جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 28 سبتمبر 2019

(13)تربيةُ الأَولَادِ


                    صلاح الولد بصلاح أبيه



من إكرام الله للرجل الصالح أنه يصلح ولده وأحفاده وأسرته ويحفظهم له حيًّا وميتا،تفضُّلٌ منه وإحسان،فاحرصوا أيها الآباء والأمهات على صلاح أنفسكم ليسهل لكم تربية أولادكم،ولتكون أسركم أُسرًا صالحة مستقيمة.

قال الله تعالى في كتابه الكريم:﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9)﴾[النساء: 9].

وقال سبحانه:﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ [الكهف: 82].

وروى البغوي في «زوائد الجعديات» (1686)عن ابن المنكدر، قال يصلح الله عز وجل بصلاح الرجل ولده وولد ولده وأهل دُويرته ودُوَيرات حولهم فما يزالون في ستر الله عز وجل وحفظه.وسنده صحيح.

ويقول الشاعر:

رَأَيْتُ صَلاحَ الْمَرْءِ يُصْلحُ أَهْلَهُ ... وَيُعْدِيْهِمُ داءُ الْفَسَادِ إِذَا فَسَدْ

وَيشْرُفُ فِيْ الدُّنْيَا بِفَضْلِ صلاحِهِ ... وُيحْفَظُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِيْ الأَهْلِ وَالْوَلَدْ

وفي قول الشاعر:(ويعديهم)

 إشارة إلى أنه كما يحفظ بصلاحه في ولده، ويصلح الولد بصلاحه، كذلك يفسد الولد، ويضيع بفساده.كذا في«حسن التنبه لما ورد في التشبه»(2/427)للغزِّي.

ولله الحكمة فقد يتخلَّف هذا فيكون الأب  صالحًا وولده شريرٌ مفسد.

قال تعالى في شأن ولد نبي الله نوح:﴿قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)[هود]،فلم ينتفع ولد نوح بصلاح أبيه ومقامه الرفيع.

وقد يكون الرجل صالحًا وامرأته غير صالحة .قال تعالى:﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)﴾[التحريم].

فلم تنتفع هاتان المرأتان بصلاح زوجيهما،بل كانتا مع الخاسرين.

قال الغَزِّي في«حسن التنبه لما ورد في التشبه»(2/428): قد لا يُكرَم بعضُ الصالحين بهذه الكرامة إشارة إلى أنه لا يجب على الله تعالى شيء، وأنه سبحانه وتعالى له الاختيار فيما يتفضل به على عباده، وأنه سبحانه وتعالى هو الفاعل الحقيقي المتفضل بحفظ الولد وإصلاحه، وليس لصلاح أبيه تأثير في الحقيقة، وإنما جعل الله تعالى صلاحه سببًا لتوفيق ولده في الغالب، وقد لا يجعله سببًا لذلك ليسلم الصالحون من الشرك الحاصل باعتقاد تأثير صلاحهم في توفيق أولادهم وأهليهم، ولئلَّا يتكلوا في إصلاح أولادهم على صلاح أنفسهم، فيتركوهم من التأديب والتعليم، أو يتكل الأولاد على صلاح آبائهم، ويتوانوا عن الجِد والاجتهاد في التعلم والتأدب، ولِيعلَم الصالحون وأولادهم وأهلوهم أن الخير الواصل إلى الأولاد والأهلين إنما موصله إليهم على الحقيقة هو الله تعالى.اهـ المراد


وقد يكون ابتلاء واختبارًا للأبوين الصالحين.كما قال يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: " أَرْبَعَةٌ لَا يُؤْنَسُ مِنْهُمْ رُشْدًا: حَارِسُ الدَّرْبِ وَمُنَادِي الْقَاضِي، وَابْنُ الْمُحَدِّثِ، وَرَجُلٌ يَكْتُبُ فِي بَلَدِهِ وَلَا يَرْحَلُ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ "رواه الحاكم في معرفة علوم الحديث(9)،ومن طريقه الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي»( 1685). 

