جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 30 يناير 2018

(36) الأحاديثُ الضعيفة والموضوعة وما لا أصل لها لوالدي رحمه الله


حديث :أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَوْلَا عِبَادُ اللهِ رُكَّعٌ، وَصِبْيَةٌ رُضَّعٌ، وَبَهَائِمٌ رُتَّعٌ، لَصُبَّ عَلَيْكُمُ الْعَذَابُ صَبًّا، ثُمَّ لَتَرْضُنَّ رَضًّا ".

أخرجه البيهقي (6391)تحت باب:اسْتِحْبَابِ الْخُرُوجِ بِالضُّعَفَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْعَبِيدِ وَالْعَجَائِزِ.



كتبت عن والدي الشيخ مقبل رحمه الله:

الحديث موضوع .



قلت: وذكر الحديث الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة(4362)وقال:ضعيف.اهـ

ومعنى الحديث: أن  هؤلاء الثلاثة وهم:

المصلون والصِّبية والبهائم سببٌ في دفع العذاب والبلاء.


صور المدونة

صور المدونة

الأحد، 28 يناير 2018

(23)معجزات رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم


عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ - وَإِنَّ عَيْنَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتَذْرِفَانِ - ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ مِنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ فَفُتِحَ لَهُ» رواه البخاري(1246).

(لَتَذْرِفَانِ) أي: تسيل بالدموع.

وهذا كان في  غزوة مؤتة في جمادى الآخر سنة ثمان.

روى البخاري (4261) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُنْتُ فِيهِمْ فِي تِلْكَ الغَزْوَةِ، فَالْتَمَسْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَوَجَدْنَاهُ فِي القَتْلَى، وَوَجَدْنَا مَا فِي جَسَدِهِ بِضْعًا وَتِسْعِينَ، مِنْ طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ.


بعض فوائد هذا الحديث:

فضيلة لهؤلاء الصحابة المذكورين رضي الله عنهم.

أن زيد بن حارثة وجعفربن أبي طالب وعبدالله بن رواحة من شهداء معركة مؤتة.

البكاء والحزن لموت  الأخيار وأهل الفضل .وروى البخاري (1299) ،ومسلم (935) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: لَمَّا جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ، وَجَعْفَرٍ، وَابْنِ رَوَاحَةَ جَلَسَ يُعْرَفُ فِيهِ الحُزْنُ وَأَنَا أَنْظُرُ مِنْ صَائِرِ البَابِ شَقِّ البَابِ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ، فَذَهَبَ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ، لَمْ يُطِعْنَهُ، فَقَالَ: «انْهَهُنَّ» فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ، قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ غَلَبْنَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَزَعَمَتْ أَنَّهُ قَالَ: «فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ» فَقُلْتُ: أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ، لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ تَتْرُكْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ العَنَاءِ.



تأمير الشخص نفسَه عند الحاجة الشديدة.

أما لغير حاجة فليس لأحد أن يسأل الإمارة فضلًا عن أن يؤمِّرَها.

أخرج البخاري (7146) ،ومسلم (1652) عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، لاَ تَسْأَلِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ».

وفيه النعي - النعي: الإخبار بموت الميت - وهذا جائز للحاجة إما لتكثير المصلين أو لإخبار الأصحاب والأهل .وفي هذا المعنى الحديث الذي رواه البخاري (1327-1328) ،ومسلم (951)عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: نَعَى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الحَبَشَةِ، يَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ»، وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفَّ بِهِمْ بِالْمُصَلَّى فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا». قال ابن العربي كما في تحفة الأحوذي (4/52):إِعْلَامُ الْأَهْلِ وَالْأَصْحَابِ وَأَهْلِ الصَّلَاحِ هذَا سُنَّةٌ .

وهناك نعيٌ منهي عنه :وهو ما كان على طريقة أهل الجاهلية في ذكر المفاخر والمحاسن ،والإعلام لأجل النياحة ونحو ذلك.

 معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد أخبر بوحيٍ من عندالله سبحانه بما جرى لزيد وأصحابه قبل أن يأتي خبرُهم إلى الناس.


الجمعة، 26 يناير 2018

(88) سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ


علم الله سبحانه محيط بكلِّ شيء



قال تعالى:{ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }[الحديد: 3].

وقال تعالى: { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا }[الجن:26].



