جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 30 سبتمبر 2018

(1) فوائد من دروس التبيان في آداب حملة القرآن


                    
                

               من/الباب الأول: في أطرافٍ من فضيلة تلاوة القرآن وحملته    
                

 قال الله تَعَالَى:﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)﴾[فاطر]. 



*تلاوة لفظية: وهي القراءة.

*تلاوة حُكْمية: وهي الاتباع، بامتثال الأوامر واجتناب النواهي والتصديق بأخباره.

*تلاوة معنوية: وهي معرفة تفسير القرآن.

وهذا كما قال تَعَالَى: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ﴾[العنكبوت:45]، وقال سبحانه: ﴿وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92)﴾[النمل]، وقال سبحانه: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾[البقرة:121].

قال ابن القيم رَحِمَهُ الله في «مفتاح دار السعادة» (1/42):حقيقةُ التِّلَاوَة فِي هَذِه الْمَوَاضِع هِيَ التِّلَاوَة الْمُطلقَة التَّامَّة، وَهِي تِلَاوَة اللَّفْظ وَالْمعْنَى، فتلاوة اللَّفْظ جُزْء مُسَمّى التِّلَاوَة الْمُطلقَة، إلى أن قال: وَالْمَقْصُود التِّلَاوَة الْحَقِيقِيَّة، وَهِي تِلَاوَة الْمَعْنى واتباعُه، تَصْدِيقًا بِخَبَرِهِ وائتمارًا بأَمْره، وانتهاءً بنهيه وائتمامًا بِهِ، حَيْثُ مَا قادكَ انقدتَ مَعَه. فتلاوة الْقُرْآن تتَنَاوَل تِلَاوَة لَفظه وَمَعْنَاهُ، وتلاوة الْمَعْنى أشرف من مُجَرّد تِلَاوَة اللَّفْظ، وَأَهْلهَا هم أهل الْقُرْآن الَّذين لَهُم الثَّنَاء فِي الدُّنْيَا والآخرة، فَإِنَّهُم أهل تِلَاوَة ومتابعة حَقًّا. اهـ.

وكذا قال الإمام السعدي والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله بنحو ذلك.

وهذا هو التالي لكتاب الله عَزَّ وَجَل حقَّ تلاوته. 


فمَن حفظ ألفاظ القرآن وحروفه، ولكنه مبتدع، أو ساقط في الحزبية الضيِّقة، أو عاصٍ، هذا لا يُعَدُّ تاليًا للقرآن التلاوة الحقيقية؛ لأنه لم يعمل به. قال تَعَالَى في الأمر باتباع القرآن:﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155)﴾[الأنعام].

قال الآجري رحمه الله في «أخلاق أهل القرآن» -في أوصاف حامل القرآن: هِمَّتُهُ إِيقَاعُ الْفَهْمِ لِمَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ: مِنَ اتِّبَاعِ مَا أَمَرَ، وَالِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى، لَيْسَ هِمَّتُهُ مَتَى أَخْتِمُ السُّورَةَ؟..

وقال شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى الكبرى (2/235): الْمَطْلُوبُ مِنْ الْقُرْآنِ هُوَ فَهْمُ مَعَانِيهِ، وَالْعَمَلُ بِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ هِمَّةَ حَافِظِهِ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَالدِّينِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.


ولهذا كان تلاوةُ المعنى أفضلَ من مجرد قراءة القرآن لفظًا؛ لأن تلاوة اللفظ وسيلة وطريق إلى تلاوة المعنى، وإن أقام حروفَه وكلماتِه إقامة السهم، وتقدَّم قولُ ابن القيم رحمه الله: وتلاوة الْمَعْنى أشرف من مُجَرّد تِلَاوَة اللَّفْظ، وَأَهْلُهَا هم أهل الْقُرْآن الَّذين لَهُم الثَّنَاء فِي الدُّنْيَا والآخرة، فَإِنَّهُم أهلُ تِلَاوَة ومتابعة حَقًّا. اهـ.


من فوائد الآية الكريمة:

*أن تلاوة كتابِ الله تجارةٌ رابحةٌ لا تزول ولا تفنى.

*أنَّ إقام الصلاة والإنفاق في وجوه الخير تجارة رابحة لا تبور.

وقوله تَعَالَى: ﴿تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ قال النووي رَحِمَهُ الله: [أي: لن تهلك وتفسد].