كما أنه قد يأتيَ الصالح من أصلٍ مفسد.

روى البخاري  (3231 )ومسلم  (1795) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْج النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ، قَالَ :«لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ، ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا »  .

ونبي الله وخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام أبوه آزر كافر.

وما أحسن قول الشاعر:

إذَا طابَ أَصْلُ الْمَرْءِ طابَتْ فُرُوْعُهُ .. وَمِنْ عَجَبٍ جاءَتْ يَدُ الشَّوْكِ بِالْوَرْدِ

وَقَدْ يَخْبُثُ الْفَرْعُ الَّذِيْ طابَ أَصْلُهُ .. لِيَظْهَرَ صُنعُ اللهِ فِيْ الْعَكْسِ وَالطَّرْدِ  

وقد قال تعالى:﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾[الروم: 19].والله المستعان.


الخميس، 26 سبتمبر 2019

(13) اختصار الدرس الحادي عشرمن دروس التبيان في آداب حملة القرآن



من آداب المعلِّم:التحلِّي بخُلُقِ الحِلْم

الحلم هو: ضبط النّفس والطبع عن هيجان الغضبمفردات القرآن» للراغب.

فالحِلْم ضد الغضب والانفعال، يعفو عمن جفاه وأساء اليه، لا يقابِل السيئة بالسيئة، لا يقابل الجهل بالجهل، ولا الأذى بالأذى، لا يسب ولا يقسو.

وهذا يحتاج إلى سعة صدر.

إِذَنْ الحلم يحمل معنًى عظيمًا وهو: كظم الغيظ والعفو عند المقدرة.

يقول ربنا سبحانه وتعالى في صفات المتقين: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)﴾[آل عمران].

وقال تعالى:﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)﴾[فصلت].

 وفي هذه الآية دليل أنه لا يتصف بصفة الحلم إلا أهل الصبر، ولا يتصف بالحِلْمِ ﴿إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)﴾.

وصفة الحِلْم يحبها الله. روى مسلم (17) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ: «إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ».

صفةُ الحِلْم من أسباب نيل السيادة، قال الشاعر:

بِبَذْلٍ وَحِلْمٍ سَادَ فِي قَوْمِهِ الْفَتَى
♣♣♣
وَكَوْنُكَ إِيَــــــــــاهُ عَلَيْكَ يَسِيرُ

خُلُقُ الحِلْم زينٌ وجمال، ولهذا يذكرون الحِلْم في آداب المعلِّم حتى قال عَطَاء بن أبي رباح: «مَا أَوَى شَيْءٌ إِلَى شَيْءٍ، أَزْيَنَ مِنْ حِلْمٍ إِلَى عِلْمٍ» رواه الدارمي في «مقدمة سننه»(596).

وبالحِلْم يكون حكيمًا في تعليمه ودعوته وتصرُّفاته، محبِّبًا السنة وأهلها إلى الناس، بعيدًا عن التنفير.

قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾[159: آل عمران].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى»(28/136) في سياق صفات الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر: وَلَا بُدَّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ حَلِيمًا صَبُورًا عَلَى الْأَذَى، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ أَذًى، فَإِنْ لَمْ يَحْلَمْ وَيَصْبِرْ كَانَ مَا يُفْسِدُ أَكْثَرَ مِمَّا يُصْلِحُ. كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: ﴿وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾. اهـ.

والحِلْمُ يحتاجه أيضًا غير المعلمين، وكلما كبر الإنسان يحتاج إلى المجاهدة أكثر في التحلي بهذا الخُلُق، لأنه مع كِبَرِ السِّنِّ يضعف الحِلْم ويتناقص، و يكثر الانفعال ويتزايد، قال الشاعر كما في «الفقيه والمتفقه» للخطيب:

مَا الْحِلْمَ إِلَّا بِالتَّحَلُّـــــمِ فِي الْكِبَرِ
♣♣♣
وَمَا الْعِلْمُ إِلَّا بِالتَّعَلُّمِ فِي الصِّغَــــــــرِ
وَلَوْ ثُقِبَ الْقَلْبُ الْمُعَلَّمُ فِي الصَّبَا
♣♣♣
لَأَلْفَيْتَ فِيهِ الْعِلْمَ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من آداب المعلم :التحلِّي بخلُق الصبر

الصبر لغةً: الحبس، وفي الشرع: حبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكي، والجوارح عن المعصية.

