جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 28 يوليو 2018

(4) فقهُ التَّعاملِ بين الزوجين






بعض حقوق المرأة على زوجها


عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ معاوية بن حيدة، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟، قَالَ: «أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، أَوِ اكْتَسَبْتَ، وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: " وَلَا تُقَبِّحْ أَنْ تَقُولَ: قَبَّحَكِ اللَّهُ " رواه أبو داود (2142)  وذكره والدي رحمه الله في «الصحيح المسند»(1113).

قال المنذري رحمه الله في الترغيب والترهيب(3/33):

 لَا تقبح بتَشْديد الْبَاء أَي لَا تسمعها الْمَكْرُوه وَلَا تشتمها وَلَا تقل قبحك الله وَنَحْو ذَلِك.



هذا الحديث فيه بعضُ حقوق المرأة على زوجها:

·     حُسنُ التعامل مع الزوجات.

وكما قال تعالى:{ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)}[النساء].

وقال تعالى:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} قال ابن الجوزي في زاد المسير(1/200): وهو: المعاشرة الحسنة، والصحبة الجميلة.اهـ

وهذا توجيهٌ للزوجين أن يحرصا على التعامل الحسن حتى يكون بيتهما بيت سعادة  ورحمة وهدوء وسكينة.

قال الشيخ ابن باز رحمه الله في فتاوى نور على الدرب(21/111): ينبغي للمؤمن أن يكون طيب الخلق مع أهله، حسن الكلام مع أهله، لا يكن فظا غليظا ولا معبِّسا ولا سيئ الكلام سيئ العشرة، ثم عليه أن يؤدي حقوقها المعتادة لأمثالها، في ملبسها وغير ذلك، وهي كذلك عليها أن تتقي الله وأن تكون طيبة الكلام، طيبة العشرة تجيبه إذا دعاها إلى فراشه، تسمع له، وتطيع في أوامره ونواهيه التي ليس فيها محذور شرعا، تكون طيبة الخلق مع زوجها، ومع والديه ومع أهل بيته، هكذا المرأة الصالحة تحرص على أن تكون طيبة الكلام، طيبة الخلق، طيبة السيرة مع الزوج، ومع أهل الزوج، وبذلك تستقيم الأحوال بينهما، أما إذا قصر هذا أو هذا، فإن الفرقة ولا بد في الغالب أن تحدث، نسأل الله للجميع الهداية.اهـ

·     نفقة الزوجة وكسوتها.

وهذا حق ثابتٌ للمرأة -حسب قدرته- ولو كانت غنية وثريَّة.

وإذا لم يفعل كان آثمًا إلا إذا تنازلت عن هذا الحق.

وكما قال تعالى:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا(7)}[الطلاق].

وقال تعالى:{فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى(117)}[طه] فَتَشْقَى .أي:تتعب في  طلب الرزق.

قال القرطبي رحمه الله في التفسير (11/253): إِنَّمَا خَصَّهُ بِذِكْرِ الشَّقَاءِ وَلَمْ يَقُلْ فَتَشْقَيَانِ: يُعَلِّمُنَا أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ، فَمِنْ يَوْمِئِذٍ جَرَتْ نَفَقَةُ النِّسَاءِ عَلَى الْأَزْوَاجِ، فَلَمَّا كَانَتْ نَفَقَةُ حَوَّاءَ عَلَى آدَمَ كَذَلِكَ نَفَقَاتُ بَنَاتِهَا عَلَى بَنِي آدَمَ بِحَقِّ الزَّوْجِيَّةِ.

 وَأَعْلَمَنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ:أَنَّ النَّفَقَةَ الَّتِي تَجِبُ لِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ:الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالْكِسْوَةُ وَالْمَسْكَنُ، فَإِذَا أَعْطَاهَا هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ فَقَدْ خَرَجَ إِلَيْهَا مِنْ نَفَقَتِهَا،فَإِنْ تَفَضَّلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ مَأْجُورٌ، فَأَمَّا هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْهَا، لِأَنَّ بِهَا إِقَامَةَ الْمُهْجَةِ.اهـ

وروى البخاري(5370)،ومسلم (1714)-واللفظ له- عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ امْرَأَةُ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، لَا يُعْطِينِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بَنِيَّ إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ جُنَاحٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ».