(57)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ


             فوائد ومسائل من دروس تفسير ابن كثير رحمه الله

                   [ آياتٌ من سورة الأنبياء 16 -20]



﴿وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (16)لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (17)بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)﴾.

﴿ لاعِبِينَ ﴾ أي عبثًا وسدًى ،فالله عَزَّ وَجَل لم يخلق الأرض والسماء وما بينهما عبثًا ولعبًا ولكنه سبحانه خلقها بالحق ولإقامة توحيده وشرعه ودينه.

﴿لَهْواً﴾ فيه تفسيران في المراد باللهو:

-    أحدهما: المرأة.

-    والثاني: الولد ،والتفسير بالولد ملازم للتفسير الأول ، لأن الولد ملازم للمرأة.

﴿مِنْ لَدُنَّا﴾ يَعْنِي مِنْ عِنْدِنَا.

﴿إِنْ كُنَّا﴾ جمهور المفسرين على أن (إن) بمعنى (ما) أي: ما كنا فاعلين من اتخاذ الصاحبة والولد.

﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ﴾[قال ابن كثير: أَيْ نُبَيِّنُ الْحَقَّ فَيَدْحَضُ الْبَاطِلَ.

﴿فَيَدْمَغُهُ﴾ أي: يقهره.

﴿ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ﴾ أَيْ ذَاهِبٌ مُضْمَحِلٌّ

﴿وَلَكُمُ الْوَيْلُ﴾ أَيْ أَيْهَا الْقَائِلُونَ لِلَّهِ وَلَدٌ.

﴿مِمَّا تَصِفُونَ﴾ أَيْ تَقُولُونَ وَتَفْتَرُونَ]اهـ ما بين المعكوفين من تفسير ابن كثير.

_________

﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) ﴾

﴿وَمَنْ عِنْدَهُ﴾[قال ابن كثير: يَعْنِي: الْمَلَائِكَةَ.

﴿لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ﴾ أَيْ لا يستنكفون عنها، كما قال:﴿لنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً﴾[النِّسَاءِ: 172].

﴿وَلا يَسْتَحْسِرُونَ﴾ أَيْ لَا يَتْعَبُونَ وَلَا يَمَلُّونَ.

﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ﴾ فَهُمْ دَائِبُونَ فِي الْعَمَلِ لَيْلًا وَنَهَارًا، مُطِيعُونَ قَصْدًا وَعَمَلًا، قَادِرُونَ عَلَيْهِ،كَمَا قَالَ تَعَالَى:﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾[التَّحْرِيمِ: 6]]اهـ ما بين المعكوفين من تفسير ابن كثير.



من فوائد هذه الآيات:

1-        نفي الصاحبة والولد عن الله عَزَّ وَجَل، والرد على اليهود القائلين عزير ابن الله والنصارى القائلين عيسى ابن الله والمشركين القائلين الملائكة بنات الله.

2-        اضمحلال الباطل وذهابه فالباطل لا يدوم ولا يستمر.

3-        أن الخلق كلَّهم علويّهم وسفليّهم ملك وعبيد لله عَزَّ وَجَل.

4-        ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ﴾ أي: الملائكة، قال الشوكاني في «فتح القدير» (3/ 474):التَّعْبِيرِ عَنْهُمْ بِكَوْنِهِمْ عِنْدَهُ إِشَارَةٌ إِلَى تَشْرِيفِهِمْ وَكَرَامَتِهِمْ،وَأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُقَرَّبِينَ عِنْدَ الْمُلُوكِ. اهـ.

5-        وفيه أوصاف للملائكة.

الأول: التواضع لله عَزَّ وَجَل ونفي الكبر عنهم.

الثاني: نفي التعب عنهم فهم لا يكلُّون ولا يملون عن عبادة الله.

الثالث: تسبيحهم لله عَزَّ وَجَل ليلًا ونهارًا وتنزيههم له لا يفترون.




السبت، 29 سبتمبر 2018

(132)الاخْتِيَارَاتُ العِلْمِيَّةُ لوالدي الشيخ مقبل رحمه الله




                            مِنْ فقه والدي رحمه الله



                     حكم الجمع بين الصلاتين في الحضر





الأصل هو أن تصلى كل صلاة في وقتها.



ولا بأس بالجمع بين الصلاتين في النادر في الحضر، لأنه«جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ».

[رواه مسلم (705)،وأخرجه البخاري(543)،ومسلمعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا وَثَمَانِيًا: الظُّهْرَ وَالعَصْرَ وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ "].



