جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 30 يناير 2019

(24) أحاديثُ منتقاةٌ من أحاديثِ البخاري ومسلم




                   من أحاديث الترهيب



عن أبي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي بِالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي،«اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ»، فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ، قَالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ: «اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ»، قَالَ: فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي، فَقَالَ: «اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، أَنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ»، قَالَ: فَقُلْتُ: لَا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا.رواه مسلم(1659).


وفي رواية لمسلم:فَسَقَطَ مِنْ يَدِي السَّوْطُ مِنْ هَيْبَتِهِ.


وفي رواية أخرى لمسلم:«اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ»، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، فَقَالَ: «أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ»، أَوْ «لَمَسَّتْكَ النَّارُ».



--------------------------------

قوله: أبا مسعود، أبا: منادى بحرف نداء محذوف.


في هذا الحديث من الفوائد:


التذكير بالله سبحانه.

وكما قال تعالى:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)}.

وولد آدم يُذَكِّرُ أخاه بربه سبحانه،{لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة:28].

وقالت مريم رحمها الله لمَّا رأت جبريل عليه الصلاة والسلام في صورة رجل وخافت منه:{قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا} [مريم:18].

 وعن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ يَمْشُونَ فَأَصَابَهُمُ المَطَرُ، فَدَخَلُوا فِي غَارٍ فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ، قَالَ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ادْعُوا اللَّهَ بِأَفْضَلِ عَمَلٍ عَمِلْتُمُوهُ..الحديث وفيه أنه قَالَ أَحَدُهُمْ:اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أُحِبُّ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ عَمِّي كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ، فَقَالَتْ: لاَ تَنَالُ ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّى تُعْطِيَهَا مِائَةَ دِينَارٍ، فَسَعَيْتُ فِيهَا حَتَّى جَمَعْتُهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ: اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ وَتَرَكْتُهَا..الحديث رواه البخاري (2215) ومسلم (2743).

ذكَّرتْه بتقوى الله فارتدع وانزجر وانتفع بالتذكير وقام عنها.

وهذا شأن المؤمن أنه ينتفع بالتذكير بالله عز وجل، بخلاف من فسد قلبُه فإنه لا يزيده التذكير إلا بُعدًا.
 قال تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) }[البقرة] .



 الغضب والشِّدة عند  تغييرالمنكر إذا اقتضت المصلحة ذلك،والأصل هو الرفق.

الرفق بالمماليك.

 ما كان عليه الصحابة من الاستسلام للشرع،فلم يتردد هذا الصحابي الجليل،ولم يجادل.

إثبات صفة القدرة لله عز وجل.

تذكُّرُ قدرة الله سبحانه عند إرادة الظلم ،والحذر من سرعة انتقام الله  وبطشه بالظالم،فمن كان له قدرة وسُلطان على شيءٍ فلا ينتهز الضعف،وليتق الله وليُرفِق.والله الموعد.

(99) سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ





                     إثبات صفةِ العَيْنَينِ للهِ عزَّوجل



قال تعالى:﴿وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي ﴾. 

روى عبد الله بن أحمد في السنة (1060)بسند صحيح عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ،وهو عبد الملك بن حبيب،﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه: 39] قَالَ:«يُرَبَّى بِعَيْنِ اللَّهِ».


قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في منهاج أهل السنة والجماعة في العقيدة والعمل(39):المعنى:أن موسى صلى الله عليه وسلم يربى على عين الله، أي: على رؤيةٍ بعين الله سبحانه وتعالى.اهـ

وهذا يفيد إثبات صفة العين لله عز وجل.

 وفي هذه الآية مجيءُ العينِ بلفظ الإفراد﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾.

ووردت العين بلفظ الجمع قال تعالى:﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14)﴾ وقال سبحانه ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)﴾.

ومجيئُ العين بلفظ الجمع للتعظيم.

أو أن يراد بالجمع ما دون الثلاثة لأن اللغة العربية قد جاءت بالجمع مرادًا به ما دون الثلاثة. فيكون قوله: (بِأَعْيُنِنَا) كقوله بعينينا، لأن أقل الجمع اثنان.يراجع/شرح السفارينية (270)للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.

ودلت السنة أن لله سبحانه عينين كما في الحديث الذي  رواه البخاري (4402) عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ بِحَجَّةِ الوَدَاعِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَلاَ نَدْرِي مَا حَجَّةُ الوَدَاعِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ المَسِيحَ الدَّجَّالَ فَأَطْنَبَ فِي ذِكْرِهِ، وَقَالَ: " مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ، أَنْذَرَهُ نُوحٌ وَالنَّبِيُّونَ مِنْ بَعْدِهِ، وَإِنَّهُ يَخْرُجُ فِيكُمْ، فَمَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ شَأْنِهِ فَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ: أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ عَلَى مَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ ثَلاَثًا، إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّهُ أَعْوَرُ عَيْنِ اليُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ.

