جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 30 أبريل 2017

(37) سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ



قوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا) [الكهف:9].
—----------------

هذه الآية الكريمة أول شيءٍ في ذكر قِصَّة أصحاب الكهف.

(أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ) الكهف: الغار في الجبل.
 (وَالرَّقِيمِ) فيه أقوال ونقتصر على الصحيح.
 قال ابْنُ زَيْدٍ وهو عبدالرحمن بن زيد بن أسلم: الرَّقِيمُ: كِتَابٌ، وَقَرَأَ: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [المطففين: 19-20] ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَرْقُومٌ ﴾ [المطففين: 8-9] رواه ابن جرير في «تفسيره» (15/159) بسند صحيح.
ورجحه ابن جرير، وقال: وَإِنَّمَا الرَّقْمُ: فَعِيلٌ. أَصْلُهُ: مَرْقُومٌ، ثُمَّ صُرِفَ إِلَى فَعِيلٍ، كَمَا قِيلَ لِلْمَجْرُوحِ: جَرِيحٌ، وَلِلْمَقْتُولِ: قَتِيلٌ، يُقَالُ مِنْهُ: رَقَمْتُ كَذَا وَكَذَا: إِذَا كَتَبْتَهُ. اهـ.
واستظهره الحافظ ابن كثير في «تفسير القرآن العظيم» (4/420).

وقال الشنقيطي رحمه الله في «أضواء البيان» (3/206): وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِحَسَبِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَبَعْضِ آيَاتِ الْقُرْآنِ، أَنَّ الرَّقِيمَ مَعْنَاهُ: الْمَرْقُومُ، فَهُوَ «فَعِيلٌ» بِمَعْنَى «مَفْعُولٍ» مِنْ: رَقَمْتُ الْكِتَابَ: إِذَا كَتَبْتُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:﴿ كِتَابٌ مَرْقُومٌ ﴾الْآيَةَ. سَوَاءٌ قُلْنَا: إِنَّ الرَّقِيمَ كِتَابٌ كَانَ عِنْدَهُمْ فِيهِ شَرْعُهُمُ الَّذِي تَمَسَّكُوا بِهِ، أَوْ لَوْحٌ مِنْ ذَهَبٍ كُتِبَتْ فِيهِ أَسْمَاؤُهُمْ وَأَنْسَابُهُمْ وَقِصَّتُهُمْ وَسَبَبُ خُرُوجِهِمْ، أَوْ صَخْرَةٌ نُقِشَتْ فِيهَا أَسْمَاؤُهُمْ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ.
و(أصحاب الكهف والرقيم) طَائِفَةٌ وَاحِدَةٌ أُضِيفَتْ إِلَى شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْآخَرِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إِنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ طَائِفَةٌ، وَأَصْحَابَ الرَّقِيمِ طَائِفَةٌ أُخْرَى كما قال الشنقيطي .

 (كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا) قال ابن كثير: أَيْ لَيْسَ أَمْرُهُمْ عَجِيبًا فِي قُدْرَتِنَا وسلطانِنا فَإِنَّ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَتَسْخِيرَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْعَظِيمَةِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَادِرٌ وَلَا يُعْجِزُهُ شيء أعجب من أخبار أصحابِ الكهف. اهـ.

(74) سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ

                          
                 الشفاعة لأهل الكبائر من الموحِّدين

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فَقَالَ:  لَقَدْ ظَنَنْتُ، يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَنْ لاَ يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ . رواه البخاري (6570).

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا»رواه مسلم (199).

عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُيِّرْتُ بَيْنَ الشَّفَاعَةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ نِصْفُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ، فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ، لِأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَكْفَى، أَتُرَوْنَهَا لِلْمُتَّقِينَ؟ لَا، وَلَكِنَّهَا لِلْمُذْنِبِينَ، الْخَطَّائِينَ الْمُتَلَوِّثِينَ». رواه ابن ماجة في «سننه» (6570).

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي» رواه  أبو داود في «سننه» (4739) ،وأحمد في «مسنده» (20/ 439).

أما زيادة «ليست»في حديث: «ليست شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي» فهذه الزيادة لا أصل لها كما استفدنا ذلك من والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ اللَّهُ.