وفي رواية لمسلم أن سعيد بن جبير سأل ابن عباس: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ».



أما ما يفعله بعض الناس من المداومة على الجمع بين الصلاتين تساهلًا أو لأجل القات، أو لأجل الأعمال فهؤلاء آثمون يخشى أن يتناولهم قوله تعالى:{ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)}[الماعون:4-5]، وقوله:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)}[مريم:59].



استفدته وقيَّدته من دروس والدي رحمه الله.

---------------------------------------



قلت: وقد ذهب جماعة من العلماء إلى جواز الجمع بين الصلاتين في الحضر بشرطين اثنين:

الحاجة،وعدم اتخاذه ديدنًا وعادةً.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (تحت رقم 543)في شرح حديث ابن عباس:وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِلَى الْأَخْذِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَجَوَّزُوا الْجَمْعَ فِي الْحَضَرِ لِلْحَاجَةِ مُطْلَقًا،لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُتَّخَذَ ذَلِكَ عَادَةً.

وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ ابن سِيرِين وَرَبِيعَة وَأَشْهَب وابن الْمُنْذِرِ وَالْقَفَّالُ الْكَبِيرُ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ.

وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ بِمَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ،وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرو بن هرم عَن أبي الشعْثَاء أَن ابن عَبَّاسٍ صَلَّى بِالْبَصْرَةِ الْأُولَى وَالْعَصْرَ لَيْسَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ لَيْسَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ شُغْلٍ وَفِيهِ رَفْعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ أَنَّ شغل ابن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَ كَانَ بِالْخُطْبَةِ وَأَنَّهُ خَطَبَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ بَدَتِ النُّجُومُ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَفِيهِ تَصْدِيقُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي رَفْعِهِ.اهـ



وقد نقل الإجماعَ على عدم العمل بحديث ابن عباس الترمذيُّ في العلل الصغير(323)وقال:جميع ما في هذا الكتاب من الحديث معمول به، وقد أخذ به بعض أهل العلم، ما خلا حديثين:

حديث ابن عباس  رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سقم".

وحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه".وقد بيَّنا علة الحديثين جميعا في هذا الكتاب.اهـ

وقول الإمام الترمذي:"وقد بينا علة الحديثين" كان رحمه الله يسمِّي النسخ علة بجامع ما بينهما أنه لا يُعْمَل به،فالمعل بعلة قادحة لا يعمل به ،والمنسوخ لا يعمل به.

ونقلُه للإجماع في عدم العمل بحديث الجمع في الحضر دعوى لا تصح لِوجود مَن ذهب إليه من العلماء كما تقدم.

ولكنه قول جمهور العلماء وتأوَّلُوا هذا الحديث بتأويلات تخالف ظاهر هذا الحديث.

قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم(5/218):

مِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ جَمَعَ بِعُذْرِ الْمَطَرِ ،وَهَذَا مَشْهُورٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْكِبَارِ الْمُتَقَدِّمِينَ ،وَهُوَ ضَعِيفٌ بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ.

وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي غَيْمٍ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ انْكَشَفَ الْغَيْمُ وَبَانَ أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ دَخَلَ فَصَلَّاهَا ،وَهَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ،لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَدْنَى احْتِمَالٍ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لَا احْتِمَالَ فِيهِ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.



وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى تَأْخِيرِ الْأُولَى إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا فَصَلَّاهَا فِيهِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا دَخَلَتِ الثَّانِيَةُ فَصَلَّاهَا فَصَارَتْ صَلَاتُهُ صُورَةَ جَمْعٍ،وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ،لِأَنَّهُ مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل، وفِعل ابن عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ حِينَ خَطَبَ وَاسْتِدْلَالُهُ بِالْحَدِيثِ لِتَصْوِيبِ فِعْلِهِ وَتَصْدِيقُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَهُ وَعَدَمُ إِنْكَارِهِ صَرِيحٌ فِي رَدِّ هَذَا التَّأْوِيلِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَمْعِ بِعُذْرِ الْمَرَضِ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْأَعْذَارِ وَهَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَاخْتَارَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا،وَهُوَ الْمُخْتَارُ فِي تَأْوِيلِهِ لظاهر الحديث ولفعل ابن عَبَّاسٍ وَمُوَافَقَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ ،وَلِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهِ أَشَدُّ مِنَ الْمَطَرِ.

