممرٍّ،وأن نُهَيِّءَ أنفسنَا فيها للانتقال للآخرة فإنها دارُ مقرٍّ،فاليوم حياة وغدًا موت،ثم المصير إلى دار القرار،وإلى جنةٍ أو نار.

والركون إلى الدنيا من أسباب الذلة والهوان.روى أبو داود (3462) عَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُإِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ،وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ،وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ،وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ،سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ».

وكل دليل فيه الحث على الزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة فإنه يفيد التحذير من الركون إلى الدنيا وزُخرفِها.

والركون إلى الدنيا يُقسِّي القلوب ويفسدها،والمعصوم من عصم الله.

ولهذا ينبغي أن نهتم بالدعاء في صلاح قلوبنا وأن الله يرزقنا القناعة،وقد كان من أدعية النبي صلى الله عليه وسلماللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى،وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى» رواه مسلم (2721) عن عبد الله بن مسعود .

والاغترار بالدنيا وزُخرِفِها من صفات الكفار،قال تعالى:﴿ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35)﴾[الجاثية].

الاغترار بالدنيا وقوعٌ فيما نهى الله عنه،قال تعالى:﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)﴾[لقمان].

ــــــــــــــــــــــــــ

 تذكير الطالب بأهمية الاشتغال بالقرآن والعلوم الشرعية

هذا من آداب المعلم تذكير الطالب بفضل الانشغال بالقرآن وبالعلم النافع،وأنه طريقة الصالحين الحازمين،وأن ذلك رتبة الأنبياء،وكفى بذلك فضلًا وشرفًا للعلم النافع.ولهذا مَن تعلم العلم واستفاد فإنه يكون من ورثة الأنبياء.ويقول أهل العلم:العالم موقِّع عن الله.قال ابن القيم في«إعلام الموقعين» (4/144):فَخَطَرُ الْمُفْتِي عَظِيمٌ،فَإِنَّهُ مُوَقِّعٌ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ،زَاعِمٌ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِكَذَا وَحَرَّمَ كَذَا أَوْ أَوْجَبَ كَذَا.

وثبت عن محمد بن المنكدر قال:إن العالم يدخل فيما بين الله وبين عباده،فليطلب لنفسه المخرج.رواه الدارمي(139) بسندٍ صحيح،يعني:يدلهم على الحلال ويبين لهم الحرام ويبصرهم بأمور دينهم.

فطلب العلم شغل،وقد كان والدي الشيخ مقبل رحمه الله يسألُ بعضَ الطلاب في الدرس هل العلم شُغْلٌ؟

ثم يجيب رحمه الله:العلم شغل.

قلت:وهذا معدود في فضائل العلم أنه يشغل الوقت ويعمره بالخير،فلا يجد الذي يطلب العلم فراغًا للدخول والخروج والخوض في الناس والقيل والقال والتدخل فيما لا يعني..إلى غير ذلك.

هذه النصيحة من أعظم النصائح لطالب العلم أن يحذر من الاشتغال بغير العلم،إلا فيما لا بد منه من أداء الحقوق والواجبات.

 ــــــــــــــــــــــــــ

الحنو على الطالب والاعتناء بمصالحه

الحنو أي:يعطف عليه،ويشفق عليه.

 هذا من آداب المعلم أن يكون حنونًا على الطالب شفيقًا به.

فمن آداب المعلِّمِ الاهتمام بالطالب ومعاملته كأعَزِّ أولاده عليه،رعايةً وتربيةً وشفقةً وتعليمًا ومحبةً،وذلك لأن المعلم بمنزلة الوالد،كما قال النبي صلى الله عليه وسلمإِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ،أُعَلِّمُكُمْ» رواه أبو داود في«سننه»(8)عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،وذكره والدي رَحِمَهُ الله في«الصحيح المسند»(1326).

وروى مسلم في«مقدمة صحيحه»(13)عن ابن أبي مليكة قال:كتبت إلى ابن عباس أسأله أن يكتب لي كتابًا ويخفي عني فقال:ولد ناصح أنا أختار له الأمور اختيارًا،وأخفي عنه.قال:فدعا بقضاء عليٍّ فجعل يكتب منه أشياء،ويمر به الشيء فيقول:والله ما قضى بهذا عليٌّ،إلا أن يكون ضلَّ.

وقول ابن عباسٍ (ولدٌ ناصحٌ) خبر لمحذوف:أي هو ولدٌ ناصحٍ:أي مُخلص وصادق في طلبه.



 فالمعلم بمنزلة الوالد والطالب بمنزلة الولد،وذكر النووي رحمه الله في«مقدمة تهذيب الأسماء واللغات» (1/11) بعد أن تكلم على أهمية تراجم العلماء قال:إنهم أئمتنا وأسلافنا،كالوالدين لنا،وأجدى علينا في مصالح آخرتنا التي هي دار قرارنا،وأنصح لنا فيما هو أعود علينا.

 وكان والدي الشيخ مقبل رحمه الله يقول:طلبة العلم أبنائي.

قلت:طالب العلم يعتبره والدي رحمه الله وغفر له ولدًا له في الحنان والمحبة،والتفقد والشفقة،من أي بلدٍ كان ومن أي لونٍ كان.