وقال تعالى:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[الأنعام:59].

قال السعدي رحمه الله في تفسيرهذه الآية من سورة الأنعام:هذه الآية العظيمة من أعظم الآيات تفصيلا لعلمه المحيط، وأنه شامل للغيوب كلها، التي يطلع منها ما شاء من خلقه. وكثير منها طوى علمه عن الملائكة المقربين، والأنبياء المرسلين، فضلا عن غيرهم من العالمين، وأنه يعلم ما في البراري والقفار، من الحيوانات، والأشجار، والرمال والحصى، والتراب، وما في البحار من حيواناتها، ومعادنها، وصيدها، وغير ذلك مما تحتويه أرجاؤها، ويشتمل عليه ماؤها.

{وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ} من أشجار البر والبحر، والبلدان والقفر، والدنيا والآخرة {إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ} من حبوب الثمار والزروع، وحبوب البذور التي يبذرها الخلق؛ وبذور النوابت البرية التي ينشئ منها أصناف النباتات.

{وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ} هذا عموم بعد خصوص {إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} وهو اللوح المحفوظ، قد حواها، واشتمل عليها، وبعض هذا المذكور، يبهر عقول العقلاء، ويذهل أفئدة النبلاء، فدلَّ هذا على عظمة الرب العظيم وسعته، في أوصافه كلها.

وأن الخلق -من أولهم إلى آخرهم- لو اجتمعوا على أن يحيطوا ببعض صفاته، لم يكن لهم قدرة ولا وسع في ذلك، فتبارك الرب العظيم، الواسع العليم، الحميد المجيد، الشهيد، المحيط.

وجَلَّ مِنْ إله، لا يحصي أحد ثناءً عليه، بل كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني عليه عباده.

 فهذه الآية دلت على علمه المحيط بجميع الأشياء، وكتابه المحيط بجميع الحوادث.اهـ



استفدنا مما تقدم :

أن الله سبحانه عَليم بِكُلِّ شَيْءٍ، يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى وَيَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ سبحانه جلَّ شأنه .

واستحضار هذا يبعث في القلب تعظيم الله  وخشيته والخوف منه ومراقبته سبحانه في السر والعَلَن والنصح في عبادة الله وتحسينها وإتمامها وكما في تفسير الإحسان: " أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ، فَإِنَّهُ يَرَاكَ ".

الثلاثاء، 23 يناير 2018

(11)أَوصَافُ طالبِ العلمِ الشرعِي


                   من المحبرة إلى المقبرة



عَنْ أَنَس بن مالك رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ: مَنْهُومٌ فِي عِلْمٍ لَا يَشْبَعُ، وَمَنْهُومٌ فِي دُنْيَا لَا يَشْبَعُ» رواه الحاكم في «المستدرك» (312).

في هذا الحديث العظيم :أن اثنين لا يقنعان:

طالبُ علمٍ لا يقنع  ولا يشبع ولا يَروى من العلم حتى يموت.

وطالبُ دنيا لا يشبع منها حتى يموت.

والذي يطلب العلم أحق بالهمة والرغبة الدائمة لأنه يلتمس الفضائل وطريق السعادة والجنة.

بخلاف الدنيا وحطامها فالإقبالُ عليها مهلكةٌ، وغفلة عن الله وذكره  ،وابتعاد عن الآخرة.وهي أيام قليلة ثم تنقضي وكأن لم تغنَ بالأمس، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور.

وكل من عرف فضل العلم وشرفه ومنزلته فإن همتَه تعلو ولا تنقص ولا ينتهي شَبَعُه منه.

2-عن سفيان الثوري يقول: لا نزال نتعلم العلم ما وجدنا من يعلِّمُنا.

أخرجه  أبونعيم في «الحلية» (6/317): والأثر حسن.



3-عن  عبدالله بن أحمد بن حنبل يقول: ما زال القلم في يد أبي حتى مات.رواه الخطيب في «الكفاية» (1/رقم574)بسند حسن.



4-كان عبدالله بن المبارك يكتب عمن دونه مثل رشدين بن سعد، وغيرهم.

 فقيل له: يا أبا عبدالرحمن كم تكتب؟

 قال: لعل الكلمة التي تقع فيها نجاتي لم تقع إليَّ. والأثر ثابت.