هذا الحديث يدل على إثبات العينين لله عز وجل لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خاطب أمته بما يفهمونه، فالدجال له عينان، والله سبحانه له عينان تليق بجلالته وعظمته،﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) ﴾[الشورى].

فقوله ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي ﴾ هذا على لفظ الإفراد،ولا ينفي أن لله عز وجل أكثر من عين ،ودلت السنة أن لله عينين كما تقدم.

وصفة العَينَينِ من الصفات الذاتية،وهي صفة حقيقية كما يليق بجلال الله سبحانه وعظمته.


السبت، 26 يناير 2019

(9)من أحكام الصلاة


          من الأحكام التي انفرد بها الرجل عن المرأة


عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ حُجْرَةً - قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ مِنْ حَصِيرٍ - فِي رَمَضَانَ، فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ، فَصَلَّى بِصَلاَتِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: «قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ، فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا المَكْتُوبَةَ»

رواه البخاري(731)،ومسلم (781).


هذا الحديث فيه

حث الرجل على صلاة النافة في بيته.


لكونه أبعد عن الرياء وأدعى لتحقيق الإخلاص.


وفيه أداء الرجل صلاة الفريضة في المسجد.


قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري(731):الْمُرَادُ بِالْمَرْءِ جِنْسُ الرِّجَالِ.
فَلَا يَرِدُ اسْتِثْنَاءُ النِّسَاءِ لِثُبُوتِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَمْنَعُوهُنَّ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ.اهـ


وفي هذا المعنى في استحباب صلاة المرأة في بيتها ما رواه أبوداود(570) بسند صحيح   عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:«صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا».






(15) أحكامُ المساجِد


فضل ميمنة المسجد



 قال البخاري رحمه الله: بَابُ مَيْمَنَةِ المَسْجِدِ وَالإِمَام.

ثم أخرج حديث ابن عباس رضي الله عنهما برقم(728) قَالَ: «قُمْتُ لَيْلَةً أُصَلِّي عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِيَدِي - أَوْ بِعَضُدِي - حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، وَقَالَ بِيَدِهِ مِنْ وَرَائِي».



قال ابن الملقِّن رحمه الله في شرح صحيح البخاري(6/611): هذا الحديث دال لما ترجم له، لأن المأموم إذا كان على يمين إمامه كان في ميمنة المسجد.



وأَخرَجَ البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ، فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ».

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري(168):اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ وَفِي مَيْمَنَةِ الْمَسْجِدِ وَفِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِالْيَمِينِ.



قَالَ النووي: قَاعِدَةُ الشَّرْعِ الْمُسْتَمِرَّةُ اسْتِحْبَابُ الْبَدَاءَةِ بِالْيَمِينِ فِي كُلِّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ وَالتَّزْيِينِ وَمَا كَانَ بِضِدِّهِمَا اسْتُحِبَّ فِيهِ التَّيَاسُرُ.اهـ



أما الحديث الذي رواه ابن ماجة(1007)من طريق  لَيْثِ بْنِ أَبِي سَلِيمٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مَيْسَرَةَ الْمَسْجِدِ تَعَطَّلَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَمَّرَ مَيْسَرَةَ الْمَسْجِدِ كُتِبَ لَهُ كِفْلَانِ مِنَ الْأَجْرِ».

فهذا حديث ضعيف.ليث بن أبي سُليم مختلط وفحُشَ اختلاطه.

وقد بوَّب عليه البوصيري في مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه(1/122) بَاب فضل ميسرَة الصَّفِّ.

(6) فقهُ التَّعاملِ بين الزوجين


تغاضي الزوجين عن المساوئ



عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ»رواه مسلم(1469).