ثم قال النووي عن القول الأول  قول أشهب وابن سيرين ومن معه: ويؤيده ظاهر قول ابن عباس:أراد أن لا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ ،فَلَمْ يُعَلِّلْهُ بِمَرَضٍ وَلَا غَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.اهـ



وبعد الانتهاء من هذه المسألة نذكِّر أنفسَنا أن الصلوات لها وقتٌ محدَّدٌ معلوم قال تعالى:{إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا}،ونزل جبريل عليه الصلاة والسلام وحدَّد أوقات الصلوات الخمس.

فليتقِ الله مَن يتلاعب  بصلاته فيجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء حضرًا ويتخذه ديدنًا وعادةً،لحاجة ولغير حاجة،وأول ما يحاسبُ عليه العبد صلاته.

وأما ما تقدم فهذا من حيث الجواز،وليس الاستحباب،المستحب أن تُصلى الصلاة في أول وقتها امتثالًا لقوله تعالى:{فاستبقوا الخيرات}.

أما مسألة الجمع بين الصلاتين في السفر فهذا لا إشكال فيه،وليس الكلام فيه.والله أعلم.






الاثنين، 24 سبتمبر 2018

تعليقٌ مختصَر على هذه الأبيات


        


إذا عاشَ الفَتى ستينَ عامًا * فَنِصفُ العُمرِ تَمحَقُهُ اللَيالي

وَنِصفُ النِصفِ يَذهَبُ لَيسَ يَدري * لِغَفلَتِهِ يَمينًا مِن شِمالِ

وَثُلثُ النِصفِ آمالٌ وَحِرصٌ * وَشُغلٌ بِالمَكاسِبِ وَالعيالِ

وَباقي العُمرِ أَسقامٌ وَشَيبٌ * وَهَمٌّ بِاِرتِحالٍ وَاِنتِقالِ

فَحُبُّ المَرءِ طولَ العُمرِ جَهلٌ * وَقِسمَتَهُ عَلى هَذا المِثالِ



الله المستعان.فماذا بقي لطاعة الله؟!


إذا عاشَ الفَتى ستينَ عامًا * فَنِصفُ العُمرِ تَمحَقُهُ اللَيالي

 نصف العمر يمشي في النوم ،بعض الناس ينام ثمان ساعات ،وبعضهم أكثر،وقد كان من علمائنا مَن يقتصر على أربع ساعات في النوم .

وبلاد الترف لا تعين على علوِّ الهمة والنشاط ،ولكن مهما كانت الأحوال لا يُستسلم لأي شيء يَشغل عن الله والدار الآخرة،ونسأل الله الإعانة ،علينا أن نعتبر أعمارنا  فرصة من الفُرَص،فنكون مع العلم ،ومع عبادة ربنا، ومع الدروس ،والقيام بما أوجب ربنا علينا.


وَنِصفُ النِصفِ يَذهَبُ لَيسَ يَدري * لِغَفلَتِهِ يَمينًا مِن شِمالِ

الغفلة مضرة ، ينتهي الوقت بدون ثمرة ولا فائدة بسبب الغفلة،  الغفلة  قد خيَّمت على القلوب وأظلمتها إلا ما رحم الله.

غافل عن دينه وربه ،ومع الشهوات والملاهي والنوم،ومع الأصحاب والشاشات والمنتزهات،فيرحل إلى داره الأخرى الدار الحقيقية وهوغير مستعدٌ للقاء ربه .وهذه أكبر حسرة وأعظم مصيبة .


وَثُلثُ النِصفِ آمالٌ وَحِرصٌ * وَشُغلٌ بِالمَكاسِبِ وَالعيالِ

انشغالات بالعيال وبالدنيا وحُطامِها،ولا يسلم إلا من سلمه الله.


وَباقي العُمرِ أَسقامٌ وَشَيبٌ * وَهَمٌّ بِاِرتِحالٍ وَاِنتِقالِ

كبر السن مظنة للأسقام والأمراض، فالإنسان يستغل عافيته وشبابه وقوَّته قبل أن يفوته وقبل أن يندم ،لأنه لابد من الضعف ومن الرحيل اليوم أو غدًا إلى حفرة القبر المظلمة ثم إلى دار القرار،إذا كان البعث والنشور.