5- سمعت والدي الشيخ مقبل رحمه الله يقول:إن شاء الله نطلب العلم حتى نموت.



وذكر ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة(1/74) آثارًا في هذا المعنى يُنظر في حالها وهي:

قَالَ عبد الله بن مُحَمَّد الْبَغَوِيّ سَمِعت أحْمَد بن حَنْبَل رضى الله عَنهُ يَقُول:إِنَّمَا اطلب الْعلم إلى أن أدخل الْقَبْر .

وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الصَّائِغ: كنت أصوغ مَعَ أبي بِبَغْدَاد فَمر بِنَا أحْمَد بن حَنْبَل وَهُوَ يعدو ونعلاه فِي يَدَيْهِ فَأخذ أبي بِمَجَامِع ثَوْبه فَقَالَ: يَا أبا عبد الله ألا تَسْتَحيي إِلَى مَتى تعدو مَعَ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ إِلَى الْمَوْت .

وَقَالَ عبد الله بن بشر الطَّالقَانِي: أرجو أن يأتيني أَمر ربي والمحبرة بَين يَدي وَلم يفارقني الْعلم والمحبرة .

وَقَالَ حميد بن مُحَمَّد بن يزِيد الْبَصْرِيّ: جَاءَ ابْن بسطَام الْحَافِظ يسألني عَن الحَدِيث فَقلت لَهُ مَا اشد حرصك على الحَدِيث. فَقَالَ: أَوَ مَا أحب أن أكون فِي قطار آل رَسُول الله .

وَقيل لبَعض الْعلمَاء: مَتى يحسن بِالْمَرْءِ أن يتَعَلَّم؟

 قَالَ: مَا حسنت بِهِ الْحَيَاة.

 وَسُئِلَ الْحسن عَن الرجل لَهُ ثَمَانُون سنة أيحسن أن يطْلب الْعلم؟ قَالَ إِن كَانَ يحسن بِهِ أن يعِيش.اهـ

وهذه صفةٌ عزيزة وخصلةٌ نبيلة الثبات على طلب العلم حتى الممات. وقد روى مسلم (782)  عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: «أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ».

 ومن ثبتَ نبتَ.

وما أكثر الذين ينقطعون عن طلب العلم بسبب عوائق أو علائق الدنيا ،وأكثر سبب هو التهالك في الدنيا ومتاعها الفاني .

وقد قسَّم الأعمش رحمه الله طلبة العلم إلى ثلاثة أقسام.

 قال إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي : كثر من يطلب الحديث في زمن الأعمش، فقيل له: يا أبا محمد، ما ترى ما أكثرهم؟

 قال: لا تنظروا إلى كثرتهم، ثلثهم يموتون، وثلثهم يلحقون الأعمال، وثلثهم من كل مائة يفلح واحد. رواه الخطيب في«جامعه» (1/96)بسند حسن.

واللهَ أسألُ أن يعينَنا ويسهِّل لنا طريق العلم وأن يعيذنا من فتنة المحيا والممات.




الخميس، 18 يناير 2018

(17) أحاديثُ منتقاةٌ من أحاديثِ البخاري ومسلم


عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ وَلِيدَةً كَانَتْ سَوْدَاءَ لِحَيٍّ مِنَ العَرَبِ، فَأَعْتَقُوهَا، فَكَانَتْ مَعَهُمْ، قَالَتْ: فَخَرَجَتْ صَبِيَّةٌ لَهُمْ عَلَيْهَا وِشَاحٌ أَحْمَرُ مِنْ سُيُورٍ، قَالَتْ: فَوَضَعَتْهُ - أَوْ وَقَعَ مِنْهَا - فَمَرَّتْ بِهِ حُدَيَّاةٌ وَهُوَ مُلْقًى، فَحَسِبَتْهُ لَحْمًا فَخَطِفَتْهُ، قَالَتْ: فَالْتَمَسُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوهُ، قَالَتْ: فَاتَّهَمُونِي بِهِ، قَالَتْ: فَطَفِقُوا يُفَتِّشُونَ حَتَّى فَتَّشُوا قُبُلَهَا، قَالَتْ: وَاللَّهِ إِنِّي لَقَائِمَةٌ مَعَهُمْ، إِذْ مَرَّتِ الحُدَيَّاةُ فَأَلْقَتْهُ، قَالَتْ: فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ، قَالَتْ: فَقُلْتُ هَذَا الَّذِي اتَّهَمْتُمُونِي بِهِ، زَعَمْتُمْ وَأَنَا مِنْهُ بَرِيئَةٌ، وَهُوَ ذَا هُوَ.
 قَالَتْ:«فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَتْ»، قَالَتْ عَائِشَةُ: «فَكَانَ لَهَا خِبَاءٌ فِي المَسْجِدِ - أَوْ حِفْشٌ -» قَالَتْ: فَكَانَتْ تَأْتِينِي فَتَحَدَّثُ عِنْدِي، قَالَتْ: فَلاَ تَجْلِسُ عِنْدِي مَجْلِسًا، إِلَّا قَالَتْ:

وَيَوْمَ الوِشَاحِ مِنْ أَعَاجِيبِ رَبِّنَا ... أَلاَ إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الكُفْرِ أَنْجَانِي
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لَهَا مَا شَأْنُكِ، لاَ تَقْعُدِينَ مَعِي مَقْعَدًا إِلَّا قُلْتِ هَذَا؟ قَالَتْ: فَحَدَّثَتْنِي بِهَذَا الحَدِيثِ. رواه البخاري(439)تحت باب:

  نَوْمِ المَرْأَةِ فِي المَسْجِدِ.



-----------------

من فوائد هذا الحديث:

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح هذا الحديث:

فِي الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ الْمَبِيتِ وَالْمَقِيلِ فِي الْمَسْجِدِ لِمَنْ لَا مَسْكَنَ لَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ وَإِبَاحَةُ اسْتِظْلَالِهِ فِيهِ بِالْخَيْمَةِ وَنَحْوِهَا .

وَفِيهِ الْخُرُوجُ مِنَ الْبَلَدِ الَّذِي يَحْصُلُ لِلْمَرْءِ فِيهِ الْمِحْنَةُ ،وَلَعَلَّهُ يَتَحَوَّلُ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ كَمَا وَقَعَ لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ.

 وَفِيهِ فَضْلُ الْهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ.

 وَإِجَابَةِ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا لِأَنَّ فِي السِّيَاقِ أَنَّ إِسْلَامَهَا كَانَ بعد قدومها الْمَدِينَة وَالله أعلم.اهـ

قال ابن رجب رحمه الله في فتح الباري(3/253):في الحديث: دليل على أن الله تعالى قد يفرج كربات المكروبين ويخرق لهم العوائد وإن كانوا كفارا.

فإن كان الكافر مظلوما كهذه المرأة فهو أقرب إلى تفريج كربته وإجابة دعوته، فإن دعوة المظلوم قد تجاب من الكافر، كما ورد في أحاديث مرفوعة متعددة.اهـ

قلت: وهو من ضمن الأدلة التي تدل على جواز مكث الحائض في المسجد ،لأن هذه المرأة سكنُها في المسجد والمعهود عن النساء أنهن يحضْنَ .

الأربعاء، 17 يناير 2018

(123)الاخْتِيَارَاتُ العِلْمِيَّةُ لوالدي الشيخ مقبل رحمه الله




                   حديث:( الْوَائِدَةُ وَالْمَوْءُودَةُ فِي النَّارِ) 

عَنْ سَلَمَةَ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَأَخِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمَّنَا مُلَيْكَةَ كَانَتْ تَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتَفْعَلُ، وَتَفْعَلُ هَلَكَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهَا شَيْئًا؟ قَالَ: " لَا ".
قَالَ: قُلْنَا: فَإِنَّهَا كَانَتْ وَأَدَتْ أُخْتًا لَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهَا شَيْئًا؟ قَالَ: " الْوَائِدَةُ وَالْمَوْءُودَةُ فِي النَّارِ، إِلَّا أَنْ تُدْرِكَ الْوَائِدَةُ الْإِسْلَامَ ، فَيَعْفُوَ اللهُ عَنْهَا "رواه أحمد(25/268).

وذكره والدي الشيخ مقبل رحمه الله في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين(4389).


قيل في توجيه  قوله:(وَالْمَوْءُودَةُ فِي النَّارِ) كما في فيض القدير(6/370) للمناوي:


أراد بها هنا المفعولة لها ذلك وهي أم الطفل لقوله (فِي النَّارِ) ولو أريد البنت المدفونة لما اتضح ذلك .اهـ



عرضت على والدي رحمه الله هذا الكلام فقال:

 أو محمول على البالغة الكافرة، تُدفن وهي حية.


