جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 30 مايو 2016

(45)سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ

                           رؤية الله في الآخرة
قال تعالى ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: 23].
وقال سبحانه وتعالى في الكفار: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين:15].
قال الشافعي: لما أن حجب هؤلاء في السخط كان في هذا دليل على أن أولياءَه يرونه في الرضي، قال الربيع بن سليمان: فقلت يا أبا عبد الله وبه تقول. قال: نعم وبه أدين الله. «حادي الأرواح» (ص:292.(
وروى الإمام البخاري ومسلم عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ نَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ، لاَ تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَصَلاَةٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَافْعَلُوا».
)
كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ)
الكاف للتشبيه والمراد تشبيه الرؤية بالرؤية من حيث الوضوح وعدم التزاحم، لا تشبيه المرئي بالمرئي؛ لأن الله عز وجل لا نِدَّ له ولا شبيه، قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ الشورى:11.
(لاَ تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ)
قال ابن الأثير في «النهاية» (3/101): يُروى بالتَّشديد وَالتَّخْفِيفِ، فَالتَّشْدِيدُ مَعْنَاهُ: لَا يَنْضَمّ بَعضُكم إِلَى بَعْض وتَزْدَحِمون وقتَ النَّظَر إِلَيْهِ، ويجوزُ ضمُّ التاءِ وَفَتْحُهَا عَلَى تُفَاعِلون، وتَتَفاعلون. وَمَعْنَى التَّخْفِيفِ: لَا يَنَالُكم ضَيمٌ فِي رُؤْيتِه، فَيرَاه بعضُكم دُونَ بعضٍ. والضَّيْمُ: الظُّلْم. اهـ.
هذا الحديث يقال له حديث جرير في الرؤية، وقد أخرج عبد الله بن أحمد في «السنة» (2/527)عن وكيع بن الجراح «يَقُولُ مِنْ رَدَّ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّؤْيَةَ فَاحْسَبُوهُ مِنَ الْجَهْمِيَّةَ». و إسناده صحيح.

ورؤية الله عز وجل أعظم نعيم أهل الجنة وأعلاه مع ما هم فيه من النعيم مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين لكن رؤية الله أعظم من كل شيء. أخرج الإمام مسلم (181) عَنْ صُهَيْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ ».
و كان من أدعية النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ فِي وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرَّاءٍ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ» رواه ابن أبي عاصم في «السنة» (427) من حديث فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ. وهو في «الصحيح المسند» (2/8) لوالدي رحمه الله .
فرؤية الله عز وجل لذةٌ وسرورٌ ونعيمٌ.
فخيبةً  للمبتدعة كالمعتزلة والجهمية والرافضة الذين ينفون رؤية الله في الآخرة .
 قالوا: لأن إثبات الرؤية يستلزم التشبيه، ولأن في إثبات الرؤية إثبات الجهة لله عز وجل، وأوَّلوا الأدلة التي فيها إثبات الرؤية بالثواب والأجر، وبالعلم، وقالوا: في قوله عز وجل: ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: 23] قالوا: تنتظر ثواب الله عز وجل.
وقد ذكر أهل العلم أن النظر إذا عُدِّي بنفسه فالمراد به التوقف والانتظار كقوله سبحانه عن المنافقين: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾ [الحديد:13]. وإذا عُدِّي بـ (في) فمعناه التفكر والاعتبار كما قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأعراف:185]. وإذا عُدِّي بـ (إلى) فمعناه النظر بالعين قال تعالى: ﴿انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ﴾ [الإنعام: 99]. وقال: ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: 23].
ينظر «حادي الأرواح» (ص: 296 )

وأدلة الرؤية متواترة:
مما تواتر حديث من كذب *** ومن بنى لله بيتًا واحتسب
ورؤيةٌ وشفاعة والحـوض *** ومسح خفين وهـذي بعض

اللهم ارزقنا لذة النظر إلى وجهك الكريم.

(18)الإجابةُ عن الأسئلةِ

س:أريد أن أسال عن أمر مهم ابنتي الصغيرة أحيانا لما أصلي تكلمني وتبقى تلح حتى إنها تبكي من أجل أن أسمح لها بأخذ شيء معين فأضطر أحيانا لإجابتها برأسي نعم أو لا حتى تتركني أصلي هل هذا يعد كلاما في الصلاة فيبطلها ؟

ج: يجوز الإشارة بالرأس أو باليد في الصلاة للحاجة .لما رواه الإمام البخاري(86)ومسلم (905)عَنْ أَسْمَاءَ، قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ وَهِيَ تُصَلِّي فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، قُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا: أَيْ نَعَمْ، فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلَّانِي الغَشْيُ، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَى رَأْسِي المَاءَ ألحديث.