وفي هذه الأدلة :
 الرد على فرقتَين ضالتين: الخوارج والمعتزلة الذين ينفون الشفاعة لأهل الكبائر يوم القيامة ،وقالوا:«مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا لَا بِشَفَاعَةِ وَلَا غَيْرِهَا ،وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ مَا ثَمَّ إلَّا مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَلَا يَدْخُلُ النَّارَ ،وَمَنْ يَدْخُلُ النَّارَ فَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ،وَلَا يَجْتَمِعُ عِنْدَهُمْ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ ثَوَابٌ وَعِقَابٌ» اهـ من «مجموع الفتاوى»(1/148) لشيخ الإسلام .

الجمعة، 28 أبريل 2017

(37)أحاديث مختارة من أحاديث «الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين»لوالدي رحمه


عن قرَّةَ بن إياس رضي الله عنه قَالَ: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ مِنْ مُزَيْنَةَ، فَبَايَعْنَاهُ، وَإِنَّ قَمِيصَهُ لَمُطْلَقُ الْأَزْرَارِ»، قَالَ: «فَبَايَعْتُهُ ثُمَّ أَدْخَلْتُ يَدَيَّ فِي جَيْبِ قَمِيصِهِ، فَمَسِسْتُ الْخَاتَمَ» قَالَ عُرْوَةُ –بن عبدالله أحد رواة الإسناد-: «فَمَا رَأَيْتُ مُعَاوِيَةَ وَلَا ابْنَهُ قَطُّ، إِلَّا مُطْلِقَيْ أَزْرَارِهِمَا فِي شِتَاءٍ وَلَا حَرٍّ، وَلَا يُزَرِّرَانِ أَزْرَارَهُمَا أَبَدًا».
أخرجه أبوداود رحمه الله  (4082).
[هذا حديث صحيح.الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين(برقم1078].
-----------------------

في هذا الحديث من الفوائد:
لِبْسُ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم القميص .

وقد روى الترمذي (4025)، وأبو داود (1762)عن  أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: «كَانَ أَحَبُّ الثِّيَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَمِيصَ».

أن جيبَ قميصِ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم  كان على صدره.
قال الحافظ في«فتح الباري»(شرح تبويب حديث5797 بَابٌ :جَيْبُ الْقَمِيصِ مِنْ عِنْدِ الصَّدْرِ وَغَيْرِهِ)قال: وَفِي حَدِيثِ قُرَّةَ بْنِ إِيَاسٍ –يعني هذا الحديث-مَا يَقْتَضِي أَنَّ جَيْبَ قَمِيصِهِ كَانَ فِي صَدْرِهِ، لِأَنَّ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ رَآهُ مُطْلَقَ الْقَمِيصِ .أَيْ: غَيْرَ مَزْرُورٍ .اهـ
قال السيوطي في رسالته«كَشْفُ الرَّيْبِ عَنِ الْجَيْبِ»ضمن«الحاوي »(2/212):وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ: لَوْ رُئِيَتْ عَوْرَةُ الْمُصَلِّي مِنْ جَيْبِهِ فِي رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ لَمْ يَكْفِ، فَلْيُزَرِّرْهُ أَوْ يَشُدَّ وَسَطَهُ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا ، لِأَنَّ الْعَوْرَةَ إِنَّمَا تُرَى مِنَ الْجَيْبِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إِذَا كَانَ عَلَى الصَّدْرِ، بِخِلَافِ الْفَتْحَةِ الْحَيْدَرِيَّةِ .
وقوله:(الفتحة الحيدرية)يوضِّحُه ما تقدم عنده (ص211)في مطلع الرسالة قال: سَأَلَ سَائِلٌ عَنْ جَيْبِ قَمِيصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ كَانَ عَلَى صَدْرِهِ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ الْآنَ فِي مِصْرَ وَغَيْرِهَا؟ أَوْ عَلَى كَتِفِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْمَغَارِبَةُ، وَيُسَمِّيهَا أَهْلُ مِصْرَ فَتْحَةٌ حَيْدَرِيَّةٌ .اهـ

إطلاقه صلى الله عليه وعلى آله وسلم  لأزرار قميصه . وقد بوَّب أبوداود على هذا الحديث:« بَابٌ فِي حَلِّ الْأَزْرَارِ». وقال ابن حبان (12/266):ذِكْرُ الْإِبَاحَةِ لِلْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ مُطْلِقَ الْإِزَارِ فِي الْأَحْوَالِ.اهـ
وكان والدي الشيخ مقبل رحمه الله يتأسَّى بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيحلُّ أزرار جيب قميصه .
ويقول: من فعله تأسيًا برسول الله فإنه يؤجر على اقتدائِه .