قال النووي رحمه الله في شرح  صحيح مسلم(10/58)في معنى الحديث:أَيْ:يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْغِضَهَا لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَهُ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا مَرْضِيًّا بِأَنْ تَكُونَ شَرِسَةَ الْخُلُقِ لَكِنَّهَا دَيِّنَةٌ أَوْ جَمِيلَةٌ أَوْ عَفِيفَةٌ أَوْ رَفِيقَةٌ بِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ .اهـ

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين(3/123): إذا أساءت مثلًا في ردها عليك مرة، لكنها أحسنت إليك مرات، أساءت ليلة لكنها أحسنت ليالي، أساءت في معاملة الأولاد مرة، لكن أحسنت كثيرًا. . وهكذا. فأنت إذا أساءت إليك زوجتك لا تنظر إلى الإساءة في الوقت الحاضر، ولكن انظر إلى الماضي وانظر للمستقبل واحكم بالعدل.اهـ



هذا الحديث يتعلَّقُ  بالحقوق الزوجية،ومِنْ أدلة الوصايا للزوجين في حُسْنِ العشرة والتعامل،وملاحظة المحاسن والصفات الجميلة،والحث على التسامح والتغافل عن العيوب والمساوئ والتقصير.

فإن النظر إلى المساوئ والأخطاء والقصور والتقصير وتجاهل المحاسن يتولَّد منه الخلافات،وكثرةُ العتاب، والكَرَاهية،وسوءُ العشرة،وقد يصلُ الأمرُ إلى الفراق.


وفيه الحث على تحقيق السعادة الزوجية والبُعْدِ عن الخلافات والمشاكل.


هذا الحديث يتناول الرجل والمرأة،وإنَّما وُجِّهَ الخطابُ للرجل لأن القوَّامة بيده،والأمر بيده.


كما أنَّه مِنْ أدلَّةِ حُسْنِ التعامل مع الآخرين.فالحديث مِنْ جوامع كَلِم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

قال السعدي رحمه الله في«الوسائل المفيدة للحياة السعيدة»(28):     وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر»رواه مسلم ، فائدتان عظيمتان:

إحداهما: الإرشاد إلى معاملة الزوجة والقريب والصاحب والمعامل، وكل من بينك وبينه علقة واتصال، وأنه ينبغي أن توطن نفسك على أنه لا بد أن يكون فيه عيب أو نقص أو أمر تكرهه، فإذا وجدت ذلك، فقارن بين هذا وبين ما يجب عليك أو ينبغي لك من قوة الاتصال والإبقاء على المحبة، بتذكُّر ما فيه من المحاسن والمقاصد الخاصة والعامة، وبهذا الإغضاء عن المساوئ وملاحظة المحاسن، تدوم الصحبة والاتصال وتتم الراحة وتحصل لك.



الفائدة الثانية: وهي زوال الهم والقلق، وبقاء الصفاء، والمداومة على القيام بالحقوق الواجبة والمستحبة، وحصول الراحة بين الطرفين.

 ومن لم يسترشد بهذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بل عكس القضية فلحظ المساوئ، وعمي عن المحاسن، فلا بد أن يقلق، ولا بد أن يتكدر ما بينه وبين من يتصل به من المحبة، ويتقطع كثير من الحقوق التي على كل منهما المحافظة عليها.

وكثير من الناس ذوي الهمم العالية يوطِّنون أنفسهم عند وقوع الكوارث والمزعجات على الصبر والطمأنينة، لكن عند الأمور التافهة البسيطة يقلقون، ويتكدر الصفاء، والسبب في هذا أنهم وطنوا نفوسهم عند الأمور الكبار،وتركوها عند الأمور الصغار فضرتهم وأثَّرت في راحتهم،فالحازم يوطن نفسه على الأمور القليلة والكبيرة ويسأل الله الإعانة عليها، وأن لا يكلَه إلى نفسه طرفة عين فعند ذلك يسهل عليه الصغير، كما سهل عليه الكبير، ويبقى مطمئن النفس ساكن القلب مستريحا.اهـ

 وقال الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين(3/123): هذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة يكون في غيرها أيضًا ممن يكون بينك وبينه معاملة أو صداقة أو ما أشبه ذلك، إذا أساء إليك يومًا من الدهر فلا تنس إحسانه إليك مرة أخرى وقارن بين هذا وهذا، وإذا غلب الإحسان على الإساءة، فالحكم للإحسان، وإن غلبت الإساءة على الإحسان فانظر إن كان أهلًا للعفو فاعف عنه، وإن عفا وأصلح فأجره على الله، وإن لم يكن أهلًا للعفو، فخذ بحقك وأنت غير ملوم إذا أخذت بحقك، لكن انظر للمصلحة.

فالحاصل أن الإنسان ينبغي له أن يعامل من بينه وبينهم صلة من زوجته أو صداقة أو معاملة، في بيع أو شراء أو غيره، أن يعامله بالعدل إذا كره منه خلقًا أو أساء إليه في معاملة، أن ينظر للجوانب الأخرى الحسنة حتى يقارن بين هذا وهذا، فإن هذا هو العدل الذي أمر الله به ورسوله كما قال الله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90] .اهـ



وفي حديث أبي هريرة أيضًا:

الحث على بناءِ الأُسَرِ والبُعد عن  هدمِها وتدميرها بالمشاكل والطلاق.