والمعلم بحاجة شديدة إلى خُلُقِ الصبر، الصبر في الدعوة، الصبر في التعليم، الصبر على الجاهل، الصبر على المدعُوِّين والمتعلِّمين، الصبر على ما يواجهه من الأذى والحسدة، والحسدة إذا رأوا إقبال الناس وتوافدهم يلجأون إلى التنفير بشتى الوسائل.

وسمعت والدي رحمه الله يقول: كلما قويت الدعوة كثُرَ أعداؤها. اهـ.

وقد حثَّ الله سبحانه على التَّحَلِّي بِخُلُقِ الصبر، قال تعالى: ﴿ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) [المدثر: 7]. وقال سبحانه: ﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ [القلم: 48]إلى غير ذلك.

ولمَّا كان المعلم أحوج ما يكون إلى خُلُقِ الصبر، لأنه يحتاج إلى صبرٍ على الطالب، وصبرٍ في حَلَقَتِه، ويحتاج إلى صبر على تفهيم مَنْ لم يفهم، إذ قُدُرات الطلاب تتفاوت، وقد يحتاج بعضهم إلى تكرار حتى تصل المعلومة إلى ذهنه صحيحةً مفهومةً.

وصبر المعلم على تعليم الغرباء أوكد من الذين ليسوا بالغرباء، لمفارقة أوطانهم ومساكنهم وأهليهم وأموالهم وأولادهم.

و كان والدي الشيخ مقبل كثيرَ الاهتمام بالغرباء وبتعليمهم والإحسان إليهم وتفقُّدِ أحوالهم، بل وأوصى بهم في (وصيته) المشهورة قبل وفاته.

والمعلم الناصح القائم بعبء التعليم بجدِّية لابد أن يتعب، حتى إنه قد يؤثِّر على بدنه وصحَّتِه. روى الإمام مسلم عن عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ؛ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: هَلْ كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى وَهُوَ قَاعِدٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، بَعْدِ مَا حَطَمَهُ النَّاسُ.

 قال النووي في «شرح صحيح مسلم» قَالَ الرَّاوِي فِي تَفْسِيرِهِ: يُقَالُ: حَطَمَ فُلَانًا أَهْلَهُ إِذَا كَبُرَ فِيهِمْ. كَأَنَّهُ لِمَا حَمَلَهُ مِنْ أُمُورِهِمْ وَأَثْقَالِهِمْ وَالِاعْتِنَاءِ بِمَصَالِحِهِمْ صَيَّرُوهُ شَيْخًا مَحْطُومًا. اهـ.

وخُلُقُ الصبر لا حياة سعيدة لأحدٍ إلا به، سواء للمعلم والمتعلم ولعامة الناس كلهم، فعلى الإنسان أن يروِّض نفسه على خُلُقِ الصبر، لعل الله سبحانه يمنحه هذا الخُلُقَ فيصير سجيةً له، قال ابن القيم في «زاد المعاد» (4/226) في ترويض النفس: وَمِنْ أَعْظَمِ رِيَاضَتِهَا: الصَّبْرُ وَالْحُبُّ، وَالشَّجَاعَةُ وَالْإِحْسَانُ، فَلَا تَزَالُ تَرْتَاضُ بِذَلِكَ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى تَصِيرَ لَهَا هَذِهِ الصِّفَاتُ هَيْئَاتٍ رَاسِخَةً، وَمَلَكَاتٍ ثَابِتَةً. اهـ.