الأربعاء، 10 يناير 2018

(56)أحاديث مختارة من أحاديث «الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين»لوالدي رحمه الله

عَنْ أَبِي خِرَاشٍ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ»رواه أبوداود(4915).



هذا حديث صحيح .الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين(1220).

وأبو خِرَاشٍ السُّلَمِيُّ هو حدرد بن أبي حدرد كما في الإصابة.



--------------------

في هذا الحديث من الفوائد:

تحريم هجر المسلم لأخيه المسلم.

دليل أن الهجر سنة كبيرة من الكبائر لقوله:«فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ».

أي كإراقة دمه .فمن هجر أخاه سنة كان كمن قتلَه.

ولا يُفهم من الحديث أن الهجر أقل من سنة  من الذنوب الصغيرة.
فقد روى أبو داود(4914) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ»والحديث صحيح.

ومقاطعة المسلم لأخيه المسلم داخلٌ في الأذى والمشاحنة.

وقد أُبيح الهجر للحظوظ النفسية ثلاثة أيام دون ما سواها.

وهناكَ بعض الحالات يجوز فيها الهجر أكثر من ثلاثة أيام مثل:

هجر المبتدع.

هجر العاصي إذا كان في هجره مصلحة دينية.كما هجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كعب بن مالك وصاحِبَيه خمسين يومًا.
هجْرُ الرجل لامرأته للتأديب إذا لم ينفع الوعظ والتذكير فقد هجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نساءَه شهرًا.

وفي حديث أبي خراش:الحث على سلامة الصدور والتآخي بين المؤمنين.

الثلاثاء، 9 يناير 2018

(٤٨)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ


                                           
قال تعالى في شأن الفِتْيَة أصحاب الكهف:﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)﴾ [الْكَهْفِ].
—-------------
هاتان الآيتان نهاية قصة الفِتْية أصحاب الكهف في سبعة عشر آية.

قال الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللَّهُ في تفسيره: هَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِقْدَارِ مَا لَبِثَ أَصْحَابُ الْكَهْفِ فِي كَهْفِهِمْ مُنْذُ أرقدهم إلى أن بعثهم الله وَأَعْثَرَ عَلَيْهِمْ أَهْلَ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَأَنَّهُ كَانَ مقداره ثلاثمائة سنة تزيد تسع سنين بالهلالية، وهي الثلاثمائة سَنَةٍ بِالشَّمْسِيَّةِ، فَإِنَّ تَفَاوُتَ مَا بَيْنِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ بِالْقَمَرِيَّةِ إِلَى الشَّمْسِيَّةِ ثَلَاثُ سِنِينَ، فَلِهَذَا قَالَ: بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ وَازْدَادُوا تِسْعًا.

وَقَوْلُهُ:(قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا)أَيْ: إِذَا سُئِلْتَ عَنْ لَبْثِهِمْ وَلَيْسَ عِنْدَكَ عِلْمٌ فِي ذلك وتوقيف من الله تعالى فَلَا تَتَقَدَّمْ فِيهِ بِشَيْءٍ، بَلْ قُلْ فِي مِثْلِ هَذَا:(اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أَيْ: لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إلا هو ومن أطلعه عَلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ، وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ كَمُجَاهِدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَف.اهـ
وقد اختلف العلماء في المدة التي مكثها  الفِتية في الكهف.
 فمنهم من ذهب إلى أنهم بقوا ثلاثمائة وتسع سنين .
وهذا قول ابن كثير وعزاه إلى مجاهد وغير واحد من السلف والخلف.
وقال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ اللَّهُ في«تفسير سورة الكهف»:(وَازْدَادُوا تِسْعًا) ازدادوا على الثلاثمائة تسع سنين فكان مكثُهم ثلاثمائة وتسع سنين.
 قد يقول قائل:لماذا لم يقل ثلاثمائة وتسع سنين؟.
فالجواب: هذا بمعنى هذا، لكن القرآن العظيم أبلغ كتاب، فمن أجل تناسب رؤوس الآيات قال:(ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا)، وليس كما قال بعضهم بأن السنين الثلاثمائة بالشمسية وازدادوا تسعًا بالقمرية، فإنه لا يمكن أن نشهد على الله بأنه أراد هذا، من الذي يشهد على الله أنه أراد هذا المعنى؟
 حتى لو وافق أن ثلاثمائة سنين شمسية هي ثلاثمائة وتسع سنين بالقمرية فلا يمكن أن نشهد على الله بهذا، لأن الحساب عند الله تعالى واحد، وما هي العلامات التي يكون بها الحساب عند الله؟
الجواب: هي الأهلَّة، ولهذا نقول: إن القول بأن (ثلاثمائة سنين) شمسية،(وازدادوا تسعًا) قمرية قول ضعيف.
أولًا: لا يمكن أن نشهد على الله أنه أراد هذا.
ثانيًا: أن عدة الشهور والسنوات عند الله بالأهلة، قال تعالى: (هو الذى جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب) (يونس:5) وقال تعالى (يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) (البقرة:189).اهـ