وكم مِنْ رجل تسرَّع في الطلاق ثم تذكَّرَ المحاسن فندِم أشدَّ الندم.

وكم من امرأةٍ تسرَّعت في الطلاق من زوجها ثم ندمت أشد الندم.



فينبغي معالجة الأُمور وحُسْن التفاهم والصبر والتحمُّل مِنْ كلا الطرفين.والله أعلم.


الخميس، 24 يناير 2019

(1)اللغة العربية




             مجيء الفاء في جواب الشرط



إذا لم يكن الفعل صالحًا أن يكونَ جوابَ الشرط فيجب أن يُؤْتَى بفاء رابطة لجواب الشرط.


قال ابن هشام رحمه الله في «شرح قطر الندى»في الجوازم: وَإِذا لم تصلح الْجُمْلَة الْوَاقِعَة جَوَابا لِأَن تقع بعد أَدَاة الشَّرْط وَجب اقترانها بِالْفَاءِ.

 وَذَلِكَ إِذا كَانَت الْجُمْلَة اسمية أَو فعلية فعلهَا طلبي أَو جامد أَو منفي بلن أَو مَا أَو مقرون بقد أَو حرف تَنْفِيس.


 نَحْو قَوْله تَعَالَى:﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)[الأنعام : 17] .

﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ (31)[آل عمران: 31].

﴿ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ[الكهف: 39: 40].

﴿وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ [آل عمران: 115].

﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ[الحشر:6].

﴿قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ [يوسف:77].

﴿ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾[النساء:74].



علَّق والدي رحمه الله وأحسن جزاءه في تدريسه لي هذا الكتاب وقال:

هذا مجموعٌ في قول الشاعر:

اسمية طلبية وبجامد ... وبما ولنْ وبقد وبالتنفيس



قلت: وفي ذلك يقول ابن مالك رحمه الله في الألفية:


واقرن بفا حتمًا جوابًا لو جُعِل .. شرطًا لإن أو غيرها لم ينجعل

وتخلف الفاء إذا المفاجأة .. كإن تجُد إذا لنا مكافأة

الثلاثاء، 22 يناير 2019

(8)من أحكام الصلاة


فضل الصفِّ الأوَّل والمسابقة إليه



عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا»رواه البخاري(615)،ومسلم (437).



(الصف الأول) قال النووي رحمه الله في«شرح صحيح مسلم»(4/160):هو الصَّفُّ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ.

سَوَاءٌ جَاءَ صَاحِبُهُ مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا،وَسَوَاءٌ تَخَلَّلَهُ مَقْصُورَةٌ وَنَحْوُهَا أَمْ لَا،هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُحَقِّقُونَ.

وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: الصَّفُّ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُتَّصِلُ مِنْ طَرَفِ الْمَسْجِدِ إِلَى طَرَفِهِ لَا يَتَخَلَّلهُ مَقْصُورَةٌ وَنَحْوُهَا،فَإِنْ تَخَلَّلَ الَّذِي يَلِي الإمامَ شيء فليس بأول،بل الأول مالا يَتَخَلَّلُهُ شَيْءٌ وَإِنْ تَأَخَّرَ.

وَقِيلَ: الصَّفُّ الْأَوَّلُ عِبَارَةٌ عَنْ مَجِيءِ الْإِنْسَانِ إِلَى الْمَسْجِدِ أَوَّلًا وَإِنْ صَلَّى فِي صَفٍّ مُتَأَخِّرٍ،وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ غَلَطٌ صَرِيحٌ ،وَإِنَّمَا أَذْكُرُهُ وَمِثْلَهُ لِأُنَبِّهَ عَلَى بُطْلَانِهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.اهـ



خطر التأخُّرِ عن الصفِّ الأوِّل



عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا فَقَالَ لَهُمْ: «تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ»رواه مسلم (438).

قال النووي رحمه الله في«شرح صحيح مسلم»(4/159): (يَتَأَخَّرُونَ)أَيْ: عَنِ الصُّفُوفِ الْأُوَلِ.

 (حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ) يُؤَخِّرُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَحْمَتِهِ أَوْ عَظِيمِ فَضْلِهِ وَرَفْعِ الْمَنْزِلَةِ وَعَنِ الْعِلْمِ.