إنَّ التأمُّل في العمر ومراحله لَعِبْرَةٌ لِمن اعتبر،وكيف يكونُ انتقاله من مرحلة إلى مرحلة حتى ينتقل إلى داره الثانية دار البرزخ،ثم إلى داره الثالثة دار القرار التي ما بعدها إلا جنة أونار .


والموت لا يأتي بنبأ لِيُستعد له، ولا يطرق الباب ويقول هأنذا ،هويأتي فجأة ،وقد يموت الإنسان في نومه ،وقد يموت وهوبصحة جيدة ، فليكن عندنا تهيؤٌ واستعداد، ونسأل الله حسن الخاتمة .

الأحد، 23 سبتمبر 2018

(16)الحديثُ وعلومُه


                  أول حديثٍ في موطأ مالك



مَالِكُ بْنُ أَنسٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الصَّلاَةَ يَوْمًا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخَّرَ الصَّلاَةَ يَوْمًا، وَهُوَ بِالْكُوفَةِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: مَا هذَا يَا مُغِيرَةُ، أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ فَصَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم،

ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم،

ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم،

ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

فَقَالَ: بِهذَا أُمِرْتُ .

فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: اعْلَمْ مَا تُحَدِّثُ يَا عُرْوَةُ، أَوَ إِنَّ جِبْرِيلَ هُوَ الَّذِي أَقَامَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقْتَ الصَّلاَةِ؟

قَالَ عُرْوَةُ: كَذلِكَ كَانَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ.

---------------------------



والحديث أخرجه البخاري(521)باب مواقيت الصلاة وفضلها،ومسلم(610).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح هذا الحديث:هذا الحديث أول شيءٍ في الموطأ.ورجاله كلهم مدنيون.

 قلت:وفيه التعليم يالفعل.

وفيه أن جبريل هو الذي علَّم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مواقيت الصلاة،ففي كلِّ صلاة من الصلوات الخمس كان ينزل ويصلي بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وقد روى الحديث البخاري(3221)،ومسلم(610) بلفظ:«نَزَلَ جِبْرِيلُ فَأَمَّنِي، فَصَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ» يَحْسُبُ بِأَصَابِعِهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ.

وهذا يدل على تأكيد أداء الصلاة في وقتِها،وكما قال تعالى:{ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)}[النساء].

السبت، 22 سبتمبر 2018

(22) أحاديثُ منتقاةٌ من أحاديثِ البخاري ومسلم


               
                 الصلوات الخمس كفارة للذنوب



عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا، مَا تَقُولُ: ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ " قَالُوا: لا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا، قَالَ: «فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا»رواه البخاري(528)،ومسلم(667).



----------------------



الدرَن الوسخ.

وهذا الحديث يفيد:

فضل الصلوات الخمس وأنها من مكفرات الذنوب.

هذا الحديث ظاهره يشمل الذنوب الصغائر والكبائر،ولكنَّه مقيَّد بصغائر الذنوب .

لقوله تعالى:{ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31)}[النساء].

 ولِما رواه مسلم (233)عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ:«الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ».

فإذا صلى الفجر مثلا ووقع في كبيرة نفاق أو كذب أو غيبة أو نميمة أو عقوق لوالديه أو أذى لأخيه المسلم بغير حق.. فصلاة الظهر لا تكون مكفِّرَةً لِما وقع بينها وبين صلاة الفجر.

وفيه ضربُ الأمثال.

 قَالَ ابن الْعَرَبِيِّ:وَجْهُ التَّمْثِيلِ أَنَّ الْمَرْءَ كَمَا يَتَدَنَّسُ بِالْأَقْذَارِ الْمَحْسُوسَةِ فِي بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ وَيُطَهِّرُهُ الْمَاءُ الْكَثِيرُ فَكَذَلِكَ الصَّلَوَاتُ تُطَهِّرُ الْعَبْدَ عَنْ أَقْذَارِالذُّنُوبِ حَتَّى لَا تُبْقِي لَهُ ذَنْبًا إِلَّا أَسْقَطَتْهُ.[مرجع كلام ابن العربي فتح الباري تحت رقم (528)].

والأمثال حكمة العرب بها ينكشف الشيءُ الخفي كما قال ابن الجوزي رحمه الله في كشف المشكل من حديث الصحيحين.



وهل هذا الأجر يحصلُ لكلِّ مُصَلٍّ؟

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين (5/49):كما أسلفنا أن هذا في الصلوات التي يتمها الإنسان ويحققها ويحضر قلبه ويشعر أنه يناجي الله سبحانه وتعالى فإذا تمت الصلاة على المطلوب حصل هذا الثواب العظيم.