فائدة الفرق بين الحلم والصبر

قال ابن القيم رحمه الله في «عِدَة الصابرين» (280): والفرق بين الصبر والحلم أن الصبر ثمرة الحلم وموجبه، فعلى قدر حلم العبد يكون صبره، فالحلم في صفات الرب تعالى أوسع من الصبر، ولهذا جاء اسمه الحليم في القرآن في غير موضع، ولسعته يقرنه سبحانه باسم العليم كقوله: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا [الأحزاب: 51 ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ [النساء: 12]. اهـ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 من صفات المعلِّم:التنزه عن دنيء الاكتساب

الدنيء: الحقير.

دنيء الاكتساب، كالحجامة والدِّباغة وتنظيف الحمامات..

ومنه كما ذكر الشيخ ابن عثيمين في «شرح مقدمه المجموع» (108): حِرْفَةُ الجزَّارين، والكنَّاسين..

 فمن آداب المعلِّم أن يبتعد عن المكاسب الدنيئة وعن الحِرَف المهينة.

ومن باب أولى أن يترك المكاسب المحرمة كالرِّبا والرشوة والتدريس الاختلاطي..

وأن يحذر من أن يكون متسوِّلًا أو لِصًّا يأخذ الأموال باسم الدعوة والتعليم، وقد حذَّر من ذلك والدي الشيخ مقبل رحمه الله كثيرًا، ومما قال في كتابه «ذم المسألة ضمن مجموعة رسائل علمية»(216): ولم أرَ أبصر في التلصُّص لاستخراج المال من الإخوان المفلسين، فهم يصوِّرون للناس أن القضية التي يدعون إليها هي الإسلام، وإذا لم يُبذلِ المال في هذه القضية انتصر الكفر على الإسلام، وهكذا القضية تلو القضية، وكلما انتهت تلك القضية ولم ير الناسُ لها أثر في نصرة الدين، بل ربما تكون عارًا على الإسلام، شغلوا الناس بقضية أخرى، فأين ثمرة تلكم المظاهرات التي يقلدون فيها أعداء الإسلام؟ وأين مؤتمر الوحدة والسلام؟ وأين ثمرات الانتخابات الطاغوتية؟

 نحن نقول هذا حزنًا على الدين وتألمًا من قلب الحقائق، لا أننا نغبطهم على جمع الأموال فهم سيسألون عنها يوم القيامة. اهـ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 من صفات المعلِّم:ملازمة الورع

 الورع: هو ترك ما يخاف ضرره في الآخرة.

والأصل في ذلك حديث النعمان بن بشير عند البخاري (52 ومسلم (1599) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ»الحديث.

وروى البخاري (2431 ومسلم (1071) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ، قَالَ: «لَوْلاَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا».

والورع شيء عظيم يحمي من الوقوع في المحرمات والمكروهات، ولهذا قال مطرف بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ قَالَ: فَضْلُ الْعِلْمِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ فَضْلِ الْعِبَادَةِ، وَخَيْرُ دِينِكُمُ الْوَرَعُ. أخرجه ابن سعد في «الطبقات» (7/103 والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/83) بسند صحيح.

الورع يكون في أمور كثيرة، منها:

1. الشيء الذي يَشك فيه الإنسان أهو من قسم الحرام أو من قسم الحلال، هذا ينبغي تركه تورعًا.

 لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يقول: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وَعِرْضِهِ..»، ويقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ» رواه الترمذي (2518 والنسائي (5711) عن الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

 فمثلًا: بعض المعاملات في البيع والشراء، وأيضًا من حصل له شك في بعض الألبسة أو بعض الأطعمة والأشربة هذا يُترَك تورعًا واستحبابًا.

2. كف اللسان عن الكلام إلا في خير.

 قال تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ﴾[ق: 18].

 وقال ابن أبي الدنيا في «الورع» (77): حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي رِزْمَةَ قَالَ: سُئِلَ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ " أَيُّ الْوَرَعِ أَشَدُّ؟ قَالَ: «اللِّسَانُ». والأثر صحيح.

3. ترك ما لا يعني.