وروى البخاري (1233)ومسلم(834) عن أم سلمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهَما –أي عن الركعتين بعد العصر-، ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا حِينَ صَلَّى العَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الجَارِيَةَ، فَقُلْتُ: قُومِي بِجَنْبِهِ فَقُولِي لَهُ: تَقُولُ لَكَ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ، وَأَرَاكَ  تُصَلِّيهِمَا، فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ، فَاسْتَأْخِرِي عَنْهُ، فَفَعَلَتِ الجَارِيَةُ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ، فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ، سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ، وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ، فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ».

الأحد، 29 مايو 2016

(6)مِنْ أَحْكَامِ الصِّيَامِ

          
الذي يضعفه صوم النافلة عن طلب العلم

 روى أبوعبيد في «فضائل القرآن» (ص:62) من طريق أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: 

قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه:

إِنَّكَ لَتُقِلُّ الصَّوْمَ؟
 قَالَ: «إِنَّهُ يُضْعِفُنِي عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ».والأثر صحيح .

والسلف يرون أن طلب العلم أفضل من نافلة الصوم وغيره من النوافل .
لأن العلم نور وهدى وسعادة فمن مشى إلى طريق من غير نور لا يأمن الهلاك .

قال الشَّافِعِيُّ رحمه الله: «طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ».
أخرجه الخطيب في «شرف أصحاب الحديث» (ص:113) بسند صحيح .

وقد كان من السلف من يستعين بالصوم على طلب العلم.

روى الخطيب في «جامعه» (180)من طريق وكيع عن إبراهيم بن إسماعيل قال: كان أصحابنا يستعينون على طلب الحديث بالصوم.

هذا أثر صحيح.

والتوفيق بيد الله .


وهنا تفصيل في المسألة  للحافظ ابن حجر رحمه الله في «فتح الباري» تحت رقم (7297)قال: وَالْإِنْصَافُ أَنْ يُقَالَ :
كُلَّمَا زَادَ عَلَى مَا هُوَ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ فَرْضُ عَيْنٍ فَالنَّاسُ فِيهِ عَلَى قِسْمَيْنِ:
 مَنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ قُوَّةً عَلَى الْفَهْمِ وَالتَّحْرِيرِ فَتَشَاغُلُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ إِعْرَاضِهِ عَنْهُ وَتَشَاغُلِهِ بِالْعِبَادَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ النَّفْعِ الْمُتَعَدِّي.
 وَمَنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ قُصُورًا فَإِقْبَالُهُ عَلَى الْعِبَادَةِ أَوْلَى لِعُسْرِ اجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ.
 فَإِنَّ الْأَوَّلَ: لَوْ تَرَكَ الْعِلْمَ لَأَوْشَكَ أَنْ يُضَيِّعَ بَعْضَ الْأَحْكَامِ بِإِعْرَاضِهِ.

 وَالثَّانِي: لَوْ أَقْبَلَ عَلَى الْعِلْمِ وَتَرَكَ الْعِبَادَةَ فَاتَهُ الْأَمْرَانِ لِعَدَمِ حُصُولِ الْأَوَّلِ لَهُ وَإِعْرَاضِهِ بِهِ عَنِ الثَّانِي وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ .

(8)دُرَرٌمِنْ نَصَائِحِ السَّلَفِ

                   تحلي الطالب بزينة الأدب

1-قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بن عمر العمري، «شِنْتُمُ الْعِلْمَ، وَأَذْهَبْتُمْ نُورَهُ، وَلَوْ أَدْرَكَنِي وَإِيَّاكُمْ عُمَرُ رضوان الله عليه لَأَوْجَعَنَا».
أخرجه الدارمي في مقدمة «سننه» (601)تحت باب صيانة العلم بسند صحيح .
وجاء عن سفيان بن عيينة قَالَ: قَالَ لَنَاعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَجِئْنَاهُ نَطْلُبُ الْحَدِيثَ مِنْهُ - «قَدْ شِنْتُمُ الْحَدِيثَ وَأَذْهَبْتُمْ نُورَهُ، لَوْ رَآنِي عُمَرُ وَإِيَّاكُمْ لَأَوْجَعَنَا بِالدِّرَّةِ».
أخرجه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/698)ومن طريقه الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (959).