وروى مسلم(1218) من حديث جابر الطويل في حجة الوداع عن النبي صلى الله عليه وسلم وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ.

·     عدم هجرها خارج البيت.

الخميس، 26 يوليو 2018

(14)تذكيرٌ بالصَّحابة رضي الله عنهم


           
                     فضل جليبيب رضي الله عنه


عَنْ أَبِي بَرْزَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ فِي مَغْزًى لَهُ، فَأَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: نَعَمْ، فُلَانًا، وَفُلَانًا، وَفُلَانًا، ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: نَعَمْ، فُلَانًا، وَفُلَانًا، وَفُلَانًا، ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: لَا، قَالَ: «لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا، فَاطْلُبُوهُ» فَطُلِبَ فِي الْقَتْلَى، فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «قَتَلَ سَبْعَةً، ثُمَّ قَتَلُوهُ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ» قَالَ: فَوَضَعَهُ عَلَى سَاعِدَيْهِ لَيْسَ لَهُ إِلَّا سَاعِدَا النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَحُفِرَ لَهُ وَوُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَسْلًا.رواه مسلم(2472).


عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ، أَنَّ جُلَيْبِيبًا كَانَ امْرَأً يَدْخُلُ عَلَى النِّسَاءِ، يَمُرُّ بِهِنَّ وَيُلَاعِبُهُنَّ فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي: لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُمْ جُلَيْبِيبٌ؛ فَإِنَّهُ إِنْ دَخَلَ عَلَيْكُمْ، لَأَفْعَلَنَّ وَلَأَفْعَلَنَّ. قَالَ: وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ إِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ أَيِّمٌ لَمْ يُزَوِّجْهَا حَتَّى يَعْلَمَ هَلْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا حَاجَةٌ؟ أَمْ لَا.

 فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: " زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ ". فَقَالَ: نِعِمَّ وَكَرَامَةٌ يَا رَسُولَ اللهِ وَنُعْمَ عَيْنِي. قَالَ: " إِنِّي لَسْتُ أُرِيدُهَا لِنَفْسِي ". قَالَ: فَلِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " لِجُلَيْبِيبٍ ".: قَالَ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُشَاوِرُ أُمَّهَا فَأَتَى أُمَّهَا فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ ابْنَتَكِ. فَقَالَتْ: نِعِمَّ. وَنُعْمَةُ عَيْنِي. فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ يَخْطُبُهَا لِنَفْسِهِ إِنَّمَا يَخْطُبُهَا لِجُلَيْبِيبٍ. فَقَالَتْ: أَجُلَيْبِيبٌ إنية؟ أَجُلَيْبِيبٌ إنية؟ أَجُلَيْبِيبٌ إنية؟ لَا. لَعَمْرُ اللهِ لَانُزَوَّجُهُ. فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ لِيَأْتِيَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيُخْبِرَهُ بِمَا قَالَتْ أُمُّهَا: قَالَتِ الْجَارِيَةُ: مَنْ خَطَبَنِي إِلَيْكُمْ؟ فَأَخْبَرَتْهَا أُمُّهَا فَقَالَتْ:أَتَرُدُّونَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ؟ ادْفَعُونِي؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُضَيِّعْنِي. فَانْطَلَقَ أَبُوهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: شَأْنَكَ بِهَا فَزَوَّجَهَا جُلَيْبِيبًا قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ لَهُ. قَالَ: فَلَمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: " هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ " قَالُوا: نَفْقِدُ فُلَانًا وَنَفْقِدُ فُلَانًا. قَالَ: " انْظُرُوا هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ " قَالُوا: لَا. قَالَ: " لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا ". قَالَ: " فَاطْلُبُوهُ فِي الْقَتْلَى ". قَالَ: فَطَلَبُوهُ فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ هَا هُوَ ذَا إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عَلَيْهِ فَقَالَ: " قَتَلَ سَبْعَةً وَقَتَلُوهُ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ. هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ " مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ وَضَعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَاعِدَيْهِ وَحُفِرَ لَهُ مَا لَهُ سَرِيرٌ إِلَّا سَاعِدَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ وَضَعَهُ فِي قَبْرِهِ، وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ غَسَّلَهُ.رواه أحمد(33/28)وسنده صحيح.