وقال الشيخُ ابنُ عثيمينَ رحمه الله في شرح رياض الصالحين(5/111) : وهذه خطيرة أن الإنسان كلما تأخر عن الصف الأول أو الثاني أو الثالث ألقى الله في قلبه محبة التأخر في كل عملٍ صالح والعياذ بالله.اهـ



قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في«فتح الباري»(تحت رقم 721): قَالَ الْعُلَمَاءُ: فِي الْحَضِّ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ الْمُسَارَعَةُ إِلَى خَلَاصِ الذِّمَّةِ ،وَالسَّبْقُ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ،وَالْقُرْبُ مِنَ الْإِمَامِ وَاسْتِمَاعُ قِرَاءَتِهِ وَالتَّعَلُّمُ مِنْهُ وَالْفَتْحُ عَلَيْهِ وَالتَّبْلِيغُ عَنْهُ،وَالسَّلَامَةُ مِنِ اخْتِرَاقِ الْمَارَّةِ بَيْنَ يَدَيْهِ،وَسَلَامَةُ الْبَالِ مِنْ رُؤْيَةِ مَنْ يَكُونُ قُدَّامَهُ،وَسَلَامَةُ مَوْضِعِ سُجُودِهِ من أذيال الْمُصَلِّين.



حكمُ الصفِّ الأول للنساء



عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا»أخرجه الإمامُ مسلمٌ (440).

قال النووي رحمه الله في«شرح صحيح مسلم»: أَمَّا صُفُوفُ الرِّجَالِ فَهِيَ عَلَى عُمُومِهَا فَخَيْرُهَا أَوَّلُهَا أَبَدًا وَشَرُّهَا آخِرُهَا أَبَدًا.

 أَمَّا صُفُوفُ النِّسَاءِ فَالْمُرَادُ بالحديث  صُفُوفُ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي يُصَلِّينَ مَعَ الرِّجَالِ،وَأَمَّا إِذَا صَلَّيْنَ مُتَمَيِّزَاتٍ لَا مَعَ الرِّجَالِ فَهُنَّ كَالرِّجَالِ خَيْرُ صُفُوفِهِنَّ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا.

قال :وَالْمُرَادُ بِشَرِّ الصُّفُوفِ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَقَلُّهَا ثَوَابًا وَفَضْلًا وَأَبْعَدُهَا مِنْ مَطْلُوبِ الشَّرْعِ وَخَيْرُهَا بِعَكْسِهِ .

وَإِنَّمَا فَضَّلَ آخِرَ صُفُوفِ النِّسَاءِ الْحَاضِرَاتِ مَعَ الرِّجَالِ لِبُعْدِهِنَّ مِنْ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ وَرُؤْيَتِهِمْ وَتَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِهِمْ عِنْدَ رُؤْيَةِ حَرَكَاتِهِمْ وَسَمَاعِ كَلَامِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ،وَذَمَّ أَوَّلَ صُفُوفِهِنَّ لِعَكْسِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .اهـ

وقال الشيخ ابنُ عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين(5/111): ما لم يكن النساء في مكان خاص لهن فإن خير صفوفهن أولها لأنه أقرب من الإمام ولا محذور فيه لأنهن بعيدات عن الرجال .اهـ


علمنا مِنْ هذا:

أنه يشملُ فضلُ الصف الأوَّل النساءَ إذا كنَّ متميزات في مكان خاص. 

أما إذا صلينَ خلف الرجال غير منفصلات في مكانٍ خاص فالصفوف المتأخرة أفضل لهنَّ،«وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا».

وهذا من أدلة سدِّ ذرائع الفتن والبُعدِ عن الاختلاط.






(35)سنينٌ من حياتي مع والديْ وشيخي مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله



أمرَ والدي رحمه الله النساء اللائي يحضرنَ درسه أن يذكرْنَ:
صفات المرأة الصالحة.


فكان من الأجوبة:


تقوى الله

الصدق

التحلِّي بخُلُقِ الأدب

بِر الوالدين

المحافظة على الوقت

بغضُ الفتن والبعد عن الولوج فيها

التمسك بالسنة على نهج السلف الصالح.



وكان فيما ذكرتْه إحدانا زيادة: 


تغاضِي المرأة عن هفوات زوجها وزلَّاتِه

والتسامح في الحياة المعيشية إذا كان ضيِّقَ اليد

 وأن تصبر عليه.

فأُعجِبَ والدي رحمه الله بذلك وقال:هذا أقوى الأجوِبَة.



غيرُ أولي الإرْبَةِ من الرجال


قال تعالى:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ}[النور:31].