2-: قَالَ مَخْلَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: نَحْنُ إِلَى قَلِيلٍ مِنَ الْأَدَبِ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الْحَدِيثِ . أخرجه الرامهرمزيفي «المحدث الفاصل».

3-قال الحجاج بن أرطأة: إن أحدكم إلى أدب حسن أحوج منه إلى خمسين حديثًا.
هذا أثر صحيح إلى الحجاج. أخرجه الخطيب رحمه الله في «جامعه» (358).

4-قال الليث بن سعد: ‑وقد أشرف على أصحاب الحديث فرأى منهم شيئًا‑ فقال: أنتم إلى يسير من الأدب أحوج منكم إلى كثير من العلم.
أخرجه الخطيب رحمه الله في «جامعه» (1/967)
بسند حسن.

5- قال ابن القيم رحمه الله في «مدارج السالكين» (2/368) :وَأَدَبُ الْمَرْءِ: عُنْوَانُ سَعَادَتِهِ وَفَلَاحِهِ.
وَقِلَّةُ أَدَبِهِ: عُنْوَانُ شَقَاوَتِهِ وَبَوَارِهِ.
فَمَا اسْتُجْلِبَ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِمِثْلِ الْأَدَبِ.
 وَلَا اسْتُجْلِبَ حِرْمَانُهُمَا بِمِثْلِ قِلَّةِ الْأَدَبِ.

قلت:وهذا واجب على كل من يتعلم العلم أن يُرى آثار طلب العلم في سلوكه وأخلاقه وسمته ولباسه وكلامه وعبادته وغير ذلك ،وهذا من العمل بالعلم ،و من علامة بركة العلم .

فمن لم يكن متحليًا بخُلُق الأدب فهذا لم ينتفع بعلمه ،ولم ينفعه علمه وكان طلبه للعلم وبالًا عليه عافانا الله .

(32)الاخْتِيَارَاتُ العِلْمِيَّةُ لوالدي الشيخ مقبل رحمه الله


                  حكم الإفطار للمسافر قبل أن يخرج من بيته

يجوز للمسافر أن يفطر في بيته إذا تأهب للخروج

واستدل رحمه الله بما روى الترمذي في«سننه» (799) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَتَيْتُ أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ يُرِيدُ سَفَرًا، وَقَدْ رُحِلَتْ لَهُ رَاحِلَتُهُ، وَلَبِسَ ثِيَابَ السَّفَرِ، فَدَعَا بِطَعَامٍ فَأَكَلَ، فَقُلْتُ لَهُ: سُنَّةٌ؟ قَالَ: «سُنَّةٌ» ثُمَّ رَكِبَ.

استفدنا هذا من دروس والدي رحمه الله .

------------

قلت: قال الترمذي عقب حديث أنس المذكور: وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى هَذَا الحَدِيثِ، وَقَالُوا: لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُفْطِرَ فِي بَيْتِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ جِدَارِ المَدِينَةِ أَوِ القَرْيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيِّ .اهـ.

و فعله أنس بن مالك رضي الله عنه.

وعُزي إلى الحسن البصري قال الحسن البصري: يفطر إن شاء في بيته يوم يريد أن يخرج كما في «الإشراف على مذاهب العلماء» لابن المنذر(3/144).

وهو قول الشيخ الألباني رحمه الله وله رسالة بعنوان «تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر» ردَّا على رجل حبشي ضعَّف هذا الحديث .

الخميس، 26 مايو 2016

(101)مِنْ مَرْوِيَّاتِيْ عَنْ وَالِدِيْ العَلَّامَةِ الرَّبَّانِيْ مُقْبِل بنْ هَادِيْ الوَادِعِيْ رَحِمَهُ الله


البعد عن التقليد

1- العالِمُ بَشَرٌ يُصيبُ ويُخطئ ، ويجهلُ ويَعْلَمُ  .

2-لا يقلدني إلا ساقط .


 من حق المسلم على أخيه المسلم

3-روى البخاري (3242)ومسلم(2395)عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ قَالَ: " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا القَصْرُ؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا، فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ: أَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ".

علق عليه والدي الكريم رحمه الله أثناء الدرس وقال: فيه مراعاة شعور أخيك في الله .