وجاء عن قتادة:(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) هذا قول أهل الكتاب، فردّه الله عليهم فقال: (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) رواه ابن جرير في تفسير هذه الآية(17/647).
وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله القول الأول.
فقال رحمه الله في الجواب الصحيح(4/246): بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ زَعَمُوا أَنَّ هَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِقَوْلِهِ: (اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا) وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، بَلْ ذَكَرَهُ كَلَامًا مِنْهُ تَعَالَى.اهـ
وقال الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللَّهُ في تفسير هذه الآية:وَفِي هَذَا الَّذِي زَعَمَهُ قَتَادَةُ نَظَرٌ، فَإِنَّ الَّذِي بِأَيْدِي أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ لَبِثُوا ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ مِنْ غَيْرِ تِسْعٍ، يَعْنُونَ بِالشَّمْسِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ اللَّهُ قَدْ حَكَى قَوْلَهُمْ لَمَا قَالَ: وَازْدَادُوا تسعا، والظاهر مِنَ الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ لَا حِكَايَةَ عَنْهُمْ، وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ،وَاللَّهُ أَعْلَمُ.اهـ
وعلى هذا القول الثاني وهو قول قتادة يكون لا تُعلَم المدة التي بقيها الفِتْية  في الكهف.
وَقَوْلُهُ:﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: في تفسيره (17/650):يقول: أبْصِر بالله وأسْمِع، وذلك بمعنى المبالغة في المدح، كأنه قيل: ما أبصره وأسمعه.
وتأويل الكلام: ما أبصر الله لكلِّ موجود،وأسمعه لكلّ مسموع، لا يخفى عليه من ذلك شيء.اهـ


وهذا يستشهد به النحويون على التعجب .التعجب له صيغتان عند النحويين ( ما أفعل – أفعِلْ به ) أبصِر به-أسْمِع- من أمثلة (أفعِل به).

وحُذف الجار والمجرور في{أَسْمِعْ}لدلالة السياق عليه .

وَقَوْلُهُ: (مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا)قال ابن كثير:أَيْ أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، الَّذِي لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلَيْسَ لَهُ وَزِيرٌ وَلَا نَصِيرٌ وَلَا شَرِيكٌ وَلَا مشير، تعالى وتقدس.اهـ
واختلفوا في المراد بالذين هم ما لهم من دونه من ولي.قيل:المراد أصحاب الكهف ،وقيل:أهل السماوات والأرض، كما قال سبحانه قبلها:(لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)،وقيل غير ذلك.

من فوائدِ الآيتَيْن:

•  عددُ السنين التي بقيها الفِتية في الكهف وأنها ثلاثمائة وتسع سنين.
•  دليل على كمال قُدرة الله سبحانه فقد أرقدهم هذه المدة الطويلة ثم بعثهم من نومهم بأبدانٍ سليمة لم يتغير منهم شيء.
•  دليلٌ على البعث والنشور.
•  أن الإنسان يقف حيث يعلم ولا يتكلم فيما لا يعلم.
•  انفراد الله عز وجل بعلم الغيب، وكما قال تعالى:{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) } [النمل].
•  إثبات صفتَي البصر والسمع لله عز وجل.
•  انفراد الله عز وجل وحده سبحانه بالحكم والتشريع ، وكما قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام:57]، فالحلال ما أحله الله عز وجل والحرام ما حرمه الله عز وجل،{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }[الشورى:21].
فلا يجوز اتباع القوانين الوضعية والأحكام الطاغوتية،قال الله سبحانه وتعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ }[الأنعام:121]، فالله سبحانه هو المنفرد بالحكم يحكم بما يريد ويقضي بما يشاء سبحانه وتعالى.