(39) الأحاديثُ الضعيفة والموضوعة وما لا أصل لها لوالدي رحمه الله



عن طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ سلمَانَ قَالَ:«دَخَلَ رَجُلٌ الْجَنَّةَ فِي ذُبَابٍ، وَدَخَلَ النَّارَ رَجُلٌ فِي ذُبَابٍ» قَالُوا: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: " مَرَّ رَجُلَانِ عَلَى قَوْمٍ لَهُمْ صَنَمٌ لَا يَجُوزُهُ أَحَدٌ حَتَّى يُقَرِّبَ لَهُ شَيْئًا، فَقَالُوا لِأَحَدِهِمَا: قَرِّبْ قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ فَقَالُوا لَهُ: قَرِّبْ وَلَوْ ذُبَابًا فَقَرَّبَ ذُبَابًا، فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ " قَالَ: " فَدَخَلَ النَّارَ، وَقَالُوا لِلْآخَرِ: قَرِّبْ وَلَوْ ذُبَابًا قَالَ: مَا كُنْتُ لِأُقَرِّبَ لِأَحَدٍ شَيْئًا دُونَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " قَالَ: «فَضَرَبُوا عُنُقَهُ» قَالَ: «فَدَخَلَ الْجَنَّةَ».
رواه أحمد في الزهد(84)موقوفًا على سلمان.

كتبت عن والدي رحمه الله: موقوف على سلمان.
وفي بعض الروايات كان يقول سلمان:<دخل الجنة رجلٌ في دُباب> بالدال المهملة يعني: كان لا يفصح لأنه أعجمي.اهـ
----------------
قلت:وقال الشيخ الألباني رحمه الله في سلسلة الأحاديث الضعيفة(5829):الحديث صحيح موقوفا على سلمان الفارسي رضي الله عنه؛ إلاأنه يظهر لي أنه من الإسرائيليات التي كان تلقاها عن أسياده حينما كان نصرانيا.اهـ

وهذا الحديث استدل به الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان (4/105)على مؤاخذة  الأُمم الماضية على الإكراه فقال بعد أن ذكر هذا الحديث:
دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الَّذِي قَرَّبَهُ مُكْرَهٌ. لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَرِّبْ لَقَتَلُوهُ كَمَا قَتَلُوا صَاحِبَهُ، وَمَعَ هَذَا دَخَلَ النَّارَ فَلَمْ يَكُنْ إِكْرَاهُهُ عُذْرًا.اهـ
ولكنه حديث  رفعه لا يصح،وهو من أحاديث كتاب«التوحيد»للشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي رحمه الله تعالى.

السبت، 21 يوليو 2018

(3) فقهُ التَّعاملِ بين الزوجين



بعض النساء إذا أراد زوجها البناء بها تطلب نقودًا فما الحكم؟

جـواب والدي رحمه الله:

يعتبر رشوة في حقها، فهي آثمة، ويعطيها ولا يكون إثمًا في حقه.
 إيش يبقى في خصام معها أول ليلة.

كتبته وقيَّدته من/دروس والدي رحمه الله.




فائدة
قال ابن الأثير في النهاية(1/158):الابْتِنَاء والبِنَاء: الدُّخول بِالزَّوْجَةِ.
والأصلُ فِيهِ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بنَى عَلَيْهَا قُبَّة ليَدْخُل بِهَا فِيهَا، فَيُقَالُ بَنَى الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ.
 قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَا يُقَالُ بنَى بأهْله.
 وَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ نَظَر، فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ مَوْضع مِنَ الْحَدِيثِ وَغَيْرِ الْحَدِيثِ.