استفدنا هذا من مجالس والدي رحمه الله العلمية .

(44)سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ

                    
                     إثبات صفة الساق لله عزوجل

روى الإمام البخاري (4919)ومسلم (183)عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، فَيَبْقَى كُلُّ مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا».

في هذا الحديث

 إثبات صفة الساق لله عز وجل.

وقد أنكر أهل التحريف هذه الصفة، وقالوا: المراد بالساق الهول والفزع.
وهذا الحديث يفسر الآية الكريمة ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ [القلم:42]. فالذي يكْشِفُ عن الساق هو الله عز وجل.
حتى من السلف من فسر الساق بالهول والفزع.
فهذا مما اختلفوا فيه.

 وحديث أبي سعيد واضح الدلالة في إثبات الساق لله عز وجل كما يليق بجلاله وعظمته .

(5)مِنْ أَحْكَامِ الصِّيَامِ

                      وصف رمضان بأنه شهر كريم

لاحرج في وصف شهر رمضان بأنه كريم لما اشتمل عليه من الخيرات والبركات .
وقد قال تعالى في القرآن العظيم كلام الله سبحانه:{إنه لقرآن كريم }.
و وصف الله بعض مخلوقاته بأنه كريم .
قال تعالى  في العرش: {رب العرش الكريم } .
وقالت ملكة سبأ: {إنه ألقي إلي كتاب كريم}.
وأخرج البُخاري (3390)عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «الكَرِيمُ، ابْنُ الكَرِيمِ،ابْنِ الكَرِيمِ، ابْنِ الكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ».
 فشهر رمضان شهر كريم لفضله وخصائصه ومزاياه وبركاته.
 والله هو الذي جعل فيه  الخير والبركة.

 وفي مقطع صوتي للشيخ ابن باز رحمه الله سمعناه يصف شهر رمضان بأنه شهر كريم  .

والقول بالمنع من  إطلاق هذا الوصف على رمضان غير صحيح اطلعنا عليه لبعض علمائنا لكنا لم نره صحيحا لما تقدم ،ونسأل من ربنا أن يعلمنا ما جهلنا ويرزقنا التجرد للدليل. والله أعلم.

الأربعاء، 25 مايو 2016

(7)دُرَرٌمِنْ نَصَائِحِ السَّلَفِ


صفات سبب في عدم الفلاح 

قال الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء ترجمة مُحَمَّد بن رُمْحِ بنِ المُهَاجِرِ:
 فَبِاللهِ قُلْ لِي:
مَتَى يُفْلِحُ مَنْ كَانَ يَسُرُّهُ مَا يَضُرُّهُ؟
وَمَتَى يُفْلِحُ مَنْ لَمْ يُرَاقِبْ مَوْلاَهُ؟
وَمَتَى يُفْلِحُ مَنْ دَنَا رَحِيْلُهُ، وَانْقَرَضَ جِيْلُهُ، وَسَاءَ فِعْلُهُ وَقِيْلُهُ؟
فَمَا شَاءَ اللهَ كَانَ، وَمَا نَرْجُو صَلاَحَ أَهْلِ الزَّمَانِ، لَكِنْ لاَ نَدَعُ الدُّعَاءَ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَلْطُفَ، وَأَنْ يُصْلِحَنَا، آمِيْن.

لا تغتر بالدنيا
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله  في شرح رياض الصالحين(6/687) أصبح الناس الآن يتقاتلون على الدنيا ،والعجب أن الإنسان يسعى وراء الدنيا التي خلقت له فيكون كأنه هو الذي خلق لها والعياذ بالله .

يخدمها خدمة عظيمة يرهق فيها بدنه وعقله وفكره وراحته والأنس بأهله ثم ماذا ؟.

قد يفقدها في لحظة .

يخرج من بيته ولا يرجع إليه .

ينام على فراشه ولا يستيقظ .

وهذا مشاهد.

 والعجب أن هذه الآيات نشاهدها.

 نشاهد من عقد على امرأة ولم يدخل عليها .


مات مع شدة شوقه إليها وبعد أمله ولكن حال دونه المنون .

نجد أناسا معهم بطاقات دعوة زواجهم ثم يموتون وهي في سياراتهم .

إذن فما فائدة الدنيا وهي إلى هذا الحد في الغرور.

 لذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو الرحيم بالمؤمنين الرؤوف بهم الشفيق عليهم إنما يخشى علينا أن تفتح الدنيا فنتنافس فيها .

وهذا هو الواقع فاحذر يا أخي لا تغرنك الحياة الدنيا ولا يغرنك بالله الغرور.اهـ.

(31)الاخْتِيَارَاتُ العِلْمِيَّةُ لوالدي الشيخ مقبل رحمه الله


                              حكم إفطارمن كان سفره سفر معصية

يقول الوالد الشيخ مقبل :المسافر سفر معصية ،له أن يفطر في رمضان لأن الدليل  عام يقول تعال سبحانه :{ 

أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} .

قال:وجمهور العلماء على أنه ليس للمسافر سفر معصية أن يفطر .


 هذا ما سمعناه من الوالد رحمه الله وكتبناه عنه .

----------------

قلت:وقد ذهب إلى العموم أبوحنيفة  .

وهوقول ابن حزم في المحلى(762) .

واستدل ابن حزم بالآية السابقة ثم قال : فَعَمّ تَعَالَى الْأَسْفَارَ كُلَّهَا وَلَمْ يَخُصَّ سَفَرًا مِنْ سَفَرٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] .


وذهب جمهور العلماء إلى أنه لَا يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ فِي مَعْصِيَةٍ الْفطر في نهار رمضان ; لِأَنَّ التَّرْخِيصَ لَهُ في 

الفطروَالتَّخْفِيفَ عَلَيْهِ إِعَانَةٌ لَهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ .

الثلاثاء، 24 مايو 2016

(100)مِنْ مَرْوِيَّاتِيْ عَنْ وَالِدِيْ العَلَّامَةِ الرَّبَّانِيْ مُقْبِل بنْ هَادِيْ الوَادِعِيْ رَحِمَهُ الله

                     
                      من أبرز صفات الحزبية 


 الحزبية ولاؤها ضيق .

 يوالي ويعادي للحزب .

 من كان معنا واليناه.

ومن لم يكن معنا عاديناه.


استفدناه من  دروس والدي الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله .

قلت: وهذا فيه إبطال للحب في الله والبغض في الله ،ودعوة إلى الميوعة والفساد.

بخلاف السني المتمسك بدينه فإنه يوالي كلَّ سني ولو لم يعرفه .

(77)سِلْسِلَةُ الفَوَائِدِالعِلْمِيَّةِ والمَسَائِلِ الفِقْهِيَّةِ

                    
                      من الصفات الحميدة خدمة الإخوان

أخرج البخاري (2801)ومسلم (677)واللفظ لمسلم  عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: جَاءَ نَاسٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: أَنِ ابْعَثْ مَعَنَا رِجَالًا يُعَلِّمُونَا الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهُمْ: الْقُرَّاءُ، فِيهِمْ خَالِي حَرَامٌ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَدَارَسُونَ بِاللَّيْلِ يَتَعَلَّمُونَ، وَكَانُوا بِالنَّهَارِ يَجِيئُونَ بِالْمَاءِ فَيَضَعُونَهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَحْتَطِبُونَ فَيَبِيعُونَهُ، وَيَشْتَرُونَ بِهِ الطَّعَامَ لِأَهْلِ الصُّفَّةِ وَلِلْفُقَرَاءِ، فَبَعَثَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَعَرَضُوا لَهُمْ، فَقَتَلُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا الْمَكَانَ، فَقَالُوا: اللهُمَّ، بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ، وَرَضِيتَ عَنَّا، قَالَ: وَأَتَى رَجُلٌ حَرَامًا، خَالَ أَنَسٍ مِنْ خَلْفِهِ، فَطَعَنَهُ بِرُمْحٍ حَتَّى أَنْفَذَهُ، فَقَالَ حَرَامٌ: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: " إِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ قُتِلُوا، وَإِنَّهُمْ قَالُوا: اللهُمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ، وَرَضِيتَ عَنَّا " .
فكان هؤلاءِ السبعون الذين قُتِلوا رضي الله عنهم -مع كونهم من القرَّاء والعُبَّاد- قوةً ونُصرةً للمسلمين وفي خدمة إخوانهم أهل الصُفَّة وغيرهم .
وأخرج مسلم (1119)عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، قَالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ، أَكْثَرُنَا ظِلًّا صَاحِبُ الْكِسَاءِ، وَمِنَّا مَنْ يَتَّقِي الشَّمْسَ بِيَدِهِ، قَالَ: فَسَقَطَ الصُّوَّامُ، وَقَامَ الْمُفْطِرُونَ، فَضَرَبُوا الْأَبْنِيَةِ وَسَقَوْا الرِّكَابَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ».
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم  وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ .
وعن مجاهد قال: صحبت ابن عمر، وأنا أريد أن أخدمه فكان يخدمني. أخرجه أبونعيم في«حلية الأولياء» (3/254)، والخطيب في «جامعه» (1791).
الصحابي ابن عمر مع جلالته ومنزلته يسابق مجاهدًا فيخدمه ،وهذا تواضع عظيم من ابن عمر رضي الله عنهما.
وخدمة الإخوان عامة كلٌّ بحسب ما يستطيع سواء في نشر علم فيخدمه في رفع الجهل عنه ، أو تعليم،أو إرشاد إلى فتوى لأهل العلم ، أو شفاعة ،أو مساعدة ،أو دعوة لهم بظهر الغيب ومن دعا لأخيه بظهر الغيب يقول الملَك ولك بمثل ،والجزاء من جنس العمل من نفع إخوانه وأحسن إليهم كان الله له فإنه يجزي المحسن على إحسانه . وما أحسن ما جاء أنه قيل  لِابْنِ الْمُنْكَدِرِ: مَا أَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ؟ قَالَ: إِدْخَالُ السُّرُورِعَلَى الْمُؤْمِنِ، قِيلَ:
فَمَا بَقِيَ مِمَّا يُسْتَلَذُّ بِهِ قَالَ: الْإِفْضَالُ عَلَى الْإِخْوَانِ . رواه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/656) بسند صحيح.