الأربعاء، 19 سبتمبر 2018

(56)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ



                
             [آياتٌ من سورة الأنبياء 10-15]

        فوائد ومسائل من دروس تفسير ابن كثير

﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (10)﴾

قال ابن كثير رحمه الله:﴿كِتابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شَرَفُكُمْ.وقال مجاهد: حديثكم. وقال الحسن: دينكم.

هذه ثلاثة أقوال للمفسرين، وقد ذكر هذه الأقوال القرطبي رحمه الله في تفسيره مع بعض الأقوال الأخرى، ثم قال:وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ بِمَعْنًى وَالْأَوَّلُ يَعُمُّهَا– يعني تفسير ابن عباس: شرفكم -، إِذْ هِيَ شَرَفٌ كُلُّهَا..الخ.

وأشهر هذه الأقوال الأول شرفكم.

وهذه الآية كقوله تعالى:﴿وإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ﴾[الزُّخْرُفِ: 44].

___________

﴿وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (11)﴾

﴿وَكَمْ﴾ هنا خبرية تفيد التكثير.

فكم على قسمين:

* خبرية تفيد التكثير وأمثلتها كثيرة.

*واستفهامية، مثل: كم عبدًا ملكت؟ يسأل عن عدد العبيد.

ومعنى﴿وَكَمْ قَصَمْنا﴾أي:كثيرًا قصمنا من قرية، أي: أهلك الله أممًا كثيرة بتكذيبهم لرسل الله وبعنادهم. القصم: الهلاك.كَمَا قَالَ سبحانه:﴿وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ﴾ [الْإِسْرَاءِ: 17].

﴿وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْمًا آخَرِينَ﴾ بعد أن أهلكها الله أوجد أمة بعدها أمة أخرى كما قال تَعَالَى:﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾[محمد:38].

__________

﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (13) قالُوا يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (14) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيدًا خامِدِينَ (15)﴾.

﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا﴾ قال ابن كثير: أَيْ تَيَقَّنُوا أن العذاب واقع بهم لا محالة كَمَا وَعَدَهُمْ نَبِيُّهُمْ.

﴿ إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ ﴾ قال ابن كثير: أَيْ يَفِرُّونَ هَارِبِينَ.

﴿لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ ﴾ قال ابن كثير: هَذَا تَهَكُّمٌ بِهِمْ ، أي قيل لهم لَا تَرْكُضُوا هَارِبِينَ مِنْ نُزُولِ الْعَذَابِ، وَارْجِعُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ وَالسُّرُورِ وَالْمَعِيشَةِ وَالْمَسَاكِنِ الطَّيِّبَةِ.

﴿لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ﴾ أَيْ عَمَّا كُنْتُمْ فِيهِ مِنْ أَدَاءِ شُكْرِ النعم.

﴿قالُوا يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ﴾ اعْتَرَفُوا بذنوبهم حين لا ينفعهم ذلك.

﴿فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيدًا خامِدِينَ﴾ أَيْ مَا زَالَتْ تِلْكَ الْمَقَالَةُ، وَهِيَ الِاعْتِرَافُ بِالظُّلْمِ هِجِّيرَاهُمْ-دأبهم وعادتهم- حَتَّى حَصَدْنَاهُمْ حَصْدًا،وَخَمَدَتْ حركاتهم وأصواتهم خمودا اهـ المراد من تفسير ابن كثير.


من فوائد هذه الآيات المباركات:

1.     فضل القرآن الكريم وأنه شرف ورفعة وعزة لمن آمن وتمسك به.

2.     أن القرآن منزل من عند الله عز وجل.

3.     دليل أن الأمم المهلكة إذا نزل عليها العذاب وعاينته يفرون إلى بلد أخرى ويعترفون بالذنب والظلم لأنفسهم،يعترفون حيث لا ينفعهم الاعتراف،ولم يكن دعواهم وقولهم إلا:﴿يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ(14)فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيدًا خامِدِينَ (15) ﴾وكما قال تعالى:﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ(5)﴾[ الأعراف:4 - 5]﴿ بَيَاتًا ﴾أي: جاءهم العذاب ليلًا﴿ أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ﴾ أي:وقت القيلولة،ولكن لا مفر ولا محيد قال تعالى:﴿ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)﴾[ص: 3].