وقد رجح بعضهم حق المعلم على حق الوالد،لأن المعلم يغذي الروح والوالد يغذي الجسد،قال الشاعر:

أفضِّل أستاذي على فضل والدي...وإن نالني من والدي المجد والشرف

فهذا مربي الروح والروح جوهر...وذاك مربي الجسم والجسم كالصدف

وقال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله في«الآداب الشرعية»(1/440):ذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فِي كِتَابِهِ«فَاتِحَةِ الْعِلْمِ» أَنَّ حَقَّهُ آكَدُ مِنْ حَقِّ الْوَالِدِ،لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِتَحْصِيلِ الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ،وَالْوَالِدُ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْحَيَاةِ الْفَانِيَةِ.

قال ابن مفلح:وَعَلَى هَذَا-أي على هذا القول-تَجِبُ طَاعَتُهُ وَتَحْرُمُ مُخَالَفَتُهُ،وَأَظُنُّهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ.

ثم قال ابن مفلح:وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الْعِلْمِ لَا مُطْلَقًا.وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وقال السفاريني في«غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب» (1/390):قَالَ عُلَمَاءُ الْمُصْطَلَحِ:الْأَشْيَاخُ آبَاءٌ فِي الدِّينِ.وَقَالَ لِي شَيْخَانِ أَبُو التَّقِيِّ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ التَّغْلِبِيُّ الشَّيْبَانِيُّ:شَيْخُك أَبُوك،بَلْ أَعْظَمُ حَقًّا مِنْ وَالِدِك،لِأَنَّهُ أَحْيَاك حَيَاةً سَرْمَدِيَّةً وَلَا كَذَلِكَ وَالِدُك،أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ.

 وَقَالَ لِي:النَّاسُ يَقُولُونَ فُلَانٌ-يَعْنِي نَفْسَهُ-لَا وَلَدَ لَهُ،وَهَلْ لِأَحَدٍ مِنْ الْوَلَدِ مِثْلُ مَا لِي،يَعْنِي تَلَامِذَتَهُ.اهـ.

فالعلم رابطة قوية بين التلميذ وشيخه،وكذلك رابطة قوية بين طلبة العلم أنفسِهم.

ولهذا ينبغي التراحم فيما بينهم والتآلف،واعتبار أنهم كالجسد الواحد،متحابين متعاطفين،لا حسد ولا فُرقة ولا عداوة ولا بغضاء،والله المستعان.

ــــــــــــــــــــــــــ

الصبر على جفاء الطالب وسُوءِ أَدَبِهِ

هذا أيضًا من آداب المعلم أن يصبر على الطالب،وإذا بدر منه جفاءٌ وسوء أدب في بعض الأحيان يتحمَّل ويكظم،وهذا قد يكون له أثر طيب في تهذيب الطالب وتزكيته،فإن التوبيخ والعتاب قد يسبِّبُ ردةَ فعل وقد يسبب التنافر،ولهذا ربنا يقول في وصف المؤمنين:﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)[آل عمران].وهذا من السياسة المحمودة.

روى ابن أبي حاتم في«آداب الشافعي ومناقبه» (207) عن الشافعي رحمه اللهسِيَاسَةُ النَّاسِ أَشَدُّ مِنْ سِيَاسَةِ الدَّوَابِّ».

وروى الخطيب في«الفقيه والمتفقه» (2/317) تحت ترجمة:يُسْتَحَبُّ لِلْفَقِيهِ الرِّفْقُ،وَالْمُدَارَاةُ وَالِاحْتِمَالُ.عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ،قَالَلَيْسَ بِحَكِيمٍ مَنْ لَمْ يُعَاشِرْ بِالْمَعْرُوفِ مَنْ لَا يَجِدُ مِنْ مُعَاشَرِتِهِ بُدًّا،حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ فَرْجًا،أَوْ قَالَ:مَخْرَجًا».

هذا الأثر فيه الحث على حسن المعاشرة واللين والرفق لمن لا يجد من معاشرته بدًّا،كالتلميذ مع معلمه،والولد مع والده والعكس،والزوجة مع زوجها والعكس،والجار مع جاره..فهذا الأثر فيه الحث على التحمل والصبر وحسن المعاشرة،والله المستعان.

ــــــــــــــــــــــــــ

 محبة الخير للطالب

هذا من آداب المعلم العظيمة أن يحب لطالب العلم ما يحبه لنفسه من الخير،وهذا من صفات المعلم الناصح،وأيضًا من حقوق الأخوة والصحبة والعشرة،قال تعالى:﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾[الحجرات:10].

هذا الأدب عام يحتاج له كل مسلم مع أخيه المسلم،ولكنَّه آكد بالنسبة للمعلم،فمن حق الطالب على معلمه أن يحب له ما يحبه لنفسه وأن يكره له ما يكرهه لنفسه.وإذا شعر في نفسه-والعياذ بالله-الفرح بضعف الطالب ونقصه فهذا دليل على أنه ناقص في إيمانه،لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» المراد لا يؤمن الإيمان الكامل،فالحديث دليل على أن من كمالِ الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه وأن يكره له ما يكرهه لنفسه،ويدل الحديث على سلامة صدر من كان كذلك،لأن هذا الخُلُقَ العالي لا يتحقق إلا من سليم الصدر من الحسد والحقد والغل..