جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 12 أكتوبر 2018

(127)سِلْسِلَةُ الفَوَائِدِالعِلْمِيَّةِ والمَسَائِلِ الفِقْهِيَّةِ


            
                  الحذر من شر المال وفتنته



قال تعالى عن أصحاب الشمال:﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46)﴾[سورة الواقعة].

وقال تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ﴾[ المؤمنون: 33].

وقال تعالى:﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34)﴾[سبأ].

وقال تعالى:﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)﴾[الزخرف].

وقال سبحانه:﴿وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ﴾[هود: 116].

وقال تعالى: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)﴾[ الإسراء: 16]﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾ أمرٌ كوني قدري وليس أمرًا شرعيًّا دينيًّا، لأن الله عَزَّ وَجَل لا يأمر شرعا بالفسق والعصيان.



في هذه الآيات المباركات ذمُّ الترف وأهله وأن الترف مِن أسباب العناد وردِّ الحق.

أهل الترف منبعُ الفساد والضياع لأنهم تغلب عليهم شهواتُهم وملذَّاتهم،قال تعالى:﴿ بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44) ﴾[ الأنبياء: 44] متَّعهم الله ووسع عليهم في الأرزاق وأطال أعمارهم في رغدٍ ونعمة فأضلتهم وفتنتْهم.

الترف قد يُنسي الذكر،قال تَعَالَى:﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) ﴾ [ الفرقان ]،وهذا من مفاسد الترف.

والشاعر يقول:

إن الشباب والفراغ والجدة *** مفسدة للمرء أي مفسدة

هذا البيت فيه ثلاث مفاسد:

·     مرحلة الشباب فساد وطيش،لا يهتدي ويتبصَّر من كان في سن الشباب إلا من هداه الله ووفقه ووقاه فتنتَه، وقد قال ابن الملقن في شرح البخاري شرح حديث سبعة يظلهم الله في ظله : الشباب شعبة الجنون.

·     الفراغ مفسدة وضياع وخسارة وحِرْمان.

·      الجِدة :المال والغنى مفسدة إلا ما رحم الله.

وغالبًا أهل الترف ليس عندهم وقت للعبادة،وقلوبهم مشغولة بالملذات والشهوات،أرداهم وأطغاهم الغنى والترف، قال تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)﴾[العلق: 6-7].

ولهذا نجد أغلب أتباع الرسل هم الضعفاء والفقراء وليس الأغنياء قال قوم نوح:﴿ قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) ﴾[الشعراء: 111]

وهرقل سأل أبا سفيان وقَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَقُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ ..الحديث وفيه قَالَ: وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ، فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ.رواه البخاري(7)،ومسلم (1773)عن أبي سفيان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.



فغالبًا الذي يصبر على العبادة والعلم والمكاره هم الفقراء والضعفاء وليس الأغنياءَ المترفين.

ولْنعلَم علم اليقين أنهم مع ما هم فيه من الترف هذا ليس بشيء مما عليه حال المؤمن التقي ولو كان فقيرًا،وإن لم يكن عنده ما عند المترفين من الأموال والقصور والملذَّات ،ولكنه في خير ونعيم روحي وطمأنينة، كما قال بعض السلف: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن عليه لجالدونا بالسيوف.

هذا،وما تقدَّم ليس بحكمٍ عامٍّ على الأغنياء المترفين فمَن سلك طريق السعادة منهم واستقام على دينه واستغل ماله في الخير من بذل الصدقات وإعانة المحاويج وصلة الأرحام والقيام بحق الله فيه فهذا نعمة عليه كما روى الإمام أحمد (29/ 298)عن عمرو بْنِ الْعَاصِ: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " يَا عَمْرُو، نِعْمًا بِالْمَالِ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ". والحديث في«الصحيح المسند»(1006)لوالدي رَحِمَهُ الله.
وإن حملَه الخير والأرزاق على الطغيان وقاده إلى الشر والفساد والعناد فهذا نقمة واستدراج وبلاء، قال تَعَالَى:﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) ﴾[ الأنبياء: 35 ].



اللهم إنا نعوذ بك من فتنة الدنيا وفتنة المحيا والممات.