كان عندنا مذاكرة علمية نحن النساء عن غير أولي الإربة.

وقرأنا قولَ بعض المفسِّرين:غير أولِي الإربة هم الذين لا حاجة لهم في النساء.

فسألت امرأة عن الشيبة كبير السن الذي لا يأتي النساء هل هو من غير أولي الإربة؟


فقدَّمتُ السؤال لوالدي رحمه الله فأجاب:

هذا ليس مِن غيرِ أولي الإربَة،لأنه قد يكونُ ليس له قدرة على إتيان النساء لكنه يشتهي ويفكِّر بقلبه.



قلت:للفائدة:غير أولي الإربة 


قال السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية:{أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} أي:أوالذين يتبعونكم، ويتعلقون بكم، من الرجال الذين لا إربة لهم في هذه الشهوة، كالمعتوه الذي لا يدري ما هنالك، وكالعنِّين الذي لم يبقَ له شهوة، لا في فرجه، ولا في قلبه، فإن هذا لا محذور من نظره.



 تأثيرُ الأمِّ في نجابة الولد 


شكَى أبٌ حافظٌ للقرآن ومستفيد إلى والدي رحمه الله نقص ذكاء أولادِه ويقول:أنا إذا أرسلت ولدي لشيءٍ  ومشى مِنْ عندي ينسى فلا يدري ما يفعل أو يقول.


فقال لي والدي:قلت له: لعلَّهم تأثَّروا بأُمِّهِم.



قلت:هذا يُفيد أنَّ الذكاءَ وعدمَه قد يكون وراثَةً من الأُمِّ.

السبت، 12 يناير 2019

(61) سِلْسَلَةُ المَسَائِلِ النِّسَائِيَّة

                         

                إذا ناب المرأة شيءٌ في الصلاة



عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ»رواه البخاري(1203)،ومسلم(422).


هذا الحديث يدلُّ على التسبيح للرجال والتصفيق للنساء لمن نابه شيءٌ في صلاته.



ولا بأس أن تسبح المرأة إذا كان لا يسمعها الرجال.


روى البخاري (86)،و مسلم (905) عَنْ أَسْمَاءَ، قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ وَهِيَ تُصَلِّي فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، قُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا: أَيْ نَعَمْ، فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلَّانِي الغَشْيُ، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَى رَأْسِي المَاءَ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلَّا رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي، حَتَّى الجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَأُوحِيَ إِلَيَّ: أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ  مِثْلَ -أَوْ  قَرِيبَ - مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، يُقَالُ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا المُؤْمِنُ أَوِ المُوقِنُ  فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالهُدَى، فَأَجَبْنَا وَاتَّبَعْنَا، هُوَ مُحَمَّدٌ ثَلاثًا، فَيُقَالُ: نَمْ صَالِحًا قَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا بِهِ. وَأَمَّا المُنَافِقُ أَوِ المُرْتَابُ  فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ .

قال ابن عبدالبر رحمه الله في«التمهيد»(22/247): فِيهِ أَنَّ النِّسَاءَ يُسَبِّحْنَ إِذَا نَابَهُنَّ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ حِينَ سَأَلَتْهَا أَسْمَاءُ مَا لِلنَّاسِ.فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَأَشَارَتْ بِيَدِهَا ولم تصفِّق.

ثم ذكر رحمه الله أن في هذا الحديث حجة لمالك فِي قَوْلِهِ: إِنَّ النِّسَاءَ وَالرِّجَالَ فِي هَذَا الْمَعْنَى سَوَاءٌ مَنْ نَابَهُ مِنْهُمْ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ سَبَّحَ وَلَمْ يُصَفِّقْ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً.


قلت: قد ثبتَ التصفيق في حق النساء كما في الحديث المتقدم فيكون المرأة لها التصفيق في الصلاة عند الحاجة إذا كان يسمعها الرجال.

أما إذا كان لا يسمعها الرجال فلها التصفيق ولها التسبيح .


وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في«الشرح الممتع»(3/264):      وقال بعض العلماء: إذا لم يكن معها رِجَال فإنَّها تُسبِّح كالرِّجَال، وذلك لأن التسبيح ذِكْرٌ مشروع جنسه في الصَّلاة، بخلاف التصفيق، فإنه فِعْلٌ غير مشروع جنسه في الصلاة، ولجأت إليه المرأة فيما إذا كانت مع رِجَال؛ لأن ذلك أصون لها وأبعد عن الفتنة.اهـ


 أما عن أقوالِ العلماء في المسألة

فقال النووي رحمه الله في«المجموع»(4/82):(فَرْعٌ)

فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ: ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ التَّسْبِيحِ لِلرَّجُلِ والتصفيق للمرأة إذا نابهما شئ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ.