وقال الحافظ في فتح الباري -شرح تبويب حديث رقم (2628)بَابُ الِاسْتِعَارَةِ لِلْعَرُوسِ عِنْدَ الْبِنَاءِ-
قال:أَيِ:الزِّفَافِ.
وَقِيلَ لَهُ بِنَاءٌ لِأَنَّهُمْ يَبْنُونَ لِمَنْ يَتَزَوَّجُ قُبَّةً يَخْلُو بِهَا مَعَ الْمَرْأَةِ
ثُمَّ أُطْلِقَ ذَلِكَ عَلَى التَّزْوِيجِ .اهـ

الخميس، 19 يوليو 2018

(48)الإجابةُ عن الأسئلةِ


س:قد جاءت أحاديث دلت على أن  التسوُّل مذموم.
لكن الإشكال عندنا هل كل التسول حرام ،مثلا نطلب الملح أو ثمرة أو الشيء اليسير من الجيران أو التسوُّل خاص بطلب المال عند غيره فقط.
وما هو ضابط التسوُّل المذموم حتى لا نقعَ في محرم ؟

ج:الأصل في سؤالِ الناس المنع. روى مسلم  (1043) عن عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً، فَقَالَ: «أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟» وَكُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِبَيْعَةٍ، فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟» فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟» قَالَ: فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا وَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَعَلَامَ نُبَايِعُكَ؟ قَالَ: «عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَتُطِيعُوا - وَأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيَّةً - وَلَا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا» فَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ، فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ.

قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث:فِيهِ التَّمَسُّكُ بِالْعُمُومِ لِأَنَّهُمْ نُهُوا عَنِ السُّؤَالِ فَحَمَلُوهُ عَلَى عُمُومِهِ، وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى التَّنْزِيهِ عَنْ جَمِيعِ مَا يُسَمَّى سُؤَالًا وَإِنْ كَانَ حَقِيرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .اهـ
وقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عَبَّاسٍ:{إذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ}.

أما سؤال الناس المال فالله عزوجل يقول{وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36) إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37)}[محمد].قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى(10/182):الْعَبْدُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ رِزْقٍ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى ذَلِكَ فَإِذَا طَلَبَ رِزْقَهُ مِنْ اللَّهِ صَارَ عَبْدًا لِلَّهِ فَقِيرًا إلَيْهِ وَإِنْ طَلَبَهُ مِنْ مَخْلُوقٍ صَارَ عَبْدًا لِذَلِكَ الْمَخْلُوقِ فَقِيرًا إلَيْهِ. وَلِهَذَا كَانَتْ "مَسْأَلَةُ الْمَخْلُوقِ " مُحَرَّمَةً فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ.اهـ

وعلى الإنسان أن يدعو ربه الذي يحب من عبده أن يسأله.
بخلاف المخلوق فسؤاله مهانة وذلَّة، وإذا أعطاه مرة أو مرتين  سَئِمَ وشحَّ بما في يده، حتى لو كان أدنى شيء.

ولو سُئِل الناس التراب لأوشكوا..إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا

أما من احتاج إلى معونة جاره كالشيءالذي ينقص فيطلب من جاره هذا لا بأس به  إذا علم  من جاره السماحة وعدم التضايق،ويكونُ من غير إكثار.

هناك العارية ،يستعير من جاره أو صاحبه أو أخيه المسلم شيئًا ثم يرده إذا أتمَّ حاجته لأنَّ العارية:هِبَةُ الْمَنَافِعِ دُونَ الرَّقَبَةِ كما عرَّفها الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري.هذا ليس من هذا الباب لأن العارية مشروعة.

وقد بوب الإمام البخاري بَابُ الِاسْتِعَارَةِ لِلْعَرُوسِ عِنْدَ البِنَاءِ
ثم أخرج حديثًا  برقم (2628) من طريق أيمن الحبشي قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَعَلَيْهَا دِرْعُ قِطْرٍ، ثَمَنُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ، فَقَالَتْ:«ارْفَعْ بَصَرَكَ إِلَى جَارِيَتِي انْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهَا تُزْهَى أَنْ تَلْبَسَهُ فِي البَيْتِ، وَقَدْ كَانَ لِي مِنْهُنَّ دِرْعٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ تُقَيَّنُ بِالْمَدِينَةِ إِلَّا أَرْسَلَتْ إِلَيَّ تَسْتَعِيرُهُ».
قال الحافظ ابن حجر: فِي الْحَدِيثِ أَنَّ عَارِيَّةَ الثِّيَابِ لِلْعَرُوسِ أَمْرٌ مَعْمُولٌ بِهِ مُرَغَّبٌ فِيهِ وَأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مِنَ الشُّنْعِ.