 قال ابن القيم في «مدارج السالكين» (2/23-24): وَقَدْ جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَرَعَ كُلَّهُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ. فَقَالَ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» فَهَذَا يَعُمُّ التَّرْكَ لِمَا لَا يَعْنِي مِنَ الْكَلَامِ، وَالنَّظَرِ، وَالِاسْتِمَاعِ، وَالْبَطْشِ، وَالْمَشْيِ، وَالْفِكْرِ، وَسَائِرِ الْحَرَكَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ. فَهَذِهِ الْكَلِمَةُ كَافِيَةٌ شَافِيَةٌ فِي الْوَرَعِ. اهـ.

 وهذا الحديث «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» الصحيح أنه مرسل من مراسيل علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الملقب زين العابدين، ولكن معناه صحيح.

4. التورع في الشيء المباح خشية الوقوع في الحرام مثل: القُبلة للصائم في رمضان إذا كان يخشى على نفسه من إفساد صيامه بالإنزال أو الجماع كما في حديث «كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى» أما إذا أمِن على نفسه فهذا جائز، النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقبل ويباشر وهو صائم.

وهكذا مباشرة الصائم أهله في نهار رمضان إذا كان يخشى على نفسه الوقوع في الحرام فإنه يبتعد، والمباشرة في الأصل جائزة، لِما روى مسلم (1106) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ».

أما إذا عَلِم وتيقَّن أنه يفسد صومه إذا قبَّل أو باشر فهذا حرام.

5. في مسألة اختلافات العلماء التي ما تبين فيها الراجح والقول الصواب. هذا ممكن يُبتعد عنه تورعًا وقد تقدم أثر مطرف «وَخَيْرُ دِينِكُمُ الْوَرَعُ».

أما في الخلافات التي اتضح فيها الصواب واستبان فيها الدليل فالحَكَمُ هو الدليل فلا يقال يُترك تورعًا لأن الأمر واضح، وميزان الأقوال والأفعال الدليل ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) [النساء: 59].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تنبيه على مسألَتَين في الورع

·   من تورَّع عن شيءٍ وهو على غير الجادة والاستقامة فإنه يستحق الإنكار عليه

وقد نبَّه على هذا ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» (283)وقال: هَاهُنَا أَمْرٌ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهُ وَهُوَ أَنَّ التَّدْقِيقَ فِي التَّوَقُّفِ عَنِ الشُّبُهَاتِ إِنَّمَا يَصْلُحُ لِمَنِ اسْتَقَامَتْ أَحْوَالُهُ كُلُّهَا، وَتَشَابَهَتْ أَعْمَالُهُ فِي التَّقْوَى وَالْوَرَعِ، فَأَمَّا مَنْ يَقَعُ فِي انْتِهَاكِ الْمُحَرَّمَاتِ الظَّاهِرَةِ، ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَتَوَرَّعَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ دَقَائِقِ الشُّبَهِ، فَإِنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ لَهُ ذَلِكَ، بَلْ يُنْكَرُ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ: يَسْأَلُونَنِي عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ وَقَدْ قَتَلُوا الْحُسَيْنَ، وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا». اهـ.

·   أن مسألة الورع لا يكون بحسَب هوى النفس ولكن بمقتضى الشرع

قال شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى»(20/140): .. إذَا فَعَلَ الْوَاجِبَ وَالْمُشْتَبِهَ وَتَرَكَ الْمُحَرَّمَ وَالْمُشْتَبِهَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اعْتِقَادُ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ بِأَدِلَّةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالْعِلْمِ لَا بِالْهَوَى، وَإِلَّا فَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ تَنْفِرُ نَفْسُهُ عَنْ أَشْيَاءَ لِعَادَةِ وَنَحْوِهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ مِمَّا يُقَوِّي تَحْرِيمَهَا وَاشْتِبَاهَهَا عِنْدَهُ، وَيَكُونُ بَعْضُهُمْ فِي أَوْهَامٍ وَظُنُونٍ كَاذِبَةٍ، فَتَكُونُ تِلْكَ الظُّنُونُ مَبْنَاهَا عَلَى الْوَرَعِ الْفَاسِدِ فَيَكُونُ صَاحِبُهُ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: ﴿إنْ يَتَّبِعُونَ إلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ﴾، وَهَذِهِ حَالُ أَهْلِ الْوَسْوَسَةِ فِي النَّجَاسَاتِ، فَإِنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْوَرَعِ الْفَاسِدِ الْمُرَكَّبِ مِنْ نَوْعِ دِينٍ وَضَعْفِ عَقْلٍ وَعِلْمٍ. اهـ.