 وَقَالَ مَالِكٌ تُسَبِّحُ الْمَرْأَةُ أَيْضًا.

 وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَصَدَ الْمُصَلِّي بِذَلِكَ شَيْئًا مِنْ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ .اهـ



تنبيه

هذا الحديث من الأدلة على ستر المرأة وعدم رفع صوتها عند الرجال.


كما شُرِع لها التلبية في الحج غير أنها تُسْمِع نفسها ولا ترفع صوتها إذا كان يسمعها الرجال.


فكيف بالنساء اللائي يقمنَ بعرضِ قراءتهن على رجلٍ مقرئ.

أو تنشر دروسًا لها صوتية مما قد يسمعها الرجال.

أو تتحدث في الطرقات ولا تبالي.

أينهنَّ مِنْ هذا التعليم الربَّاني؟!

نسألُ الله العافية والستر في الأُولى والأُخرى.


(34)سنينٌ من حياتي مع والديْ وشيخي مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله


حكم التساهل في الغيبة اتكالًا على دعاء كفارة المجلس



تقول لي امرأة:بعض النساء يتحدثنَ في المجالس ويقعن في الغيبة وأشياء مخالفة،ويتكلنَ على دعاء كفارة المجلس " سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ. أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ. أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ". فإنه يكفِّر الذنوب ويمحوها.


فتحدثتُ مع والدي رحمه الله فأنكر هذا الفعل وقال كلامًا معناه:أن هذا خطأ في فهم الدليل.



قلت:لا بُدَّ مِنْ توضيحٍ لهذه المسألة حتى لا يغالِط الإنسان نفسَه،ويلبِّس عليه شيطانُه ويغرُّه.


فدعاء كفارة المجلس لا يكون مبرِّرًا لتعمُّد الوقوع في المعصية،والمعصية الواحدة ظلمة ووِحْشة،ومن أسباب الزيغ والإعراض عن الحق،قال تعالى:{ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)}[الصف]،وقال تعالى:{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)}[المائدة].

فما يُدرَى أنهنَّ بسبب ذلك يكُنَّ في سلك الفاسقين،وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.


قال ابن القيم رحمه الله في«الداء والدواء»(17):كثير من الناس يظن أنه لو فعل ما فعل، ثم قال: "أستغفر الله" زال أثر الذنب، وراح هذا بهذا!

وقال لي رجل من المنتسبين إلى الفقه: أنا أفعل ما أفعل، ثم أقول: سبحان الله وبحمده مائة مرة، وقد غفر ذلك أجمعه، كما صحّ عن النبي  صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من قال في يوم: سبحان الله وبحمده مائة مرة حُطّتْ عنه خطاياه ، ولو كانت مثلَ زبَدِ البحر" .

وقال لي آخر من أهل مكة: نحن أحدنا إذا فعل ما فعل اغتسل  وطاف  بالبيت أسبوعا،وقد محي عنه ذلك.

قال:وهذا الضرب من الناس قد تعلّق بنصوص الرَّجاء، واتّكل عليها، وتعلق بها بكلتا يديه. وإذا عوتب على الخطايا والانهماك فيها سرد لك ما يحفظه من سعة رحمة الله ومغفرته ونصوص الرجاء.اهـ

إنَّ مثل هذا المجلس يعدُّ مجلسَ منكر فلا يجوز حضوره إلا لتغيير المنكر،قال تعالى:{ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)}[الفرقان].



ويجدر التنبيه هنا أنه لا يقال في التوبة من ذنب الغيبة لا بُدَّ مِنْ تحلُّلٍ من المغتاب.

قال ابن القيم رحمه الله في«الوابل الصيب»(141): يذكر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته تقول «اللهم اغفر لنا وله» ذكره البيهقي في الدعوات الكبير وقال: في إسناده ضعف.

وهذه المسألة فيها قولان للعلماء هما روايتان عن الإمام أحمد  وهما: هل يكفي في التوبة من الغيبة للاستغفار للمغتاب، أم لا بد من إعلامه وتحليله؟

 والصحيح أنه لا يحتاج إلى إعلامه، بل يكفيه الاستغفار وذكره بمحاسن ما فيه في المواطن التي اغتابه فيها.

وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.

والذين قالوا لا بد من إعلامه جعلوا الغيبة كالحقوق المالية.

والفرق بينهما ظاهر، فإن الحقوق المالية ينتفع المظلوم بعود نظير مظلمته إليه، فإن شاء أخذها وإن شاء تصدق بها.