إثبات خاتم النبوة .وهذا من دلائل النبوة .
فآخر الأنبياء نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليهم ،وكما قال تعالى:﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ﴾[الأحزاب:40].

حرص السلف  على العمل بالأدلة .

البيعة للإمام .

وليس فيه دليل لِمن يطلب البيعة من الجماعات المبتدَعة كالإخوان المسلمين . قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في «المنتقى من فتاواه »(1/367)في الجواب عن بيعة الجماعات المتعددة :  البيعة لا تكون إلا لولي أمر المسلمين ، وهذه البيعات المتعددة مبتدعة ، وهي من إفرازات الاختلاف ، والواجب على المسلمين الذين هم في بلد واحد وفي مملكة واحدة أن تكون بيعتهم واحدة لإمام واحد ، ولا يجوز المبايعات المتعددة.اهـ

الخميس، 27 أبريل 2017

(10)معجزات رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم


عن سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: حِينَ أَجْلَى الأَحْزَابَ عَنْهُ: «الآنَ نَغْزُوهُمْ وَلا يَغْزُونَنَا، نَحْنُ نَسِيرُ إِلَيْهِمْ» رواه البخاري (4110).

----------------
هذا الحديث من معجزات رسولِ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،فمن بعد غزوة الأحزاب ويقال غزوة الخندق لم يكن هناك جهاد دفع ،ولكن كان جهاد طلبٍ ،كان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يخرج إلى عدوه.

 وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾.

قال ابن كثير رحمه الله في«تفسيره»:أَيْ: لَمْ يَحْتَاجُوا إِلَى مُنَازَلَتِهِمْ وَمُبَارَزَتِهِمْ حَتَّى يُجْلُوهُمْ عَنْ بِلَادِهِمْ، بَلْ كَفَى اللَّهُ وَحْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وأعزَّ جُنْدَهُ .
قال :وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾: إِشَارَةٌ إِلَى وَضْعِ الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ، وَهَكَذَا وَقَعَ بَعْدَهَا، لَمْ يَغُزْهُمُ الْمُشْرِكُونَ، بَلْ غَزَاهُمُ الْمُسْلِمُونَ فِي بِلَادِهِمْ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾ أَيْ: بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ، رَدَّهُمْ خَائِبِينَ، لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا، وَأَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ وَصَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ رَسُولَهُ وَعَبْدَهُ، فَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. اهـ المراد.


الأربعاء، 26 أبريل 2017

(26) (التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ)


تابع اختصارُ درسِ (الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم/33).

*أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها: هي بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم أُميمة بنت عبدالمطلب.

كانت أوَّلًا عند زيد بن حارثة ثم طلقها وتزوجها صلى الله عليه وسلم في سنةِ خمسٍ من ذي القَعدة ،وقد كان وليُّها الله عزوجل دونَ الناس، ونزلت آيةُ الحجاب صبيحة عرسها .روى البخاري (7421)  عن أنس قال: نَزَلَتْ آيَةُ الحِجَابِ فِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَأَطْعَمَ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ خُبْزًا وَلَحْمًا، وَكَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ أَنْكَحَنِي فِي السَّمَاءِ. وأثنت عليها عائشة فقالت: «..وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْهُنَّ فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً قَطُّ خَيْرًا فِي الدِّينِ مِنْ زَيْنَبَ. وَأَتْقَى لِلَّهِ وَأَصْدَقَ حَدِيثًا، وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ، وَأَعْظَمَ صَدَقَةً، وَأَشَدَّ ابْتِذَالًا لِنَفْسِهَا فِي الْعَمَلِ الَّذِي تَصَدَّقُ بِهِ، وَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، مَا عَدَا سَوْرَةً مِنْ حِدَّةٍ كَانَتْ فِيهَا، تُسْرِعُ مِنْهَا الْفَيْئَةَ»رواه مسلم (2442).
وكان اسم زينب بَرَّة فغيَّره صلى الله عليه وسلم إلى زينب، وهي أول أزواجه صلى الله عليه وسلم لحاقًا به توفيت سنة عشرين، روى مسلم (2452) عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَسْرَعُكُنَّ لَحَاقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا» قَالَتْ: فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَدًا، قَالَتْ: فَكَانَتْ أَطْوَلَنَا يَدًا زَيْنَبُ، لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا وَتَصَدَّقُ.

*أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها: من سبي بني المصطلق سنة ستٍّ، ومن أوصافها: أنها كانت جميلة وذات نسب، وكانت عظيمة البركة على قومِها إذ ردَّ الصحابةُ الأسرى من بني المصطلق، وقالوا: أصهار رسول الله، فأعتقوهم وقد كانوا في مِلكِهم،كما قالت عائشة:« فَلَقَدْ أَعْتَقَ بِتَزْوِيجِهِ إِيَّاهَا مِائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَمَا أَعْلَمُ امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا».وكانت لما تزوج بها صلى الله عليه وسلم في سن العشرين، وكان اسم جويرية برَّة، فغيَّره صلى الله عليه وسلم إلى جويرية.

*أم المؤمنين صفية بنت حُيي رضي الله عنها: من سبي خيبر السنة السابعة ،أعتقَها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجعل عتقها صداقَها ،ولمَّا حلَّتْ-طهُرت- في أثناء الطريق بنَى بها.
قال الذهبي في ترجمتها من«سير أعلام النبلاء»(2/232) : وَكَانَتْ شَرِيْفَةً، عَاقِلَةً، ذَاتَ حَسَبٍ، وَجَمَالٍ، وَدِيْنٍ  رَضِيَ اللهُ عَنْهَا .
وقال: وَكَانَتْ صَفِيَّةُ ذَاتَ حِلْمٍ، وَوَقَارٍ.

*أم المؤمنين أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها: في سنة سبع تزوجها صلى الله عليه وسلم، وهي مِنْ بَنَاتِ عَمِّه، لَيْسَ فِي أَزْوَاجِهِ مَنْ هِيَ أَقْرَبُ نَسَبًا إِلَيْهِ مِنْهَا، وَلا فِي نِسَائِهِ مَنْ هِيَ أَكْثَرُ صَدَاقًا مِنْهَا أمهرها عنه النجاشي .كما روى أبو داود (2107) عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ فَمَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ «فَزَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْهَرَهَا عَنْهُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَبَعَثَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ شُرَحْبِيلَ ابْنِ حَسَنَةَ» والحديث صححه والدي رحمه الله في «الصحيح المسند» (1534).

*أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها: آخر أزواجه صلى الله عليه وسلم تزوَّجها في السنة السابعة بعد أن حلَّ من عمرة القضاء، وكانت تزوجت أوَّلًا مسعود بن عمرو وفارقها، ثم أبو رهم بن عبدالعزى فمات ،وقد شهد لها النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بالإيمان.
أثنت عليها عائشة، روى ابن سعد في «الطبقات» (8/109) فقالت: أَمَا إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ أَتْقَانَا لِلَّهِ وَأَوْصَلِنَا لِلرَّحِمِ. والأثر حسن.


ومما قدَّرَه الله سبحانه أن ميمونة رضي الله عنها بنى بها النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم بسرف وماتت ودفنت بسرف. روى البخاري (5067) من طريق عَطَاءٍ، قَالَ: حَضَرْنَا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ جِنَازَةَ مَيْمُونَةَ بِسَرِفَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ زَوْجَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا فَلاَ تُزَعْزِعُوهَا، وَلاَ تُزَلْزِلُوهَا، وَارْفُقُوا فَإِنَّهُ «كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعٌ، كَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ، وَلاَ يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ».

رضي الله عن أمهات المؤمنين وأرضاهن .

(111)سِلْسِلَةُ الفَوَائِدِالعِلْمِيَّةِ والمَسَائِلِ الفِقْهِيَّةِ

                           
                            سن الشباب

سن الشباب أحسن مرحلة من مراحل عمر الإنسان .

 ولهذا كان سن الشباب  سن أهل الجنة .روى مسلم (2837) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  يُنَادِي مُنَادٍ: إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْأَسُوا أَبَدًا  فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43].
وسن الشباب مرحلةٌ قصيرة ، لأنها مِن  نهاية خمس عشرة إلى خمسٍ وثلاثين ،فهي عشرون عامًا .وهي أسرعُ مرحلة تنتهي من مراحل العمر.
-مرحلة الشباب سن طيش ،وسنُّ اندفاع إلى حظوظ النفس وملذاتها ،ولهذا فيه ترغيب عظيم للشاب الذي ينشأ على عبادة الله .روى البخاري (1423)،ومسلم (1031) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:« سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ..»،وهذا  ترغيب في حفظ سن الشباب واستغلال الشباب، لأن سن الشباب مفسدة لا ينجو من شره إلا من سلمه الله ،و كما قال الشاعر: 
إن الشباب والفراغ والـجـدة ** مفسدة للمرء أي مـفـسـدة 

وقال ابن الملقن رحمه الله في «شرح البخاري»(6/448): 
الشباب شُعبة الجنون.اهـ
ولهذا قد يذهب سن الشباب من غير فائدة  ولا ثمرة.  