فيتنبه لهذا بعض النساء فإنها قد يكون ليس عندها رغبة في شيءٍ ما، وخاصة في أمور الزينة والتجميل، وتقول: على الأقل يُترك تورُّعًا.

لا بدَّ أن يكون الدافع لهذا الدين وليس رغبة النفس وهواها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 من آداب المعلم:التحلِّي بالخشوع والسكينة والوقار

قال ابن القيم رحمه الله في تعريف الخشوع كما في «مدارج السالكين» (1/518) بعد أن ذكر بعض الأقوال في معنى الخشوع: وَالْحَقُّ أَنَّ الْخُشُوعَ مَعْنًى يَلْتَئِمُ مِنَ التَّعْظِيمِ، وَالْمَحَبَّةِ، وَالذُّلِّ وَالِانْكِسَارِ. اهـ.

السكينة والوقار

قال النووي في «شرح صحيح مسلم» (5/100): قِيلَ: هُمَا بِمَعْنًى وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا:

 وَأَنَّ السَّكِينَةَ التَّأَنِّي فِي الْحَرَكَاتِ وَاجْتِنَابُ الْعَبَثِ وَنَحْوُ ذَلِكَ.

 وَالْوَقَارُ فِي الْهَيْئَةِ وَغَضِّ الْبَصَرِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى طَرِيقِهِ بِغَيْرِ الْتِفَاتٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وقد مدح ربنا من اتصف بصفة الخشوع فقال: ﴿ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ [الأحزاب: 35].

وهناك خشوع نفاق أعاذنا الله منه وهو الخشوع في الظاهر دون الباطن. يعني: يُظهر الخشوع وقلبه ليس بخاشع، هذا خشوع نفاق أعاذنا الله منه.

صفة الخشوع أثناء التعليم هذا من هدي سلفنا الصالح الذين بارك الله في علمهم، وجعل لهم لسان صدق في الآخرين، روي الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» (1/412) من طريق حُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ، قَالَ: «كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَتَحَدَّثُ فَيَضْحَكُ، فَإِذَا جَاءَ الْحَدِيثُ خَشَعَ» والأثر صحيح.

فينبغي للمعلِّم أن يتنبَّه لهذه الصفة الجليلة، فلا يعلِّم وقلبه غافلٌ لاهٍ قاسٍ، بل عليه أن يكون خاشعًا مستكينًا متواضعًا لله سبحانه.

السكينة والوقار

وهكذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يربي الصحابة على هذين الخُلُقين: السكينة والوقار ففي حديث جابر الطويل في حجة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كان يأمرهم بالسكينة وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى «أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ» رواه مسلم (1218).

وروى مسلم (602) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَلَا يَسْعَ إِلَيْهَا أَحَدُكُمْ، وَلَكِنْ لِيَمْشِ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، صَلِّ مَا أَدْرَكْتَ، وَاقْضِ مَا سَبَقَكَ».

وهذا عام في المجالس وفي المشي إلى الصلاة وإلى المجالس العلمية، وقد بوب الإمام النووي في «رياض الصالحين»: باب الندب إِلَى إتيان الصلاة والعلم ونحوهما من العبادات بالسكينة والوقار.

قال الشيخ ابن عثيمين في «شرح رياض الصالحين» (4/101): وبهذا يتم المؤلف رحمه الله ما ترجم به من الندب إلى إتيان الصلاة ومجالس العلم وغيرها من العبادة بسكينة ووقار، فإذا أتيت إلى مجالس العلم والخير فكن ساكنا وقورا مهيبا حتى لا يستهان بك أمام الناس ويكون تعظيمك لهذه المجالس من تعظيم الله عز وجل. اهـ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 من آداب المعلم: خلق التواضع

التواضع خُلُقٌ عظيم قال تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِيْنَ لاَ يُرِيْدُوْنَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ﴾[القَصَصُ: 83].

 ومن أسباب الرفعة، كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ، إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ» رواه مسلم (2588) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

و يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ» رواه مسلم (2865) عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

فمن رُزِق خلق التواضع فإن الله يصرف عنه من المصائب: البغي والاعتداء والفخر والخيلاء.

من رُزِق خُلُقَ التواضع فقد سلك طريق السعادة، وبه يُدرِك العلمَ، ويُبارَك له في علمه وسعيه.

ولهذا كان السلف يحثون المعلم على التواضع. روى الخطيب في «جامعه» (819) عن حماد بن زيد يقول: ينبغي للعالم أن يضع التراب على رأسه تواضعًا لله عز وجل.

هذا أثر صحيح.

ومن سياسة النفس هضمُها رجاء تزكيتِها وعلاجها وتهذيبها من الأمراض الفتَّاكة.

وضد التواضع الكبر، وقد يكون التعالي وعدم التواضع سببه فقد الإخلاص أعاذنا الله من ذلك، قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (13/378): فَمَنْ طَلَبَ العِلْمَ لِلعمل كَسره العِلْمُ وَبَكَى عَلَى نَفْسِهِ، وَمِنْ طلب العِلْم لِلمدَارس وَالإِفتَاء وَالفخر وَالرِّيَاء تحَامقَ وَاختَال وَازدرَى بِالنَّاسِ وَأَهْلكه العُجْبُ وَمَقَتَتْهُ الأَنْفُس ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاها [الشَّمْس: 9-10]. أي: دسسها بالفجور والمعصية. قُلِبَتْ فِيْهِ السِّينُ أَلِفاً. اهـ. (وَازدرَى بِالنَّاسِ) أي: احتقرهم ،وهذا هو الكبر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 من آداب المعلم:التحلِّي بالخضوع

أي: الخضوع للحق وصولته.

قال ابن القيم في «مدارج السالكين»(2/318):التواضع أَنْ يَتَلَقَّى سُلْطَانَ الْحَقِّ بِالْخُضُوعِ لَهُ، وَالذُّلِّ، وَالِانْقِيَادِ، وَالدُّخُولِ تَحْتَ رِقِّهِ. بِحَيْثُ يَكُونُ الْحَقُّ مُتَصَرِّفًا فِيهِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ فِي مَمْلُوكِهِ. فَبِهَذَا يَحْصُلُ لِلْعَبْدِ خُلُقُ التَّوَاضُعِ. فَكَانَ حَقِيقَةُ التَّوَاضُعِ: خُضُوعَ الْعَبْدِ لِصَوْلَةِ الْحَقِّ، وَانْقِيَادَهُ لَهَا. فَلَا يُقَابِلُهَا بِصَوْلَتِهِ عَلَيْهَا. اهـ.

وقد يُصاب بعض المعلمين بعدم الخضوع للحق والانقياد له مع تبيُّن الصواب له، تعصُّبًا لشيخه، أو لمذهبه، أو غرورًا بنفسه. وهذا هو عين الكبر. كما قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ».

وقد جاء الوعيد على ذلك في الحديث الذي رواه أبو داود (3597) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ، وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ، لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ».

فالواجب الانقياد والخضوع للحق وعدم التمادي في الباطل والعناد مع ظهور الحق، فالحق أحق أن يتبع، ولو كان مع الخصم، وقد قَبِلَ النبي صلى الله عليه وسلم الحق من اليهود في عدة مواطن، وقَبِلَ خبر الشيطان الذي دل أبا هريرة رضي الله عنه على قراءة آية الكرسي عند النوم وقال: لا يقربك شيطان. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدقك وهو كذوب.