وأما في الغيبة فلا يمكن ذلك،ولا يحصل له بإعلامه إلا عكس مقصود الشارع صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه يوغر صدره ويؤذيه إذا سمع ما رمى به، ولعله يهيج عداوته ولا يصفو له أبدًا، وما كان هذا سبيله فإن الشارع الحكيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يبيحه ولا يجوزه فضلًا عن أن يوجبه ويأمر به، ومدار الشريعة على تعطيل المفاسد وتقليلها، لا على تحصيلها وتكميلها.والله تعالى أعلم.






استفدت من والدي رحمه الله:أن المرأة إذا أمَّتِ النساء تتقدم كما يتقدم الرجل ولا تقف وسطهن لأن الأصل عموم التشريع،والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول:صلوا كما رأيتموني أُصلِّي.


قلت لوالدي رحمه الله:قد جاء عن أم سلمة وعائشة رضي الله عنهما أنهما كانتا تقف وسط النساء في الإمامة بالنساء.ألا يكون هذا في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويكون فيه سنة تقريرية؟


فأجابني:هذا لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالراوي عن أم سلمة وعائشة من التابعين.


فهكذا أفادني رحمه الله أنَّ هذا الفعل موقوف على أم سلمة وعائشة.

وبعدُ :فهذا الذي نعتقده جواز الأمرين:التقدم على النساء والوقوف وسطهن،وأن السنة في إمامة المرأة للنساء أنها تتقدم عليهن تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد قال تعالى:{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)}[الأحزاب].

ومَنِ اقتدت بعائشة وأم سلمة فأمَّت النساء ووقفت وسطهن فالأمر واسع،سيما وهو قولُ جمهور العلماء أخذًا بالموقوف على عائشة وأم سلمة ،وقالوا:لأنه أستر للمرأة.

وعليه فلا ينبغي فتح جدالٍ ونزاعٍ وتشويش على العاميَّات.ونسألُ اللهَ الحكمة.






كان عندنا رجلٌ جزائري في دار الحديث هو وأهله ثم سافر إلى السعودية وأخبرتني أهله أنَّ زوجها يدرس عند الشيخ محمد بن علي بن آدم الأثيوبي.


فأخبرتُ والدي رحمه الله لأنه كان يهمُّه أمرَ طلبتِه ويفرح بثباتهم على العلم.

فسُرَّ رحمه الله بذلكَ وأثنى على الشيخ الأثيوبي خيرًا.




                      الذي يلي الإمام


عَنْ قَيْسِ بنِ عَبَّادٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا فِي الْمَسْجِدِ فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ فَجَبَذَنِي رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي جَبْذَةً فَنَحَّانِي، وَقَامَ مَقَامِي فَوَاللَّهِ مَا عَقَلْتُ صَلَاتِي، فَلَمَّا انْصَرَفَ فَإِذَا هُوَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَقَالَ:«يَا فَتَى،لَا يَسُؤْكَ اللَّهُ،إِنَّ هَذَا عَهْدٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْنَا أَنْ نَلِيَهُ». ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَقَالَ:«هَلَكَ أَهْلُ الْعُقَدِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ» - ثَلَاثًا - ثُمَّ قَالَ:«وَاللَّهِ مَا عَلَيْهِمْ آسَى، وَلَكِنْ آسَى عَلَى مَنْ أَضَلُّوا» قُلْتُ: يَا أَبَا يَعْقُوبَ مَا يَعْنِي بِأَهْلِ الْعَقْدِ؟ قَالَ:«الْأُمَرَاءُ».رواه النسائي(808).


هذا الحديث مرَّ معنا في درس الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين الحديث الثامن فيه.


وعند قراءة قولِ الفتى:«فَجَبَذَنِي رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي جَبْذَةً فَنَحَّانِي، وَقَامَ مَقَامِي فَوَاللَّهِ مَا عَقَلْتُ صَلَاتِي».

ضحِكَ والدي رحمه الله -تعجُّبًا مِنْ حِرْصِ الفتى على الفضل،وما أصابه من الحُزْنِ وتشوُّش الفِكْر حتى لم يدرِ كيف كانت صلاتُه حيثُ نحَّاه أُبَيٌّ رضي الله عنه من الصفِّ الأوَّل،وذلك لأنه ليسَ مِنْ أولي الأحلامِ والنهى.وقد أخبره أُبَيٌّ بعد الصلاة أنَّ هَذَا عَهْدٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يليه أهلُ الفضل.