الجمعة، 5 يناير 2018

(46) دُرَرٌ مِنَ النَّصَائِحِ


                              هجرة القلب

قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين(2/433):
كلُّ مُتَوَجِّهٍ إِلَى اللَّهِ بِالصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ، فَإِنَّهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ.

فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ هَذِهِ الْهِجْرَةِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَصْحَبَهَا سَرْمَدًا  حَتَّى يَلْحَقَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

فَمَا هِيَ إِلَّا سَاعَةٌ. ثُمَّ تَنْقَضِي ... وَيَحْمَدُ غِبَّ السَّيْرِ مَنْ هُوَ سَائِرٌ
وَلِلَّهِ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ هِجْرَتَانِ. وَهُمَا فَرْضٌ لَازِمٌ لَهُ عَلَى الْأَنْفَاسِ:

هِجْرَةٌ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ، وَالْإِنَابَةِ وَالْحُبِّ، وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالْعُبُودِيَّةِ.

وَهِجْرَةٌ إِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِالتَّحْكِيمِ لَهُ وَالتَّسْلِيمِ وَالتَّفْوِيضِ، وَالِانْقِيَادِ لِحُكْمِهِ، وَتَلَقِّي أَحْكَامِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ مِنْ مِشْكَاتِهِ. فَيَكُونُ تَعَبُّدُهُ بِهِ أَعْظَمَ مِنْ تَعَبُّدِ الرَّكْبِ بِالدَّلِيلِ الْمَاهِرِ فِي ظُلَمِ اللَّيْلِ، وَمَتَاهَاتِ الطَّرِيقِ.

فَمَا لَمْ يَكُنْ لِقَلْبِهِ هَاتَانِ الْهِجْرَتَانِ فَلْيَحْثُ عَلَى رَأْسِهِ الرَّمَادَ.
 وَلْيُرَاجِعِ الْإِيمَانَ مِنْ أَصْلِهِ. فَيَرْجِعَ وَرَاءَهُ لِيَقْتَبِسَ نُورًا، قَبْلَ أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَيُقَالَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الصِّرَاطِ مِنْ وَرَاءِ السُّورِ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.اهـ

قلت:وهذه هي الهجرة الحقيقية هجران ما نهى الله عزوجل عنه من المعاصي والكفر والفسوق ومجالس اللهو واللغو والمنكر .كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ .

غب السير:أي:عاقبته.

(2) تذكير بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام

فضلُ إسماعيل على أخيه إسحاق عليهما السلام



قال تعالى:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (54)}[سورة مريم].

قال ابن كثير  رحمه الله في تفسير هذه الآية:قَوْلُهُ:(وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا):
 فِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى شَرَفِ إِسْمَاعِيلَ عَلَى أَخِيهِ إِسْحَاقَ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا وُصِفَ بِالنُّبُوَّةِ فَقَطْ، وَإِسْمَاعِيلُ وُصِفَ بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ.اهـ
قلت: والدليل على وَصْف إسحاق بالنبوة قوله تعالى:{وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112)}[الصافات].
وهناكَ دليلٌ آخر في المسألة -أعني في فضل إسماعيل على أخيه إسحاق عليهما الصلاة والسلام- ذكره ابن كثير رحمه الله وهو حديث:(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ..).
وقد رواه بهذه الزيادة «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ  إِسْمَاعِيلَ..» الترمذي (3605)،وأحمد(28/194) عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ  إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ بَنِي كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ».
وفي سنده مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ وهو محمد بن مصعب بن صدقة القرقسائي بقافين ومهملة صدوق كثير الغلط .كما في تقريب التهذيب.
فمثلُه لا يُحتَج بحديثه. ولهذا قال الشيخ الألباني رحمه الله في «ضعيف سنن الترمذي»(737) صحيح دون الاصطفاء الأوَّل.اهـ
وأصل الحديث رواه مسلم (2276) عن وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ،رضي الله عنه يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:«إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ».