جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 30 أغسطس 2015

مسائل وفوائد/من قوله تعالى{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ ..}

       
                                                     بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} .
من فوائدهذه الآية
1-دليل على البعد عن الاختلاط سواء بالخَدَم أو بغيرهم .
امرأة العزيزلما اختلطت بيوسف ظهر ما في كامنها وحاولت منه أن يوافقها على ذلك لكن الله عصمه .
وهذا هو الذي يهتف إليه أعداء الله الاختلاط لما يعلمون من عِظَمِ خطره وضرره إذ هو يدعو إلى الفساد والفواحش وفتنةِ القلب ومرضِه ، ومرضُ القلب أشد من مرض البدن .
2- مراودة امرأة العزيز ليوسف عن نفسه ،وهذا أعظم نواع الابتلاءات التي ابتُلِي بها يوسف.
3-صبر يوسف فإنه شاب عازب وأمامه امرأة تغريه وتدعوه فامتنع .
ويشمل يوسف حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله ومنهم (وامرأة دعته ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله تعالى ).
4-لجوءيوسف إلى ربه واعتصامه به لقوله { مَعَاذَ اللَّهِ }.
وهكذا يكون الإنسان عند الفتن جميعِها الحذر واللجوء إلى الله .
والفتنُ في زمانِنا عمَّت وطمَّت و{ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ } .
ومن المصيبة التهافُتُ في الفتن والاندفاع إلى الفتن كفتنة التحزُّبات والبدع والتفرُّق عن هوى والطعون في الأشخاص لغرض التشَفِّي والحزازات النفسيَّة ، وفتنة الدنيا حتى وقعوا في سُكْر الدنيا وغطَّى على قلوبِهم ومشاعِرهم فمحادثتُهم دنيوية وتفكيراتُهم دنيوية ومجالسهم دنيوية وأعمالهم دنيوية والله عزوجل يقول { وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى}ويقول { وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} .
5-مقابلة الإحسان بالإحسان {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ } .
فالإحسان لا يقابُل بالإساءة والخيانة والخداع والمكر إنما يفعل هذا اللئامُ من الناس.
إن أنتَ أكرمتَ الكريم َملكتَه   وإن أنت أكرمت اللئيم تمرَّدا
وهناك مثَل : (اتقِ شرَّ من أحسنتَ إليه ) .
وهذا المثَل استفدنا من الوالد الشيخ مقبل رحمه الله أنه :ليس بحق فإنه يزهد في الخير .
6-نفي الفلاح عن الظالم .وفي آية سورة طه { وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمً } .

وبالله التوفيق .

الجمعة، 28 أغسطس 2015

المعاصي في أشهرالحرام والإحرام

                      
                             بسم الله الرحمن الرحيم                            
لقد اقتضت حكمة الله سبحانه أن المعاصي والذنوب تتفاوت فبعضها كبير وبعضها أكبر ومنها الصغائر .
وأعظم معصية هي معصية الشرك لأنه ذنبٌ من لقي الله به كان خالدا مخلداً في النار .
المعاصي كلها قبيحة ذميمة لا يستهان بشئ منها ورُّب معصية تسبب الانتكاسة والخذيلة فإن ربنا سبحانه يقول { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} .
ولو كان قبل المعصية  من الحسنات والطاعات الشئ الكثير ففي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  الحديث  وفيه«وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُ النَّارَ» .
وإن من رحمة الله أنَّ المعصية لا تُضاعف في عددها وكميتها يقول الله تعالى { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} . دلَّت الآية أن الحسنة تُضاعف وأن السيئة بمثلها فالحسنة بعشر أمثالها { وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}  وهذا من فضل الله أن الحسنة بعشر أمثالها وهذا ملازم لكل حسنة .
ولكنها قد تضاعف الحسنة أضعافا كثيرة والله يضاعف لمن يشاء فقد تضاعف أحيانا بسبب الزمان والمكان ففي المسجد الحرام الصلاة بمائة ألف صلاة وفي المسجد النبوي الصلاة بألف صلاة  .
حسنة الصيام تضاعَف بما لا يعلم عدده إلا الله (قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ..) .
حسنة الصبر { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }.الصبر بأنواعه الثلاثة الصبر على طاعة الله والصبر عن معاصي الله والصبر على أقدار الله المؤلمة .
 قال ابن رجب في لطائف المعارف 150:وتجتمع الثلاثة في الصوم فإن فيه صبراً على طاعة الله ،وصبراً عمَّا حرم الله على الصائم من الشهوات ،وصبراً على ما يحصل للصائم فيه من ألم الجوع والعطش وضعف النفس والبدن ،وهذا الألم الناشيء من أعمال الطاعات يثاب عليه صاحبه كما قال الله تعالى في المجاهدين: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}اهـ.
حسنة الصدقة يقول عنها ربنا { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }  .
وقال في الآية الأخرى { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } .
قلت :في الآية أن النفقة في سبيل الله تضاعف بسبعمائة ضعف لأنه قال :{سبع سنابل }وكل سنبلة فيها مائة حبة يصير المجموع سبعمائة حسنة .
هذا بالنسبة للحسنة .
أما المعصية فإنها لا تضاعف  لكنها قد تعظم ، قد تكون غليظة .
ففي الأشهر الحُرُم وهي (ذو القعدة وشهر الحج ومحرم ورجب )يقول الله تعالى في الأشهر: { مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}  إشارة إلى أن المعاصي في أشهر الحرم أعظم من المعاصي في غيرها كالظلم والغيبة والنميمة والكذب والاعتداء والبدع .
وفي أشهر الإحرام وهي (شوال وذوالقعدة وذو الحجة )يقول الله { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}.
وفي المسجد الحرام يقول الله سبحانه { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}.
كما أن معصية العالم أشد من معصية الجاهل يقول الله تعالى  { وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا  إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا}  .
وقال سبحانه في نساء الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم  { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} .
قال ابن القيم في إعلام الموقعين(2/84): وَهَذَا عَلَى وَفْقِ قَضَايَا الْعُقُولِ وَمُسْتَحْسِنَاتهَا؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ كُلَّمَا كَمُلَتْ نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ تَكُونَ طَاعَتُهُ لَهُ أَكْمَلَ، وَشُكْرُهُ لَهُ أَتَمَّ، وَمَعْصِيَتُهُ لَهُ أَقْبَحَ، وَشِدَّةُ الْعُقُوبَةِ تَابِعَةٌ لِقُبْحِ الْمَعْصِيَةِ؛ وَلِهَذَا كَانَ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمًا لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ، فَإِنَّ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ بِالْعِلْمِ أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَى الْجَاهِلِ، وَصُدُورُ الْمَعْصِيَةِ مِنْهُ أَقْبَحُ مِنْ صُدُورِهَا مِنْ الْجَاهِلِ، وَلَا يَسْتَوِي عِنْدَ الْمُلُوكِ وَالرُّؤَسَاءِ مَنْ عَصَاهُمْ مِنْ خَوَاصِّهِمْ وَحَشَمِهِمْ وَمَنْ هُوَ قَرِيبٌ مِنْهُمْ وَمَنْ عَصَاهُمْ مِنْ الْأَطْرَافِ وَالْبُعَدَاءِالخ .
هذا ما أردت التنبيه عليه الشعور بأننا في أشهر الحُرُم وأشهرالإحرام لنحذر من المعاصي فيها ،واستغلالها في الخير والذكروالطاعة لرب العالمين لتتضاعف الحسنات ، والدنيا هي مزرعة للآخرة وفي الآخرة يكون الحصاد إما خيراً أو شراً والعياذ بالله { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}.
جعلنا الله مفاتيح للخير مغاليق للشر.

أختكم أم عبدالله الوادعية .

الثلاثاء، 25 أغسطس 2015

حكم تصوير ذوات الأرواح

                                         
                                               بسم الله الرحمن الرحيم
هذه المسألة مما تساهل فيها كثير من الناس لأن الميزان عندهم الأكثرية في معرفة الحق إلا من رحم ربي .
وهذا خطأ وقد قال ربنا {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} وقال سبحانه { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} .
قال الشوكاني في " أدب الطلب ومنتهى الأرَب" ص 90: فالمعيار الَّذِي لَا يزِيغ أَن يكون طَالب الْعلم مَعَ الدَّلِيل فِي جَمِيع موارده ومصادره لَا يثنيه عَنهُ شَيْء وَلَا يحول بَينه وَبَينه حَائِل اهـ .
وبعضهم وقع في التساهل تقليداً بسبب شبهةِ ظهورِ صوربعض الأفاضل .والله سبحانه تعبَّدنا بالأدلة والواجب أن ننظر إلى دليلهم ولا نفرح لأنه يوافق هوى أنفسنا نعوذ بالله.
 وقد أخرج ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله "(2/91)بسند صحيح عن سليمان التيمي: لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله.
قال ابن عبدالبر: هذا إجماع لا أعلم فيه خلافًا.
فلا بد من النظر في دليل العالِم وإلا كنا مقلدين في ديننا وهذا مذموم في شرعنا.
مع أننا نجد فتاوى لهؤلاء الأفاضل في تحريم التصوير .ثم العبرة بالدليل .
أخرج مسلم في صحيحه (2110)عن ابن عَبَّاسٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ».
صورة نكرة في سياق الشرط وهذا يفيد العموم .
سواء صور حيواناً أوإنساناً له ظل أو ما له ظل .
الذي يصور يضاهي رب العالمين أخرج البخاري (5953)ومسلم (2111) عن أبي هريرة رضي الله عنه  سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً، وَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً».
وأخرج مسلم في صحيحه (969) عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ «أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ». وفي رواية لمسلم صُورَةً إِلَّا طَمَسْتَهَا .
صورة نكرة في سياق النفي وهذا يفيد العموم .
وأخرج الترمذي في سننه (2574)عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ لَهَا عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ وَلِسَانٌ يَنْطِقُ، يَقُولُ: إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلَاثَةٍ، بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَبِالمُصَوِّرِينَ " والحديث صحيح .
والأدلة عامة سواء صورة حيوان أو صورة إنسان أو كانت صورة لها ظل أوليس لها ظل مجسدة أو غير مجسدة.
أما ما كان له ظل فقال النووي في شرح صحيح مسلم : وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِ مَا كَانَ لَهُ ظِلٌّ وَوُجُوبُ تَغْيِيرِهِ اهـ .
وأما ما ليس له ظل كالصورة في سيارة أو في  الجدار أو في الثياب فحرام على ما تقتضيه الأدلة وقد عزا النووي التحريم إلى جمهور العلماء وهو قول أحمد .
قال النووي في شرح صحيح مسلم : ولافرق فى هذا كله –أي في التحريم -بين ماله ظل ومالاظل لَهُ هَذَا تَلْخِيصُ مَذْهَبِنَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَبِمَعْنَاهُ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ.
وهو قول الشيخ ابن باز فقد ذكر في مقدمة "إعلان النكير على المفتونين بالتصوير"للإمام التويجري رحمه الله  أنه غلط غلطا فاحشا من فرَّق بين التصوير الشمسي والتصوير النحتي .
وبعبارة أخرى بين التصوير الذي له ظل والذي لاظل له .لأن الأحاديث الصحيحة تعم النوعين كذا يقول الشيخ ابن باز.
وهذه الرسالة قدَّم لها الشيخ ابن باز وحث على قراءتها من أولها إلى آخرها وتفهُّم معناها .
قلت : وهو قول الوالد الشيخ مقبل رحمه الله وله رسالة بعنوان "تحريم تصوير ذوات الأرواح" .
إذاً تبين أن الجماهير على تحريم تصوير ذوات الأرواح سواء لها ظل أوليس لها ظل .
أما من قال :ما ليس له ظل جائز فيرد عليه بعمومات الأدلة وبأدلة خاصة كحديث النمرقة .
أخرج البخاري  (5181)ومسلم (2107)عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى البَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الكَرَاهِيَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، مَاذَا أَذْنَبْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟» قَالَتْ: فَقُلْتُ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ "
وَقَالَ: «إِنَّ البَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لاَ تَدْخُلُهُ المَلاَئِكَةُ» .
قال النووي في شرح صحيح مسلم :قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ إِنَّمَا يَنْهَى عَمَّا كَانَ له ظل ولابأس بِالصُّوَرِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا ظِلٌّ وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ فَإِنَّ السِّتْرَ الَّذِي أَنْكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّورَةَ فِيهِ لَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّهُ مَذْمُومٌ وَلَيْسَ لِصُورَتِهِ ظِلٌّ مَعَ بَاقِي الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ فِي كُلِّ صُورَةٍ.
قلت : وهو قول الإمام أحمد قال ابن قدامة في المغني(7/285) قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: الرَّجُلُ يَكْتَرِي الْبَيْتَ فِيهِ تَصَاوِيرُ، تَرَى أَنْ يَحُكَّهَا؟ قَالَ: نَعَمْ.
 قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: دَخَلْت حَمَّامًا، فَرَأَيْت صُورَةً، أَتَرَى أَنْ أَحُكَّ الرَّأْسَ؟ قَالَ: نَعَمْ اهـ المراد.
والحك يفيد أنها صورة ليس لها ظل .
شبهة والجواب عنها
وأما مارواه البخاري (5958) ومسلم (2106)عن أَبِي طَلْحَةَ، صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ» قَالَ بُسْرٌ: ثُمَّ اشْتَكَى زَيْدٌ بَعْدُ، فَعُدْنَاهُ فَإِذَا عَلَى بَابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ، قَالَ: فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللهِ الْخَوْلَانِيِّ، رَبِيبِ مَيْمُونَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ يُخْبِرْنَا زَيْدٌ عَنِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْأَوَّلِ؟ فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَالَ: «إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ».
وقد أجاب النووي في شرح صحيح مسلم عن هذا الحديث وقال : قوله (إلارقما فِي ثَوْبٍ) هَذَا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ باباحة ما كان رَقْمًا مُطْلَقًا كَمَا سَبَقَ وَجَوَابُنَا وَجَوَابُ الْجُمْهُورِ عَنْهُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى رَقْمٍ عَلَى صُورَةٍ الشَّجَرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ بِحَيَوَانٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا جَائِزٌ عِنْدَنَا .
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : يحتمل أن يكون ذلك قبل النهي .
. وهذه عبارة عن تذكير ونصيحة ولا نيأس من رجوع من عنده صدق في معرفة الحق. وقد قال ربنا سبحانه { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} .
وهداية التوفيق هي بيد ربنا سبحانه ولكن {إن عليك إلا البلاغ} ولا نستطيع هداية أنفسنا فضلاً عن غيرنا .
نسأل الله أن يبصرنا بما ينفعنا وأن يرزقنا التوفيق .

أختكم أم عبدالله الوادعية .

الاثنين، 24 أغسطس 2015

بدأ( كتاب الصلاة ) /من عمدة الأحكام ليلة الأحدالموافق 1436/11/8.

 قال:الإمام الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي رحمه الله
         كتاب الصلاة
الصلاة لغة:الدعاء ومنه  قوله تعالى{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَك سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة : 103] .
وقال الشاعر :
لَهَا حَارِسٌ لَا يَبْرَحُ الدَّهْرَ بَيْتَهَا ... وَإِنْ ذبحت صلّى عليها وزمزما
(صلى) أي دعا لها .
الذَبْحُ: الشَقُّ   كما في الصحاح .
وزمزم بمعنى ترنَّم .
والصلاة شرعا:عبادة ذات أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم .
واختلف أهل العلم من أي شي اشتقت  الصلاة على أقوال:
قال ابن كثير في تفسيره : قِيلَ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الصَّلَوَيْنِ إِذَا تَحَرَّكَا في الصلاة عند الركوع والسجود، وهما عِرقان يمتدان من الظهر حتى يكتنفان عجْب الذَّنْب ومنه سمي المصلِّي وهو التالي لِلسَّابِقِ فِي حَلْبَةِ الْخَيْلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ.
وَقِيلَ هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الصَّلَى وَهُوَ الْمُلَازَمَةُ لِلشَّيْءِ من قوله تعالى: لا يَصْلاها أي لا يَلْزَمُهَا وَيَدُومُ فِيهَا إِلَّا الْأَشْقَى [اللَّيْلِ: 15] .
وَقِيلَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ تَصْلِيَةِ الْخَشَبَةِ فِي النَّارِ لِتُقَوَّمَ كَمَا أَنَّ الْمُصَلِّيَ يُقَوِّمُ عِوَجَهُ بِالصَّلَاةِ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [الْعَنْكَبُوتِ: 45] .
وَاشْتِقَاقُهَا مِنَ الدُّعَاءِ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
وهذه أربعة أقوال ذكرها ابن كثيرفي اشتقاق الصلاة الشرعية أي من أي شيء اشتقت ؟.
وقوله عجْب الذنب : العصعص وهو  العظم الذي بين الوركين .
وقول ابن كثير :( ومنه سمي المصلِّي ) .
أي من الصلوين سمي المصلِّي وهو الفرس التالي للسابق لأنه يضع رأسه عند صلوي الفرس السابق.
والحَلَبَةُ، بالفتح: الدُّفْعَةُ من الخَيْلِ في الرِّهانِ، وخَيْلٌ تَجْتَمِعُ للسِّباقِ من كلِّ أوْبٍ للنُّصْرَةِ كما في القاموس .
وقوله : وَقِيلَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ تَصْلِيَةِ الْخَشَبَةِ فِي النَّارِ .أي مشتق من تصلية العود الذي يوضع في النار من أجل تليينه وإقامة اعوجاجه فالمصلي يقوم اعوجاجه بالصلاة لأن الصلاة تصلح باطنه وظاهره ومساوئه وأخطاءه . واستدل لذلك ابن كثير بقوله تعالى{ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ } .
والحافظ ابن كثير يرجح أن الصلاة الشرعية مشتقة من الدعاء .

قال الإمام الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي رحمه الله
                       باب المواقيت
المواقيت جمع ميقات قال الجوهري في "الصحاح " الميقات: الوقتُ المضروب للفعل، والموضعُ. يقال هذا ميقات أهل الشام، للموضع الذي يحرمون منه.
وقال البعلي في " المطلع على ألفاظ المقنع" :هو الزمان والمكان المضروب للفعل.
وهو قسمان
1-مواقيت زمانية كمواقيت الصلاة وكأشهر الحج .
2-مواقيت مكانية كمواقيت الْإِهْلَالِ بالحج والعمرة وفي ذلك ما في الصحيحين عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّأْمِ الجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ، فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ» .

قال الإمام الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي رحمه الله
عن أبي عمروا الشيباني -واسمه سعد بن إياس -قال:حدثني   صاحب هذه الدار-وأشاربيده إلى دار عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:سألت النبي صلى الله عليه وسلم:أي اﻷعمال أحب إلى الله عزوجل ؟ قال: (الصلاة على وقتها) قلت :ثم أي؟ قال: (بر الوالدين) قلت :ثم أي؟ قال: (الجهاد في سبيل لله)قال حدثني بهن رسول الله صل الله عليه وسلم.
 ولو استزدته لزادني .
الحديث فيه من الفوائد
1-أن اﻷعمال الصالحة تتفاوت في الفضل فبعضهما أفضل من بعض .
وقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل (أي العمل أفضل فقال إيمان بالله ورسوله قيل ثم ماذا قال الجهاد في سبيل الله قيل ثم ماذا قال حج مبرور).
وأخرج الترمذي وغيره من حديث أبي الدرداءأن النبي صلى الله عليه وسلم «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ» ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى» .
وقد اشتُكل الجمع بين هذه اﻷحاديث وما في معناها فأن ظاهرها الاختلاف.
 وقد جمع بعض العلماء بينها بأن ذلك باعتبار اﻷشخاص واﻷحوال
فمن كان مطيقا للجهاد فأفضل أعماله الجهاد .
ومن كان كثير المال فأفضل الصدقة .
ومن كان غير متصف بأحد الصفتين المذكورتين فأفضل أعماله الذكر والصلاة ونحو ذلك .
-ومنهم من قال هناك (من)مقدر أي من أفضل اﻷعمال .
راجعي إحكام اﻷحكام لابن دقيق العيد  في هذا الموضع
وفتح الباري للحافظ ابن حجر (527)
وتحفة الذاكرين للشوكاني صفحة(18) .
2- إثبات صفة المحبة لله عزوجل .
وهذه الصفة من الصفات الفعلية نؤمن بها ولانؤلها ولانكيفها قال تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى : 11]
3- فضل الصلاة في أول وقتها ويشمله قول ربنا عزوجل{ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ } [البقرة : 148] وقوله تعالى
{سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد : 21]
وهناك زيادة خارج الصحيحين (في أول وقتها )ولكنها قد أعلت وقد تكلم ابن حجر في فتح الباري (527)على طرقها.
وهناك حديث(أول الوقت رضوان الله وأوسطه رحمة الله وآخره عفوالله)
ولكنه حديث ضعيف جدا وهومن أحاديث بلوغ المرام .
4-قوله (ولو استزدته لزادني )دليل على شفقه الطالب على معلمه فلايرهقه بكثرة اﻷسئلة أويوقعه في الضجروالملل .
وكثرة اﻷسئلة إذا كان يؤدي إلى إرهاق الشيخ وتضجُّره هذا لا ينبغي  . ابن مسعود يقول( ولواستزدته لزادني) وابن مسعود من أحرص الصحابة على العلم لكنه اكتفى بهذه اﻷسئلة شفقة على النبي صلى الله عليه وسلم .
وربما وقع منه في هذا الحال قسوة ونفرة من الطالب، قال الخطيب رحمه الله  في جامعه (رقم 413) والإضجار يُغيِّر الأفهام، ويفسد الأخلاق، ويحيل الطباع. اهـ.
وقد حدث سعيد بن جبير يومًا بحديث فاستعاده تلميذه أيوب السختياني فقال: ما كلَّ ساعة أحلب فأشرب. والأثر ثابت عند الخطيب في جامعه والدارمي في مقدمة سننه وغيرهما.
وحدَّث أبو معاوية محمد بن خازم الضرير، فألح عليه بعضهم بالإعادة، وجعلوا يقولون له: الأعمش عمن؟! فقال: الأعمش عن إبليس! من الضجر. أخرجه الخطيب في جامعه (414) وهو صحيح.
وقال مسعر بن كدام وقد أزعجوه: من أبغضني جعله الله مُحَدِّثاً. والأثر عند أبي نعيم في الحلية (7/201) والخطيب في «الجامع» وغيرهما.
وكان طلاب شعبة يقولون له: يا أبا بسطام، يا أبا بسطام؟ فقال: لا أحدث اليوم من قال: يا أبا بسطام.
وكل هذه الآثار ثابتة.
فهذا  من اﻷدب أن لايعَّرِض الطالب شيخه للقسوة ولايرهقه .
5- إلقاء عدد من اﻷسئلة في وقت واحد .
أما حديث(  وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعةالمال) فكثرة السؤال هذا إذا كان عن تعنت لايريد إستفادة أو في أمور لايحتاج لها وفي أمور استأثر الله بعلمها مثل السؤال عن كيفية  صفات الله عزوجل فإن الله عزوجل يقول {ولا يحيطون به علما } والسؤال عن الوقت الذي تقام فيه الساعة وما أشبه ذلك .
6-بيان أسئلة الصحابة وأنها أسئلة علمية وهذا من حُسن السؤال الذي يقول عنه أهل العلم (حُسن السؤال نصف العلم ).
واﻷسئلة العلمية المفيدة توفيق من الله أخرج مسلم من حديث أبي أَيُّوبَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا عَرَضَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم  وَهُوَ فِي سَفَرٍ فَأَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ أَوْ بِزِمَامِهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي بِمَا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ وَمَا يُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَكَفَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم    ثُمَّ نَظَرَ فِي أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: <لَقَدْ وُفِّقَ، أَوْ لَقَدْ هُدِيَ، قَالَ: كَيْفَ، قُلْتَ: قَالَ: فَأَعَادَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم  : تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ دَعِ النَّاقَةَ>.
 وكما قال بعض السلف: للعلم أقفلة ومفاتيحها المسألة .
وثبت في "المعرفة والتاريخ للفسوي عن ابن شهاب أنه قال: إنما هذا العلم خزائن، وتفتحها المسألة.
نسأل الله أن ينفعنا ويفقهنا في دينه.

******************************
قال الإمام الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي
عن عائشة رضي الله عنهاقالت (لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن مايعرفهن أحد من الغلس )
فيشهد /فيحضر
متلفعات /مشتملات
بمرطهن /المرط الكساء
الغلس  /اختلاط ضوء الصبح بظلمةالليل
[من فوائد الحديث]
1-جوازشهود المساجد النساءلصلاة الجماعة .وهذا إذا أُمنت الفتنة على النساء وهكذا أُمن  على الرجال من الفتنة بهن .
وهناك أيضا آداب أخرى لخروج المرأة المسجد للصلاة .
-أن تخرج وهي متسترة .
ألا تتطيب فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (أيما أمرأة أصابت بخورا فلاتشهد معنا العشاء اﻵخرة .)
وثبت في سنن أبي داود بسند حسن ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَلَكِنْ لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلَاتٌ» .
 أي غير متطيبات .
 وقال (أي أمرأة استعطرت فمرت بالقوم ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا  ) أي زانية .
وهذا يدل أنه كبيرة من الكبائر أن يجد الرجال رائحة الطيب والبخور من النساء .
(البخور)بفتح الباء كما قال  النووي .
- اجتناب مزاحمة الرجال والله أعلم .
-ومع جواز ذهاب النساء إلى المسجد فإن اﻷفضل أن يصلين في بيوتهن لمارواه أبوداوود (لاتمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن)
هذا هو اﻷفضل وأصله في الصحيحين بدون زيادة (وبيوتهن خير لهن).
وفي هذا المعنى ما رواه أبوداود بسند صحيح   عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا» .
2-وهذا الحديث من أدلة حجاب المرأة بأنها تخرج متسترة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (المرأة عورة)رواه الترمذي عن ابن مسعود .
وقال ربنا عزوجل
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب : 59]
وقال :{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ۖ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور : 60]
فهذا أفضل ولوكانت كبيرة السن أفضل لها تخرج متسترة ومغطية لوجهها وكفيها .
 ومفهوم الآية أن المرأة التي ليست كبيرة في السن يلزمها التستر ومنه تغطية الوجه والكفين عند اﻷجانب.
 أما مارواه أبو داوود من طريق سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ خَالِدٍ  بْنِ دُرَيْكٍ: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «يَا أَسْمَاءُ، إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا» وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيه .
فهذا حديث ضعيف .قال أبوداود عقبه : هَذَا مُرْسَلٌ، خَالِدُ بْنُ دُرَيْكٍ لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا اهـ .
 وسعيد بن بشير ضعيف . وقد خالفه من هوأرجح منه وهوهشام ابن أبي عبدالله الدستوائي فروى الحديث مرسلاً وهو أحد اﻷثبات في قتادة .
أثبت الناس في قتادة ثلاثة
1-هشام الدستوائي
2- شعبة ابن الحجاج
3- سعيدابن أبي عروبة
وفائد   معرفة اﻷثبات 
الترجيح عند المخالفة والله أعلم .

3- من فوائد الحديث ما بوَّب الإمام البخاري (باب في كم تصلي المرأة من الثياب )
وقال عكرمة  «لَوْ وَارَتْ جَسَدَهَا فِي ثَوْبٍ لَأَجَزْتُهُ» .
-وارت /غطت
الشاهد :أن صلاة النساء متلفعات بمرطهن فيه احتمال أنهن يصلين في ثوب واحد .
وقد اختلف العلماء كم تصلي المرأة فيه من الثياب
منهم من قال : تصلي في درع وخمار .
-الدرع /القميص
-والخمار/مايغطي الرأس
وذكر ابن المنذر في اﻷوسط (5/75) عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُخَمِّرَ فِي الصَّلَاةِ جَمِيعَ بَدَنِهَا سِوَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَيَجْزِيهَا فِيمَا صَلَّتْ فِي ثَوْبٍ، أَوْ ثَوْبَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ، أَوْ أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ إِذَا سَتَرَتْ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتُرَهُ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا أَحْسِبُ مَا رُوِيَ عَنِ الْأَوَائِلِ مِمَّنْ أَمَرَ بِثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ، أَوْ أَرْبَعَةٍ إِلَّا اسْتِحْبَابًا وَاحْتِيَاطًا لَهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ اهـ .
فالمطلوب أن تستر المرأة بدنها ولا يلزم أن تصلي في ثوبين أو ثلاثة .
-وأهل العلم أن المرأة تستر جميع بدنها في الصلاة سوى وجهها وكفيها .
وهكذا أيضا  على الصحيح  كشف القدمين للمرأة في الصلاة .
وجمهور العلماء على وجوب تغطية القدمين في الصلاة للمرأة.
وذهب أبو حنيفة وجماعة من العلماء وهو اختيار شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى واختيار الشيخ مقبل رحمه الله -أنه لايجب تغطية القدمين في الصلاة.
وأما مارواه أبوداود في سننه عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ لَيْسَ عَلَيْهَا إِزَارٌ؟، قَالَ: «إِذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا» .
فهو حديث ضعيف لايستدل به على المنع فيه( أم محمد بن زيد بن  قنفذ)مجهولة .
واﻷفضل لها تغطية القدمين لقوله تعالى} يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } [الأعراف : 31]
أي عند كل صلاة والله أعلم .
1من فوائد الحديث أيضاً
    التعجيل بصلاة الفجر في أول وقتها وهذا قول جمهور العلماء .
 وهناك من يرى أن الإسفار أفضل .
قال الخطابي في معالم السنن : قال الثوري وأصحاب  الرأي الإسفار أفضل.
 وأصحاب الرأي :هم الحنفية كما أفادنا الوالد رحمه الله تعالى .
ودليلهم على الإسفارما جاء عن رافع ابن خديج الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(أسفروا بالصبح فإنه أعظم ﻷجوركم )ولكن المراد بالحديث التأكد من طلوع الفجر كما قال الإمام أحمد والله أعلم .
وقوله (مايعرفهن أحد من الغلس )أي أنهن لايعرفن أرجال أم نساء.
وبهذا ننتهي .والحمدلله .

الأحد، 23 أغسطس 2015

تتمة درس /باب الحيض من عمدة الأحكام .

   قوله في الحديث السابق ( ثم اغتسلي وصلي) (فاغسلي عنك الدم ) قال ابن رجب في فتح الباري (2/66)يجمع بين الروايتين ويؤخذ بهما في وجوب غسل الدم والاغتسال عندَ ذهاب الحيض.
وفيه من الفوائد مع ما تقدم
1-الغسل للمرأة إذا طهرت من الحيض .
قال ابن قدامة في المغني (1/154)لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ اهـ .
-وهل يجوز للزوج أن يجامع امرأته إذا انقطع عنها دم الحيض قبل أن تغتسل؟.
 للعلماء قولان في المسألة
1-أنه لايجوز له أن يجامعها قبل الغسل أو تتيمم إذا تعذر استعمال الماءوهذا قول جمهور أهل العلم .حتى قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هَذَا كَالْإِجْمَاعِ مِنْهُمْ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرُّوذِيُّ: لَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا كما في المغني.
والدليل قوله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة] : [222]
-فإذا تطهرن / أي اغتسلن
2- القول الثاني أنه يجوز له أن يجامعها قبل الاغتسال إذا انقطع عنها الدم وهذا قول مجاهد وعكرمة وطاووس ويحيى بن بُكير من المالكية وجماعة آخرين .
يراجع تفسير القرطبي وابن كثير عند الآية المذكورة .
والأول هو الصحيح للآية المذكورة {فإذا تطهرن } .

-قال الإمام أبو محمد عبد الغني بن عبدالواحد المقْدَسِيِّ رحمه الله في عمدة الأحكام
 عن عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فأمرها أن تغتسل فكانت تغتسل لكل صلاة .
ش
(استحيضت) الاستحاضة :جريان الدم من أدنى رحم المرأة في غير أوانه .
والدماء التي تخرج من المرأة ثلاثة أنواع
1-دم حيض .
2- دم استحاضة .
3- دم نفاس .
<من فوائدالحديث>
1-أن أم حبيبة ابتليت بالاستحاضة سبع سنين .
2- سؤال أهل العلم .والله عزوجل يقول {ۖفَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء : 7]
3- الغسل عند انتهاء مدة الحيض . لأن قول عائشة( فأمرها أن تغتسل) يُراد به الغسل عند انقطاع الحيض .
 قال ابن رجب في فتح الباري : النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما أمرها أن تغتسل إذا ذهبت أيام حيضتها، فلا يدخل في ذَلِكَ غير الغسل عند فراغ حيضتها، وأما ما فعلته فَقد تكون فعلته احتياطاً وتبرعاً بذلك -: كذلك قاله الليث بنِ سعد وابن عيينة والشافعي وغيرهم مِن الأئمة.
ويدل على أن أمرها بالغسل لَم يعم كل صلاة: أن عائشة روت أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرها أن تغتسل، وقالت عائشة: (فكانت تغتسل لكل صلاة) ، فدل على أن عائشة فهمت مِن أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غير ما فعلته المستحاضة، وعائشة راوية الحديث، وهي أفقه وأفهم مِن غيرها مِن النساء.
فقولها (وكانت تغتسل لكل صلاة ) .
هذا اجتهاد من أم حبيبة رضي الله عنها.
فقد روى الإمام مسلم (3034)
عن الليث ابن سعد أنه قال لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله أمر أم حبيبة أن تغتسل عند كل صلاةولكنه شي فعلته هي. وقد جاء في بعض الروايات( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة أن تغتسل لكل صلاة )ولكنها معلة وبعضها ضعيفة السند وقد أعلها جماعة من الحفاظ فعلى هذا لا يستحب للمستحاضة أن تغتسل لكل صلاة .
قال ابن عبد البر في التمهيد (16/99)وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْمَرْفُوعَةُ فِي إِيجَابِ الْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ وَالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ فَكُلُّهَا مُضْطَرِبَةٌ لَا تَجِبُ بِمِثْلِهَا حُجَّةٌ اهـ .
وراجعي فتح الباري لابن رجب .والله أعلم .
- قال الإمام أبو محمد عبد الغني بن عبدالواحد المقْدِسِيِّ رحمه الله في عمدة الأحكام
 (عن عائشة رضي الله عنها قالت :كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد كلانا جنب)
 (وكان يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض )
(وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف فأغسله وأنا حائض)
ش
هذه ثلاث روايات
-الرواية-اﻷولى (كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد كلانا جنب)
<الفوائد>
1-    فيه حسن عشرة النبي صلى الله عليه وسلم ﻷهله فإن اغتساله مع أهله من إناء واحد يجلب اﻷُنس والمودة.
 وحياة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته كلها أخلاق عالية مع أهله وهو القائل (خيركم ﻷهله وأنا خيركم ﻷهلي)وفي صحيح البخاري عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ - تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ».
(مهنة أهله) أي خدمة أهله.
 فهذه حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهذه أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وقد وصفه ربه بقوله {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم] .
 2- جواز نظر الرجل إلى فرج امرأته والعكس نظر المرأة إلى فرج زوجها.
أما مارواه ابن ماجة في سننه (1922)والترمذي في الشمائل (342)من طريق مولى لعائشة (عن عائشة رضي الله عنها قالت مارأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط)فهوحديث ضعيف . فيه مبهم وهو مولى لعائشة.
 الرواية الثانية :(وكان يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض )
-قولها فأتزر/أي تلبس إزارا يسترها من السرة إلى الركبة .
وقولها فيباشرني /المباشرة التقاءالبشرتين .
والبشرة ظاهر الجلد .
وفيه دليل على جوازمباشرة الحائض من فوق الإزار .
ومباشرة الحائض على ثلاثة أقسام
1-المباشرة في الفرج وهذا حرام  بالدليل والإجماع قال تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ َۖ} [البقرة : 222]
وإذا جامعها وهي حائض فهو آثم .
وهل عليه كفارة ؟قولان للعلماء
والصحيح أنه ليس عليه كفارة ولكن عليه التوبة الصادقة
 أما الكفارة فيها حديث معل وهو حديث ابن عباس في الذي يأتي أمرأته وهي حائض (قال يتصدق بدينار أوبنصف دينار) و الصحيح أنه موقوف .قال ابن كثير في تفسيرالآية { فاعتزلوا النساء في المحيض} في القول بعدم الكفارة عليه قال :وَهُوَ الصَّحِيحُ الْجَدِيدُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ، بَلْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُمْ رَفْعُ هَذَا الْحَدِيثِ .
2-المباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة وهذا جائز.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم عن أنس (اصنعوا كل شي إلا النكاح ) .ونقل النووي في شرح مسلم -الإجماع على الجواز.
3-أن يباشرها فيما بين السرة والركبة في غير الفرج فهذا الورع واﻷحوط تركه ﻷن النبي كان يأمرأهله فتتزرفيباشرها  من فوق الإزار .
ولما في الصحيحين عن أبي عبد الله النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الحلال بيّن والحرام بيّن ، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ، ألا وأن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه ، إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب).
الشاهد (ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه) .فقد يؤدي القرب من الحرام إلى الوقوع فيه وهذا كما تقدم من باب الورع والأحوط .
وقد تقدم من حديث أنس (اصنعوا كل شي اﻷ النكاح) وهذا يدل على على الجواز. وثبت في سنن أبي داوود(292)عن عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ( كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا) والحديث صحيح
وقد ذهب إلى هذا جماعة من العلماء.
وذهب أكثر العلماء على أنه يحرم المباشرة فيما بين السرة والركبة للحائض في غير الفرج كما نقله النووي عنهم في شرح صحيح مسلم .
وذلك سداً لذرائع الوقوع في المحرم.
ونقل ابن كثير في تفسيره عن كثير من العلماء عكس ما نقله عنهم النووي.
قال ابن كثير :فَقَوْلُهُ: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} يَعْنِي فِي الفَرْج، لِقَوْلِهِ: "اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ"  ؛ وَلِهَذَا ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ إِلَى أَنَّهُ تَجُوزُ مُبَاشَرَةُ الْحَائِضِ فِيمَا عَدَا الْفَرْجِ.
الرواية الثالثة : (وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف فأغسله وأنا حائض)
1-فيه طهارة الحائض فالحائض طاهر وعرقها طاهر وملابسها طاهرة إلا إذا وقع عليها النجاسة.
2-جواز تغسيل المرأة الحائض الموتى . 
وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: <سبحان الله إن المسلم لا ينجس>.
وقد ذهب إلى ذلك: مالك, وعلقمة, وعطاء, وابن المنذر, في «الإشراف» (2/321).
وقال النووي في «المجموع» (5/105) ط دار إحياء التراث: يجوز للجنب والحائض غسل الميت بلا كراهة, ودليلنا: أنهما طاهران كغيرهما. اهـ المراد.
وننبه على قصة لجماعة من المحدثين في هذه المسألة .وذلك فيما أخرجه الرامهرمزي رحمه الله عن شيخه أَبي عُمُرَ أَحْمَد بْن مُحَمَّدِ بْنِ سُهَيْلٍ قَالَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ ذَكَرَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ ابْنُ خَلَّادٍ وَأُنْسِيتُ أَنَا اسْمَهُ وَأَحْسبهُ يُوسُف بن الصَّاد قَالَ
وَقَفَتِ امْرَأَةٌ عَلَى مَجْلِسٍ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو خَيْثَمَةَ وَخَلَفُ بْنُ سَالِمٍ فِي جَمَاعَةٍ يَتَذَاكَرُونَ الْحَدِيثَ فَسَمِعَتْهُمْ يَقُولُونَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَوَاهُ فُلَانٌ وَمَا حَدَّثَ بِهِ غَيْرُ فُلَانٍ فَسَأَلَتْهُمْ عَنِ الْحَائِضِ تُغَسِّلُ الْمَوْتَى وَكَانَتْ غَاسِلَةً فَلَمْ يُجِبْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَنْظُرُ إِلَى بَعْضٍ فَأَقْبَلَ أَبُو ثَوْرٍ فَقَالُوا لَهَا عَلَيْكِ بِالْمُقْبِلِ فَالْتَفَتَتْ إِلَيْهِ وَقَدْ دَنَا مِنْهَا فَسَأَلَتْهُ فَقَالَ تُغَسِّلُ الْمَيِّتَ لِحَدِيثِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا أَمَا إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ وَلِقَوْلِهَا كُنْتُ أَفْرُقُ رَأْسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَاءِ وَأَنَا حَائِضٌ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ فَإِذَا فَرَقَتْ رَأْسَ الْحَيِّ فَالْمَيِّتُ أَوْلَى بِهِ فَقَالُوا نَعَمْ رَوَاهُ فُلَانٌ وَحَدَّثَنَاهُ فُلَانٌ وَيَعْرِفُونَهُ مِنْ طُرُقِ كَذَا وَخَاضُوا فِي الطُّرُقِ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ فَأَيْنَ كُنْتُمْ إِلَى الْآنَ .
هذه القصة ضعيفة فيها شيخ الرامهرمزي أَبُو عُمُرَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُهَيْلٍ لم أعرفه بعد البحث عنه  وشيخه مبهم  نسيه ابن خلاد أي الرامهرمزي وإن كان يوسف بن الصاد فلم أجده  والله أعلم .
وأبوثور المذكور: إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي الفقيه.
وأبوخيثمة: زهيرُ بن حرب.
 3- جواز مس المعتكف لزوجته  وهذا من غير شهوة .
أما قوله تعالى {ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ  } [البقرة : 187] .
فقال ابن كثير في تفسير هذه الآية الْمُرَادُ :بِالْمُبَاشِرَةِ الْجِمَاعُ وَدَوَاعِيهِ مِنْ تَقْبِيلٍ وَمُعَانَقَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَأَمَّا مُعَاطَاةُ الشَّيْءِ وَنَحْوهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ
4-خدمة المرأة لزوجها.
قال الإمام المقدسي رحمه الله   عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ يَتَّكِئُ فِي حَجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ يَقْرَأُ القُرْآنَ».
-الحِجْر : الحِضْن .
والحضن ما دُون الإبط إلى الكشح .
قال الخليل بن أحمد في كتاب العين (3/57) الكشح: من لدن السرة إلى المَتْن ما بَيْنَ الخاصِرة إلى الضِلَع الخَلْف، وهو مَوضِع مَوقِع السَّيْف إلى المُتَقَلِّد.
ويفسر الاتكاء ما في سنن أبي داود (260)«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ رَأْسَهُ فِي حِجْرِي فَيَقْرَأُ وَأَنَا حَائِضٌ» .
2-طهارة المرأة الحائض .
3-وفيه جواز قراءة القرآن بالقرب من مكان النجاسة .
وهذا يقتضي المنع من قراءة القرآن في الأماكن المستقذرة وقد قال تعالى { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}   .    
4-جواز قراءة القرآن للمضطجع وهذا داخل في قوله تعالى {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ}.

قال الإمام أبو محمد عبد الغني بن عبدالواحد المقْدِسِيِّ رحمه الله في عمدة الأحكام

 عن معاذة بنت عبد الله قالت :سألت عائشة رشي الله عنها فقلت :مابال الحائض تقضي الصوم ولاتقضي الصلاة ؟فقالت :أحرورية أنت ؟فقلت :لست بحرورية ولكني أسأل فقالت كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولانؤمر بقضاء الصلاة
<الفوائد>
1-فيه أن الحائض لاتصلي ولاتصوم .
2- قضاء الحائض الصيام دون الصلاة .
قال العلماء :الحكمة من ذلك أن الصلاة تكثر فيشق قضاؤها بخلاف الصوم فإنه يكون في السنة مرة واحدة.
3-جرح أم المؤمنين عائشة للخوارج لأنها ذمتهم واستفسرت من معاذة فقالت ( أحرورية أنت) .
 الحرورية : فرقة من الخوارج يرون قضاء الصوم وقضاء الصلاة على المرأة الحائض -فلهذا قالت عائشة(أحرورية أنت) وهذا من تعمقهم وتشددهم .
و مذهب أهل السنة على ما دلت عليه الأدلة من عدم القضاء للصلاة . قال ابن عبدالبر في التمهيد (22/107) :وَهَذَا إِجْمَاعٌ أَنَّ الْحَائِضَ لَا تَصُومُ فِي أَيَّامِ حَيْضَتِهَا وَتَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ لَا خِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ اهـ
4- أنه لا يلزم ذكر الحكمة  والعدول إلى ما هو أهم وهو الاستسلام  للدليل ، كان جواب عائشة : (كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولانؤمر بقضاء الصلاة) .
وقد بوب البخاري في كتاب الصيام بَابٌ: الحَائِضُ تَتْرُكُ الصَّوْمَ وَالصَّلاَةَ . وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: " إِنَّ السُّنَنَ وَوُجُوهَ الحَقِّ لَتَأْتِي كَثِيرًا عَلَى خِلاَفِ الرَّأْيِ، فَمَا يَجِدُ المُسْلِمُونَ بُدًّا مِنَ اتِّبَاعِهَا، مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الحَائِضَ تَقْضِي الصِّيَامَ وَلاَ تَقْضِي الصَّلاَةَ اهـ
فالرأي وهو العقل على وجوب قضاء الصيام والصلاة لأن كلا منهما عبادة لله سبحانه ولكن لا يجد المسلمون بُدَّاً من اتباع الدليل ولا مدخل للعقل في ذلك  والواجب علينا نقول سمعنا وأطعنا . .
واﻷدلة غالبا معللة بالحكمة ولكن أحيانا يخفى على العلماء وأحيانا يختلفون فيها على عدة أقوال .

*وبهذا ننتهي* والحمد لله .