4.     أن الله لا يهلك المعاندين المكذبين في الدنيا حتى يُعذروا من أنفسهم ويعترفوا أن الله لم يظلمهم ولكن كانوا هم الظالمين.

5.     ذم المترفين وأكثر ما جاءت به الأدلة في ذم المترفين، لأن الترف غالبًا مدعاةٌ إلى الفسوق والفجور والمعاصي والفخر والغرور والتبذير.

الثلاثاء، 18 سبتمبر 2018

فضل صيام يوم عاشوراء



عن أبي قتادة رضي الله عنه سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ» قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ». رواه الإمام مسلم (1162).


ولما هاجر  النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة رأى أهل الكتاب  يصومونه،فسأل عن ذلك ،فأُخبِر أنه يومٌ تعظمه اليهود وتصومه،لأن الله سبحانه نجَّى بني إسرائيل فيه فصامه موسى،فصامه النبي صلى الله عليه وسلم وحثَّ الناسَ على صيامه.

روى البخاري (2004)عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟»،قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى،قَالَ:«فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ»،فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.



ويُستحب صوم اليوم التاسع مخالفةً لأهل الكتاب.

 روى مسلم (1134) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ» قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فينبغي أن نحرص على صيام هذَيْنِ اليومينِ من شهر الله المحرَّمِ،ففي ذلك زيادة أُجور،وتقوية للإيمان،ومبادرة إلى الجنان،وتأسي بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم،و تَكْمِيلٌ لنقص صيام الفرض،فما كان من نقص في صيام رمضان يُكمله نوافل الصيام،وتؤخذ الأعمال على حسَب ذلك.

وإلى جانب ما تقدم أنَّ صوم عاشوراء يكفر السنة الماضية ،فصيامه من مكفرات الذنوب،وذنوبُنا كثيرة جدًّا،فما أشدَّ حاجتنا إلى مغفرة الله سبحانه لذنوبنا وتوبته علينا،ومحو ذنوبنا من صحائف أعمالِنا.

فهذه فرصة عظيمة لكلِّ مؤمن ومؤمنة، ،نسأل الله أن يتوب علينا وأن يجعلنا وإياكم من السبَّاقين إلى رضاه وجنَّته.

حكم صيام يوم عاشوراء بنية النافلة والقضاء


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مرحبا شيختي

من فضلك حكم صيام يوم عاشوراء وعلي قضاء وصيام يوم قبله وبعده ؟هل يحتسب لي 3 أيام قضاء وتطوع أو بنية القضاء فقط ....



عليكم السلام ورحمة الله وبركاته

الجواب:ليس فيه  ما يدلُّ على أنه  يحصلُ أجر القضاء وأجر فضيلة نافلة الصيام.

ولكنا نقول:فضلُ الله واسع.

وقد قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في«الشرح الممتع»(6/443) عن مسألة لو مر عليه عشر ذي الحجة أو يوم عرفة وعليه قضاء، فإننا نقول:

 صم القضاء في هذه الأيام وربما تدرك أجر القضاء وأجر صيام هذه الأيام، وعلى فرض أنه لا يحصل أجر صيام هذه الأيام مع القضاء، فإن القضاء أفضل من تقديم النفل.اهـ

الاثنين، 17 سبتمبر 2018

(50) دُرَرٌ مِنَ النَّصَائِحِ




                 
                         مِنْ سَدِّ الذَّرَائِعِ



قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين(3/121)في سياق سدِّ الذرائع: الْوَجْهُ الثَّامِنُ وَالسَّبْعُونَ: أَنَّهُ نَهَى مَنْ رَأَى رُؤْيَا يَكْرَهُهَا أَنْ يَتَحَدَّثَ بِهَا؛ فَإِنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى انْتِقَالِهَا مِنْ مَرْتَبَةِ الْوُجُودِ اللَّفْظِيِّ إلَى مَرْتَبَةِ الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ كَمَا انْتَقَلَتْ مِنْ الْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ إلَى اللَّفْظِيِّ.

 وَهَكَذَا عَامَّةُ الْأُمُورِ تَكُونُ فِي الذِّهْنِ أَوَّلًا

 ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى الذِّكْرِ

 ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى الْحِسِّ.

 وَهَذَا مِنْ أَلْطَفِ سَدِّ الذَّرَائِعِ وَأَنْفَعِهَا.