والإفضال: الإحسان سواء بخدمة أو كلمة طيبة أومشورة حسنة ،أوعلم .. والله أعلم .

(4)مِنْ أَحْكَامِ الصِّيَامِ

                     الأب أو الأم يمنع من الصيام الولد

إذا كان الصوم واجبًا  فلا يُطاع الوالدان .

لأن الله عزوجل يقول: {فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} .

ويقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ».رواه البخاري(4340) ومسلم (1840) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وإذا كان الصوم نافلة فبر الوالدين أقدم لأنه واجب .

وفي فتاوى اللجنة الدائمة (25/241)ما حكم صيام النفل بدون رضا الوالدين؟
ج: طاعة الوالدين واجبة، وصيام النافلة سنة، فإذا أمرك والداك بترك الصيام النفل وجب عليك طاعتهما.اهـ.

ونرجو لمن كانت نيته صحيحة في محبة الصيام أن يكون من المعذورين الذين يكتب لهم أجر الصيام .

روى البخاري (2839)عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزَاةٍ، فَقَالَ: «إِنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا، مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلاَ وَادِيًا إِلَّا وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ».


(18) (التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ

بسم الله الرحمن الرحيم

اختصارُ درسِ السادس والعشرين من (الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم)

* غزوة فتح مكة: سبب هذه الغزوة نقض قريشٍ للعهد الذي كان بالحديبية. فلم يمضِ من عَقد الصلح إلا سنة ونحو تسعة أشهرٍ ثم نُقِض العقد؛ وذلك أن خزاعة دخلوا في عَقد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية، ودخل بنو بكر في عقد قريش. فاعتدى بنو بكر على خزاعة على ماء يقال له الوتير بسبب ما كان بينهم من الحروب والعداوة. وتساعدت قريش مع بني بكر بالسلاح والرجال، ثم بلغ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك فشرع في الاستعداد للخروج إلى قريش.
* قصة مجيء أبي سفيان المدينة ليشدَّ العقد الذي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ويزيدَ في الأجل بعدما نقض العهد وفيها أن أم حبيبة منعت أباها أن يجلس على فراش النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، رواها ابن إسحاق في السيرة بغير إسناد فالقصة لا تثبت، والله أعلم.
* كان العرب ينتظرون إسلام قريش؛ لأن قريشًا أصحاب قوةٍ وشجاعة وعصبية شديدة لأوثانهم فإذا غلبهم وانتصر عليهم واستسلمت قريش فغيرهم أحرى أن يستسلم وأن ينتصر عليهم، روى البخاري في «صحيحه»  من حديث عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ الجَرْمِيِّ وفيه: «وَكَانَتِ العَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلاَمِهِمُ الفَتْحَ، فَيَقُولُونَ: اتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ، فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الفَتْحِ، بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلاَمِهِمْ».وفي انتصار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على قريش مع أنهم أقوى العرب وأشدها معجزة على صدق نبوته .
* استعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لغزو قريش، وكان مخفيًا ذلك؛ لئلا يصل الخبر إلى قريش من أجل أن يأتيهم فجأةً، وهذا من سياسة الحروب كتمان الأسرار.
* ثم كانت قصة حاطب رضي الله عنه وهي في الصحيحين عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أن حاطب بن أبي بلتعة بعث كتابًا إلى أهل مكة مع امرأة يعلمهم فيه بما همَّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ في «الفتح»: وَسَارَةُ مَوْلَاةُ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَهِيَ الَّتِي وُجِدَ مَعَهَا كِتَابُ حَاطِب. اهـ.
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّا والزبير والمقداد رضي الله عنهم، فوجدوا تلك المرأة في روضة خاخ، وأخذوا منها الكتاب وقد كان حاطب تأول في ذلك مصلحةً تعود عليه رحمه الله وقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ، أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا، وَلاَ رِضًا بِالكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ صَدَقَكُمْ»، قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ، قَالَ: «إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ». وكان هذا من إعلام الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك ومن أعلام نبوته حيث وقع كما أخبر.
وقد أقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عثرتة لفضله فقد شهد بدرًا. ويستفاد منه أن الحسنة الكبيرة قد تكفر السيئة الكبيرة، واستدل به بعض العلماء على أنه يجوز قتل الجاسوس المسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يقل لا يجوز قتله ولكن ذكر أنه من أهل بدر. قال ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد» (3/372): وَالصَّحِيحُ: أَنَّ قَتْلَهُ رَاجِعٌ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، فَإِنْ رَأَى فِي قَتْلِهِ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ قَتَلَهُ، وَإِنْ كَانَ اسْتِبْقَاؤُهُ أَصْلَحَ اسْتَبْقَاهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ.
*وخرج صلى الله عليه وسلم لعشرٍ خَلون من رمضان في عشرة آلاف مقاتل وهو أكبرعدد يخرج معه صلى الله عليه وسلم من حين بدأت الحروب، وأما بعد الفتح فازدادت الأعداد وسيأتي ذلك إن شاء الله في محله. واستخلف صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا رُهم كلثوم بن حصين.
*ولقي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عمه العباس في أثناء الطريق فأسلم. وجاءه ابن عمه وأخوه من الرضاعة أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعبد الله بن أبي أمية أخو أم سلمة مسلمين وقد كانا من أشد الأعداء له صلى الله عليه وسلم. وممن أسلم أيام الفتح أبو قحافة والد أبي بكر الصديق.
* سافر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى مكة وكان صائمًا ولكنه أفطر لما بلغ الكديد على راحلته ليراه الناس. وأرخص لهم الفطر ثم أوجب الإفطار عليهم .أخرج مسلم في «صحيحه» عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وفيه «فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ».
* وقد عمَّى الله على قريش الخبر، إلا أنهم قد خافوا وتوهَّموا من ذلك، فلما كانت تلك الليلة خرج أبو سفيان، وبديل بن ورقاء،وحكيم بن حزام يتجسَّسون الخبر.  وقد منَّ الله على هؤلاء الثلاثة بالإسلام ،وحسن إسلامهم.
* ثم ركب العباس بغلةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلتئذ، فمر بأبي سفيان وأشار عليه أن يركب وراءه ويسلم. فركب وانطلق به النبي صلى الله عليه وسلم ثم أسلم، فقال العباس: يا رسول الله! إن أبا سفيان يحب الشرف، فقال صلى الله عليه وسلم «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن» وقصة إسلام أبي سفيان بطولها في الصحيحة(3341) للعلامة الألباني .
* مسألة فتح مكة كان عَنوة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابهُ فَهُوَ آمِنٌ» رواه مسلم والشاهد أنه قيَّد الأمان بدخول دار أبي سفيان وبإلقاء السلاح وغلق الأبواب.
ولحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ المتفق عليه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ المِغْفَرُ...».
وعند مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أن رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «...تَرَوْنَ إِلَى أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ، وَأَتْبَاعِهِمْ، ثُمَّ قَالَ بِيَدَيْهِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، ثُمَّ قَالَ: «حَتَّى تُوَافُونِي بِالصَّفَا»، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَمَا شَاءَ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا إِلَّا قَتَلَهُ، وَمَا أَحَدٌ مِنْهُمْ يُوَجِّهُ إِلَيْنَا شَيْئًا...» الحديث.