وهناكَ حالات أيضًا ليست داخلةً في المنهي عنه  نشيرُ إلى بعضها:
السؤال للتفقه في دين الله عزوجل
سؤال الرجل امرأته أو ولده أو خادمه
سؤال المرأة زوجها
سؤال البيع والشراء
سؤال الدَّين لمن احتاج لذلك.



الاثنين، 16 يوليو 2018

(96) سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ



من أسماء الله الحُسنى:القيُّوم
هذا الاسم ذكره الله سبحانه في ثلاثةِ مواضعَ من القرآن الكريم
قال تعالى في سورة البقرة:﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾[البقرة:255].
وفي سورة آل عمران الآية الثانية قال تعالى:﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾.
وفي سورة طه رقم الآية(111)قال سبحانه:﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴾.
ومعنى اسم الله:الْقَيُّومُ:
قال ابن القيم في «نونيته»:
هذا ومن أوصافه القيوم والـ ... قيوم في أوصافه أمران
إحداهما القيوم قام بنفسه ... والكون قام به هما الأمران
فالأول استغناؤه عن غيره ... والفقر من كل إليه الثاني
والوصف بالقيوم ذو شأن كذا ... موصوفه أيضا عظيم الشأن
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير سورة طه:الْقَيُّومُ الَّذِي لَا يَنَامُ، وَهُوَ قَيِّمٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ يُدَبِّرُهُ وَيَحْفَظُهُ،فَهُوَ الْكَامِلُ فِي نَفْسِهِ،الَّذِي كَلُّ شَيْءٍ فَقِيرٌ إِلَيْهِ لَا قِوَامَ لَهُ إِلَّا بِهِ.اهـ
فقوله القيوم يشمل أمرين:القائم بنفسه الغني عن كل ما سواه.
والقائم غيره به.
ومن أسماء الله عزوجل:الغني قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾[فاطر:15].
فالخلق كلهم فقير إلى الله محتاج إليه لا غِنى لأحدٍ عنه سبحانه لا الأغنياء ولا الملوك ولا الرؤساء ولا مَن دونهم.
قال الله سبحانه:﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ [الرعد:33].
وقال سبحانه:﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾[الروم:25].
قال الطحاوي رحمه الله في«العقيدة الطحاوية»:(وَيَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلَا يَمْلِكُهُ شَيْءٌ.وَلَا غِنَى عَنِ اللَّهِ تَعَالَى طَرْفَةَ عَيْنٍ،وَمَنِ اسْتَغْنَى عَنِ اللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، فَقَدْ كَفَرَ وَصَارَ مِنْ أَهْلِ الْحَيْنِ).اهـ
والحَين بفتح الحاء:الهلاك.
فعلى العبد أن يستشعر بذلك وأن يخضع لربِّه الذي خلقه وأمدَّه وأعدَّه
وأنعم عليه بنِعَمِه الكثيرة التي لا تعدُّ ولا تحصى.
وعليه أن يشعر بضعفه وعجزه وحاجته الشديدة لربِّه فلا يفخر ولا يتعاظم في نفسه ولا يغتر بمالِه ولا جاهه ولا بعلمه ولاذكائه لأن هذا بيدِ الله سبحانه،ولو شاءَ لانتزعه منه.



(2) القرآنُ وعلومُه


        
        قراءة القرآن نظرًا من المصحف وعن ظهر قلب


ثبت عن عبدالله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال:«أديموا النظر في المصحف».
 أخرجه أبوعبيد في «فضائل القرآن» (ص104)حدثنا زيد بن الحباب، عن سفيان، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش قال: قال عبدالله.. فذكره .وهذا إسناد حسن.

 قال الحافظ ابن كثير في«فضائل القرآن»(209): صرح كثيرون من العلماء، أن قراءة القرآن من المصحف أفضل، لأنه يشتمل على التلاوة والنظر في المصحف، وهو عبادة كما صرح به غير واحد من السلف،وكرهوا أن يمضي على الرجل يوم لا ينظر في مصحفه.