وتراجعات أئمتنا عن بعض الأقوال والفتاوى من هذا الباب.

فليحذر مقرئ القرآن وغيره من المعلمين من الصولة على صولة الحق لئلَّا يسلك سبيل المجرمين، ويسير في ركاب الشياطين. عافانا الله وإياكم من هذا البلاء وسائر المسلمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 من أخلاق المعلم:اجتناب الضحك

وليس المراد أن يكون عبوسًا لا يضحك، فلا بأس بالضحك أحيانًا عند الحاجة فقد كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يضحك، وكان أكثر ضحكه تبسمًا، وروى الإمام مسلم (670) عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ كَثِيرًا، «كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ، أَوِ الْغَدَاةَ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ».

قال النووي في «شرح مسلم» (13/473) في فوائد حديث جابر بن سمرة:

فيه جواز الضحك، والأفضل الاقتصار على التبسم، كما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في عامة أوقاته.

قالوا: ويكره إكثار الضحك، وهو في أهل المراتب والعلم أقبح والله أعلم. اهـ.

فالإكثار من الضحك ممقوت، ويميت القلب، روى البخاري في «الأدب المفرد» (253) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تُكْثِروا الضَّحِكَ فَإن كَثْرَة الضَّحِكِ تُمِيتُ القَلْبَ».

 قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (8/303): يَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ ضَحُوكاً بَسَّامًا أَنْ يُقَصِّرَ مِنْ ذَلِكَ، وَيَلُوْمَ نَفْسَهُ حَتَّى لاَ تَمَجُّهُ الأَنْفُسُ، وَيَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ عَبُوسًا مُنْقَبِضًا أَنْ يَتَبَسَّمَ، وَيُحسِّنَ خُلُقَهُ وَيَمْقُتَ نَفْسَهُ عَلَى رَدَاءةِ خُلُقِهِ، وَكُلُّ انحِرَافٍ عَنِ الاعتدَالِ فَمَذْمُوْمٌ، وَلاَ بُدَّ لِلنَّفْسِ مِنْ مُجَاهدَةٍ وَتَأْدِيْبٍ. اهـ.

وقد وضَّح الشيخ ابن عثيمين في «شرح مقدمة المجموع» (108) المراد بعبارة النووي، وقال: مراده بذلك والله أعلم-الضحك الذي ينزل به إلى حدِّ الدناءة، وأما الضحك عند وجود سببِه ولا سيما التبسُّم فهذا لا بأس به، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتبسَّم ويضحك حتى تبدوَ نواجذه، لكن مراده بالضحك القهقهة، أو الصوت ، أو ما أشبه ذلك.  

من أخلاق المعلِّم:اجتناب الإكثار من المزح

المزح: الدعابة، كما في «صحاح الجوهري» (1/356).

الإكثار من المزح مذموم، لأنه يجلب الغفلة والقسوة، وفيه مضيعة للأوقات، وقد ذكروا ثلاثة شروط للمزاح المباح: أن لا يكثر من المزاح، وأن يكون بحق يعني فلا يمزح كاذبًا، ألا يوغر الصدور فإذا كان يتأذى الممازَح معه فيترك.

أما القليل من المزاح الذي لا يصحبه كذب ولا يوغر الصدر فهذا لا بأس به.

روى البخاري (6203 ومسلم (2150) عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ-قَالَ: أَحْسِبُهُ-فَطِيمًا، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ» نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ، فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلاَةَ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا، فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ، ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِنَا.

هذا مثالٌ على مزاح النبي صلى الله عليه وسلم.

 أما ما جاء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال لعجوز مازحًا: لا يدخل الجنة عجوز

فهذا الحديث رواه الترمذي في «الشمائل» (144) عن الحسن قال: أتت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله أدع الله أن يدخلني الجنة. فقال: يا أم فلان! انّ الجنة لا تدخلها عجوز. قال: فولت تبكي فقال: أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز إن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً عُرُباً أَتْراباً﴾. وهذا الحديث ضعيفٌ مرسل من مراسيل الحسن البصري.