وفي «الصحيحين» من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر حرمة مكة وقال: «...فَإِنَّهَا لاَ تَحِلُّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ...». وهذا قول جمهور العلماء .
وقال بعضهم فتحت صُلْحًا، وهذا قول الشافعي وقول أحمد في رواية عنه.
* أمر صلى الله عليه وسلم الزبير أن يدخل من كَداء من أعلى مكة، وأمر خالدًا أن يدخل من كُدَي من أسفل مكة، وأمرهم بقتال من قاتلهم. ولم يعترض أحد لهم إلا لخالد بن الوليد اعترَض له ومن معه عكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو في جماعة بالخندمة فقاتلهم خالد حتى انهزموا. فقتل من المسلمين ثلاثة وهم: كرز بن جابر، وحبيش بن خالد بن ربيعة، وسلمة بن الميلاء الجهني، رضي الله عنهم. وقتل من المشركين ثلاثة عشر رجلاً، وفرَّ بقيتهم. وقد أسلم عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو بعد ذلك.
* ثم دخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مكة على ناقته وعلى رأسه المغفر متواضعا مع أنه منتصر على عدوه وكلمته هي العالية، وهذا من أسباب النصر التواضع، والاستكانة، وعدم العجب والغرور.
* وقد أمَّن صلى الله عليه وسلم الناسَ إلا أشخاصا فقد أهدر دماءهم، وأمر بقتلهم حيث وُجدوا، حتى ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة فقتِل منهم ابن خطل، ومقيس بن صبابة، والحويرث بن نقيذ، وإحدى القينتين لابن خطل، وآمن الباقون.
* ونزل صلى الله عليه وسلم مكة واغتسل في بيت أم هانئ وصلى ثماني ركعات يسلم من كل ركعتين، وهذا في «الصحيحين». ثم توجَّه إلى البيت وطاف طواف القدوم، ولم يكن محرمًا. ولما جاء الكعبة وجد عندها ثلاثمائة وستين نُصُبًا فجعل يطعنها بعود ويكسرها ويقول ﴿جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ، إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81].
* ثم دعا بالمفتاح ودخل البيت وكان فيها صور فأمر بها فمحيت وصلى في الكعبة. ويستفاد منه إزالة الصور من المكان الذي يُصلَّى فيه، والمبادرة إلى تغيير المنكر.
ويستفاد منه صلاة النافلة في جوف الكعبة ،وهكذا من صلى في الكعبة الفريضة أجزأه وصحت صلاته، لكن الأفضل والأولى: أن تكون الفريضة خارج الكعبة. خروجا من الخلاف، وتأسيا بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه صلى بالناس الفريضة خارج الكعبة كما قال الشيخ ابن باز رحمه الله في مجموع الفتاوى.
* ثم خطب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الغد من يوم الفتح وبيَّن لهم أن حرمة مكة باقية ويستفاد منه الخطبة عند الاحتياج والمناسبات.
* ثم بعث صلى الله عليه وسلم السرايا حول مكة يدعوهم إلى الإسلام ، ومن جملتهم خالد بن الوليد بعثه إلى بني جَذِيمَةَ وكانوا يقولون: صبأنا أي: أسلمنا، فقاتلهم خالد بن الوليد، فلما بلغ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تبرَّأ مما صنع خالد بن الوليد. وقد بعث خالد أيضاً إلى العزَّى، فدمَّرها رضي الله عنه.
* قول الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر]الآيات. قال ابن كثير: في تفسير هذه الآية: والمراد بالفتح هنا فتح مكة قولًا واحدًا. اهـ.

* هذاوقد خاف الأنصار لمَّا رأوا شفقة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورأفته بقريش خافوا أن يرجع إلى مكة ويقيم بها ويترك المدينة فقالوا: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ، وَرَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ ثم قَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ للأنصار: «كَلَّا، إِنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، هَاجَرْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ، وَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ»، فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَبْكُونَ وَيَقُولُونَ: وَاللهِ، مَا قُلْنَا الَّذِي قُلْنَا إِلَّا الضِّنَّ –البخل-بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ.والله أعلم.