ثم ذكر آثارًا للسلف في قراءة القرآن من المصحف، وفضل ذلك.

ثم بعد ذلك قال: فهذه الآثار تدل على أن هذا أمر مطلوب لئلا يعطل المصحف، فلا يقرأ منه، ولعله قد يقع لبعض الحفظة نسيان، فيستذكر منه، أو تحريف كلمة أو آية أو تقديم، أو تأخير، فالاستثبات أولى، والرجوع إلى المصحف أثبت، من أفواه الرجال.

إلى أن قال: وقال بعض العلماء: المدار في هذه المسألة على الخشوع، فإن كان الخشوع أكثر عند القراءة، عن ظهر قلب، فهو أفضل، وإن كان عند النظر في المصحف أكثر، فهو أفضل، فإن استويا فالقراءة نظرًا أولى، لأنها أثبت وتمتاز بالنظر إلى المصحف.

قال الشيخ أبوزكريا النووي : في«التبيان»:والظاهر أن كلام السلف، وفعلهم محمول على هذا التفصيل. اهـ

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله في «مجموع فتاواه» (24/353):لا أعلم دليلا يفرق بين القراءة في المصحف أو القراءة عن ظهر قلب، وإنما المشروع التدبر وإحضار القلب، سواء قرأ من المصحف أو عن ظهر قلب.
وإذا كانت القراءة عن ظهر قلب أخشع لقلبه وأقرب إلى تدبر القرآن، فهي أفضل، وإن كانت القراءة من المصحف أخشع لقلبه، وأكمل في تدبره كانت أفضل. والله ولي التوفيق.اهـ

وهناك حديثٌ فيه فضل  تلاوة القرآن من المصحف  رواه أبوعبيد رحمه الله في«فضائل القرآن»:حدثنا نعيم بن حماد، عن بقية بن الوليد، عن معاوية بن يحيى، عن سليمان بن سليم، عن عبدالله بن عبدالرحمن، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :«فضل قراءة القرآن نظرًا على من يقرأه ظهرًا، كفضل الفريضة على النافلة».

وهذا إسناد ضعيف،نعيم بن حماد هو الخزاعي ضعيف.
وبقية بن الوليد يدلس تدليس التسوية ولم يصرِّح  بالتحديث. ومعاوية بن يحيى هذا هو الصدفي أو الأطرابلسي، وأيًّا كان فهو ضعيف.

الجمعة، 13 يوليو 2018

الشُّكْرُ وفضْلُه



                   
قال تعالى آمرًا لعباده بالشكر:﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)﴾[البقرة].

وقال سبحانه:﴿فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ﴾[الواقعة]ولولا حرف تحضيض بمعنى:هلَّا.

إن الشُّكْرَ أعمُّ مما يفهمه كثيرٌ من الناس بأنه باللسان فحسْب.
قال تعالى:﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ (سبأ: 13)فسمَّى سبحانه العمل شُكْرًا.
وروى البخاري (4836)،ومسلم (2819)عن المُغِيرَةِ بن شعبة رضي الله عنه، يَقُولُ: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ: «أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا».
وروى ابن حبان (620)عَنْ عَطَاءٍ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ لِعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَزُورَنَا فقَالَ أَقُولُ يَا أُمَّهْ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا قَالَ فَقَالَتْ دَعُونَا مِنْ رَطَانَتِكُمْ هَذِهِ قَالَ بن عُمَيْرٍ أَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِهِ مِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فَسَكَتَتْ ثُمَّ قَالَتْ لَمَّا كَانَ لَيْلَةٌ مِنَ اللَّيَالِي قَالَ "يَا عَائِشَةُ ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي" قُلْتُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ وَأُحِبُّ مَا سَرَّكَ قَالَتْ فَقَامَ فَتَطَهَّرَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي قَالَتْ فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ حِجْرَهُ قَالَتْ ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ قَالَتْ ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ الْأَرْضَ فَجَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ تَبْكِي وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ "أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}الآية كلها [آل عمران: 190].