وفي زماننا زادتِ المُغريات وأسباب الضياع ،فصار أكثر الشباب رجالا ونساء كأنهم مجانين ،بعد السَّمر ، وبعد الأجهزة ،والمُلهيات ،ولاحول ولاقوة إلا بالله.

-هذه المرحلة ،الله عزوجل سائلٌ للشباب عنها كما في الحديث:« وعن شبابه فيما أبلاه».

-ولو وَجد هذا الصنفُ التوعيةَ والتوجيه كما ينبغي  لَما خسِر  وضيَّع أحسنَ مرحلة من مراحل عمره ، فإنَّ سنَّ الشباب مع كونه سنَّ طيش فإنه أدعى لقبول الحق من كبار السن،قال تعالى في شأن أصحاب الكهف:﴿ ﻧَﺤْﻦُ ﻧَﻘُﺺُّ ﻋَﻠَﻴْﻚَ ﻧَﺒَﺄَﻫُﻢْ ﺑِﺎﻟْﺤَﻖِّ ﺇِﻧَّﻬُﻢْ ﻓِﺘْﻴَﺔٌ ﺁﻣَﻨُﻮا ﺑِﺮَﺑِّﻬِﻢْ ﻭَﺯِﺩْﻧَﺎﻫُﻢْ ﻫُﺪًﻯ ﴾[الكهف:13].

قال ابن كثير في«تفسير هذه الآية»(5/127):ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ فِتْيَةٌ وَهُمُ الشَّبَابُ، وَهُمْ أَقْبَلُ لِلْحَقِّ وَأَهْدَى لِلسَّبِيلِ مِنَ الشيوخ الذين قد عتوا وانغمسوا فِي دِينِ الْبَاطِلِ، وَلِهَذَا كَانَ أَكْثَرُ الْمُسْتَجِيبِينَ لله تعالى وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا، وَأَمَّا الْمَشَايِخُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَعَامَّتُهُمْ بَقُوا عَلَى دِينِهِمْ وَلَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ. وَهَكَذَا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِتْيَةً شبابا .اهـ

-مرحلة الشباب  سنُّ الحفظ وصفاء الذاكرة وارتساخ المعلومة. روى أبوخيثمة زهير بن حرب رحمه الله في «العلم»  (156) بسند صحيح عن علقمة بن قيس  ما سمعته وأنا شاب فكأني أنظر إليه في قرطاس أو ورقة.
يعني:محفوظاته التي حفظها وهو شاب كأنها أمامه في ورقة.
مثل بعض حفَّاظ القرآن الكريم المتقنين يقرأ السورة ،وكأن المصحف أمامه الورقة تلو الأخرى .

قال الخطيب في«الفقيه والمتفقه»(2/179):التَّفَقُّهُ فِي زَمَنِ الشَّبِيبَةِ وَإِقْبَالِ الْعُمُرِ ، وَالتَّمَكُّنُ مِنْهُ بِقِلَّةِ الْأَشْغَالِ ، وَكَمَالِ الذِّهْنِ وَرَاحَةِ الْقَرِيحَةِ يَرْسُخُ فِي الْقَلْبِ ، وَيَثْبُتُ ، وَيَتَمَكَّنُ،وَيَسْتَحْكِمُ ، فَيَحْصُلُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَالْبَرَكَةُ  إِذَا صَحِبَهُ مِنَ اللَّهِ حُسْنُ التَّوْفِيقِ، وَإِذَا أُهْمِلَ إِلَى حَالَةِ الْكِبَرِ الْمُغِيرَةِ لِلْأَخْلَاقِ  النَّاقِصَةِ لِلْآلَاتِ ، كَانَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذَا أَنْتَ أَعْيَاكَ التَّعَلُّمُ نَاشِئًا . فَمَطْلَبُهُ شَيْخًا عَلَيْكَ شَدِيدُ.


الاثنين، 24 أبريل 2017