 وَمَنْ تَأَمَّلَ عَامَّةَ الشَّرِّ رَآهُ مُتَنَقِّلًا فِي دَرَجَاتِ الظُّهُورِ طَبَقًا بَعْد طَبَقٍ،مِنْ الذِّهْنِ إلَى اللَّفْظِ إلَى الْخَارِجِ.اهـ



نستفيدُ مما تقدم:

الحذر من التفكيرات والوساوس الرديئة،لأنَّها ذريعة إلى ما لا يُحْمَدُ،فقد تنتقل من الذهن إلى النطق باللسان،والبلاء موكَّلٌ بالنطق. ثم تنتقل إلى الوجود.

لأنه ساءَ ظنُّه بأكرم الأكرمين.

ساء ظنه بمن بيده خزائن السماوات والأرض.

ساء ظنه بمن إذا أرد شيئًا قال له كن فيكون،لا ممسك لرحمته،وما يمسك فلا مرسل له من بعده.

فمثلًا يفكِّر إذا دعا أنه لا يستجابُ دعاؤه.

يُفَكِّر أنَّ مستقبلَه سيء.

يفكِّر أن الله لا يتقبَّل منه عمله.

يُفَكِّر أنّه سيُبْتَلَى في دينه،في بدنه،في ماله،في أولاده..

يفَكِّر أنه لا يثبتُ أمام الفتن لو واجهته.

يفكِّر أنَّه إذا أنفق وبذَلَ وأطعم يفقَرُ ولن يخلِف الله عليه.

هذه التفكيرات،من حديث النفس ومن تلاعب الشيطان ووساوسه،وقد تتحوَّل إلى الكلام،ثم إلى تحَقُّقِ الشيء إلا أن يتدارك الله برحمته.

وإنه ليتعيَّنُ  علينا حسنُ الظنِّ بالله ورجاء فضله وخيره،والله عزوجل عند ظنِّ عبده به. فلنُرَوِّض أنفسنا على حُسْنِ الظن بالله عزوجل،ولْنجعله نصبَ أعيننا،ولنتعبَّد لله سبحانه بحسن الظن به،قال سبحانه:﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾ [الزمر:9]. وقال سبحانه: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [السجدة:16]. وقال سبحانه: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا﴾ [الأنبياء:90].

قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد(3/211):فليعْتَنِ اللَّبِيبُ النَّاصِحُ لِنَفْسِهِ بِهَذَا الْمَوْضِعِ، وَلْيَتُبْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلِيَسْتَغْفِرْهُ كُلَّ وَقْتٍ مِنْ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ ظَنَّ السَّوْءِ، وَلْيَظُنَّ السَّوءَ بِنَفْسِهِ الَّتِي هِي مَأْوَى كُلَّ سُوءٍ، وَمَنْبَعُ كُلَّ شَرٍّ الْمُرَكَّبَةِ عَلَى الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ، فَهِيَ أَوْلَى بِظَنِّ السَّوءِ مِنْ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ وَأَعْدَلِ الْعَادِلِينَ وَأَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ، الْغَنِيِّ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ الْغِنَى التَّامُّ وَالْحَمْدُ التَّامُّ وَالْحِكْمَةُ التَّامُّةُ، الْمُنَزَّهُ عَنْ كُلِّ سَوْءٍ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَسْمَائِهِ، فَذَاتُهُ لَهَا الْكَمَالُ الْمُطْلَقُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَصِفَاتُهُ كَذَلِكَ، وَأَفْعَالُهُ كَذَلِكَ، كُلُّهَا حِكْمَةٌ وَمَصْلَحَةٌ وَرَحْمَةٌ وَعَدْلٌ، وَأَسْمَاؤُهُ كُلُّهَا حُسْنَى.اهـ




السبت، 15 سبتمبر 2018

(131)الاخْتِيَارَاتُ العِلْمِيَّةُ لوالدي الشيخ مقبل رحمه الله



اتُّهمت بنت بالزنا،وأنكرت هي وأهلها

فقالت أُمها تأكيدًا للبراءة  نذهب بها إلى الدكتورة، لتكشف وتفحص غشاء البكارة، فما الحكم؟


جـواب والدي رحمه الله:

 هذا من التنطع،وقصة ماعز مشهورة في إعراض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنه ثلاثًا لعله يستر نفسه.





استفدته وقيَّدته من /دروس والدي رحمه الله.