قال ابن القيم رحمه الله في«الفوائد»(128):الشُّكْر هُوَ الْقيام بِطَاعَتِهِ والتقرب إِلَيْهِ بأنواع محابِّه ظَاهرا وَبَاطنا.اهـ

وقال الشاعر:
أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً ... يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرُ الْمُحَجَّبَا
فالشكرُ يكون بالقلب واللسان واليد.

وكما أمر ربُّنا سبحانه بشكره أمرَ بشكْرِ نِعَمِه فقال عزَّ مِنْ قائل:﴿ واشكروا نعْمَة اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاه تَعْبدُونَ﴾.

ولكن الشكر إذا عُدِّي إلى مُسدي النِّعْمة ومعطيها تعدَّى بحرف الجر كما تقدم وهذه هي اللغة الفصحى،ويجوز تعديتُه إلى المفعول به من دون حرف جر ،وإذا تعدَّى الشكر إلى النِّعمة تعدَّى بنفسِه إلى المفعول به.وقد نبَّه على ذلك الشنقيطي في«أضواء البيان»(7/535).

وفي هذه الآية الكريمة بيانٌ:أن النِّعَمَ من الله وحده لا شريك له سواء كانت نعمة الطاعات أو نعمة الملذَّات والعافية والمال والولد والجاه وسائر الأرزاق.

والمؤمن أمره دائر بين أمرين:وهما الصبر والشكر.
روى مسلم (2999)عَنْ صُهَيْب بن سنان رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ».
فهذا حالُ المؤمن إن أُصيب بضراء صبر ولم يجزع ويتسخَّط،وإن رُزِق نعمة قابلها بالشكر والطاعة،وليس بالفخر والكبر والتعالي.

والشكر يكون من العبد لربِّه

وذلك بمحافظة العبد على قلبه ولسانه و سمعه وبصره من الوقوع فيما يُغْضِبُ الله.
و على وقته من الضياع في غير منفعة ولا فائدة.
وعلى ماله من التبذير ومن الخوض فيه بغير حق...

 ويكون الشكرُ من الله لعبده.قال تعالى:﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾،وقال سبحانه:﴿ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 34].

قال الشنقيطي في«أضواء البيان»(7/584): أَمَّا شُكْرُ الرَّبِّ لِعَبْدِهِ فَهُوَ أَنْ يُثِيبَهُ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ مِنْ عَمَلِهِ الْقَلِيلِ.
وقال السعدي رحمه الله في«تفسيره»(868):أي يقبل من عباده اليسير من العمل، ويجازيهم عليه الكثير من الأجر، ويشكر تعالى لمن تحمل من أجله المشاق والأثقال، وناء بالتكاليف الثقال، ومن ترك شيئًا لله، عوضه الله خيرًا منه.اهـ

ويشرع سجود الشكر عند تجدد نعمة أو دفعِ نقمة.

وكما أُمِرْنا بشكر المُنعِم والنِّعمة فإننا مأمورون بشكر المحسن من الخلق ومجازاته بالمعروف كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ».

ولنعلَم أن المعاصي ليست مِن شكر الله عزوجل.

واحرص أيها المسلم على الأسباب التي تعينُك على الشكر.
 قال الله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}[الفرقان: 62].
قال بعض المفسرين:معنى خِلْفَة: أن الله جعل كل واحد منهما خلفًا من الآخر، في أن ما فات أحدهما من عمل يعمل فيه لله، أدرك قضاؤه في الآخر.
وقال آخرون:بل معنى ذلك: أن كل واحد منهما يخلف صاحبه، إذا ذهب هذا جاء هذا، وإذا جاء هذا ذهب هذا.كما في«تفسير ابن جرير».

(لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ)قال الشوكاني في«فتح القدير»(4/99):  مَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّ الْمُتَذَكِّرَ الْمُعْتَبِرَ إِذَا نَظَرَ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ،عَلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي انْتِقَالِهِمَا مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ مِنْ نَاقِلٍ.

(أَوْ أَرادَ شُكُورًا) أَيْ: أَرَادَ أَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ عَلَى مَا أَوْدَعَهُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ النِّعَمِ الْعَظِيمَةِ، وَالْأَلْطَافِ الْكَثِيرَةِ.اهـ

 واحرص أيضًا على هذا الدعاء ليكونَ عونًا لك على شكرِ ربِّكَ ومولاكَ سبحانه.
روى أحمد (28/338)عن شداد بن أوس سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:«إِذَا كَنَزَ النَّاسُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَاكْنِزُوا هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ:اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ حُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا  صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ».

وما ثبت عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ، وَقَالَ:«يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ» ، فَقَالَ:«أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ».رواه الترمذي (1522)،والنسائي (1303).

أعاننا ربي وإياكم على ذكره وشكرِه وحُسْن عبادته.





السبت، 7 يوليو 2018

(21) أحاديثُ منتقاةٌ من أحاديثِ البخاري ومسلم



عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم  يَقُولُ: <مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ>.رواه مسلم.

---------------------------------------------------------
وقوله: <من رأى> من: اسم شرط جازم، وهي صيغة من صيغ العموم، يدخل فيها الذكر والأنثى، والرئيس والمرؤس، والصغير والكبير.

وفي ذلك رد على من قال: <من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده>، للأمراء <فإن لم يستطع فبلسانه>، للعلماء، <فإن لم يستطع فبقلبه>، للعوام.

وفيه أن مراتب إنكار المنكر ثلاث.
أن الإيمان يزيد وينقص.
 الرد على المرجئة الذين يقولون لا يضر مع الإيمان ذنب.

الجمعة، 6 يوليو 2018

(29)سنينٌ من حياتي مع والديْ وشيخي مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله



الوليمة

تحدَّثتُ مع والدي رحمه الله عن الذبيحة التي تكون في بيت أهل المرأة وسمَّيتُها وليمةً.

فأفادني:الوليمة تكونُ بعد الدخول.

قلت:للفائدة
الدليل على أن الوليمة تكون بعد الدخول فعلُ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.روى البخاري(5466)،ومسلم (1428)عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال:«أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرُوسًا بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَكَانَ تَزَوَّجَهَا بِالْمَدِينَةِ، فَدَعَا النَّاسَ لِلطَّعَامِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ..».
قال شيخ الإسلام في «الفتاوى الكبرى»(5/478): وَوَقْتُ الْوَلِيمَةِ فِي حَدِيثِ زَيْنَبَ وَصِفَتُهُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَقِبَ الدُّخُولِ .اهـ

قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»(تحت رقم5166): اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي وَقْتِهَا هَلْ هُوَ عِنْد العقد أَوْ عَقِبِهِ أَوْ عِنْدَ الدُّخُولِ أَوْ عَقِبِهِ أَوْ مُوَسَّعٌ مِنِ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ إِلَى انْتِهَاءِ الدُّخُولِ عَلَى أَقْوَالٍ.

ثم قال الحافظ:وَحَدِيثُ أَنَسٍ فِي هَذَا الْبَابِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا بَعْدَ الدُّخُولِ لِقَوْلِهِ فِيهِ:(أَصْبَحَ عَرُوسًا بِزَيْنَبَ فَدَعَا الْقَوْمَ..).اهـ

وهذا للأفضل أما الجواز فالأمر فيه موسَّع قبل الدخول أو بعده.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في «الملخص الفقهي»(2/364):ووقت إقامة وليمة العرس موسع، يبدأ من عقد النكاح، إلى انتهاء أيام العرس.اهـ

الاعتدال في الفرَح بالنعمة

فتاةٌ  في اليوم الثاني من زفافها كانت تبكي بصوت رفيع وقتًا طويلًا فبلغَ والدي رحمه الله.

فقال:لعلها فرِحَتْ.

المرأة يقالُ لها زوج على اللغة الفُصحى

ذكر لنا والدي رحمه الله أنه أيام دراسته في المدينة
 مرَّ رجل بالشيخ الألباني رحمه الله وهو واقفٌ عند باب بيتٍ فسأله عن ذلك.
فقالَ الشيخ الألباني:أنا منتظر لزوجي.

ثِقَةُ والدي رحمه الله بِرَبِّه

قيل لوالدي رحمه الله:يزعمُ بعضُ الناس أنكَ مسحور؟
جواب والدي:كلامٌ لا يُبالَى به،وبحمد الله أنا لا يؤثر فيَّ السِّحْرُ.